في الوقت الذي يسعى فيه الفلسطينيون إلى تعزيز سيطرتهم على مناطق الأغوار وتحسين ظروف الحياة... تسعى السلطات الإسرائيلية إلى السيطرة عليه بحجج أمنية، باعتباره موقعًا حدوديًا يفصل بين الضفتين الشرقية والغربية، ويتمثل ذلك بمحاولات تهويد منطقة الأغوار، من خلال طرد السكان الفلسطينيين والتضييق عليهم.


في هذا الخصوص، أكد محافظ طوباس مروان الطوباسي في لقاء خاص مع quot;إيلافquot; أن محافظة طوباس والقيادة الفلسطينية تتابع باهتمام بالغ ما يحدث في منطقة الأغوار من اعتداءات إسرائيلية متتالية. وقال quot;إن الانتهاكات والإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال تعتبر جرائم بحق المواطنين في الأغوار الشمالية، التي تعد جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية التي تشهد أيضًا اعتداءات مشابهة بغرض التهويد وفرض السيطرةquot;.

وأضاف quot;أن الوضع في الأغوار الشمالية صعب للغايةquot;، مؤكدًا أن quot;الممارسات الإسرائيلية في تلك المنطقة لا تختلف كثيرًا عما يجري في القدس بغرض تهويدهاquot;. وأوضح أن هذا الأمر quot;يعود إلى مخطط إسرائيلي قديم صدر عام 1969، وكان يسمى آنذاك بـquot;خطة آلونquot;، التي اعتبرت أن الأغوار أو الأراضي التي تقع في غور الأردن من المناطق الفلسطينية يجب أن تبقى تحت السيطرة الإسرائيليةquot;.

وذكر الطوباسي أن هذه الخطة وهذه التوجهات كانت لمزاعم أمنية ولمسائل لها علاقة بأبعاد استراتيجية اقتصادية أيضًا بالنسبة إلى إسرائيل، مشددًا في الوقت عينه أن quot;الأغوار، سواء أكانت الشمالية أو الجنوبية، هي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ولن تكون هذه المنطقة إلا جزءًا من أراضي الدولة الفلسطينيةquot;.

وقال quot;إن منطقة الأغوار الشمالية تشهد جرائم إسرائيلية يومية ترتكب بحق المواطنين كالإخطارات المتعلقة بهدم المنشآت والحظائر والمساكن والمساجد، وإخطارات الترحيل وسياسة الإحلال السكاني التي يعتمدها الاحتلال لإحلال المستوطنين مكان الفلسطينيين، وإخطارات أيضًا من أجل مصادرة الأراضي واعتبارها أراضي عسكرية مخصصة للتدريبquot;.

وأقر الطوباسي بصعوبة الأوضاع في الأغوار الشمالية بالنسبة إلى السكان المتمسكين بأرضهم، لافتًا إلى أن عدد المستوطنين في المنطقة أصبح يقارب عدد الفلسطينيين. ونوه إلى أن هذا الأمر quot;يتطلب المزيد من الانتباه والحذر من المخططات الإسرائيلية الجادة في هذه الفترة لتهويد منطقة الأغوار وإطباق السيطرة عليهاquot;، مؤكدًا quot;أن عدد المستوطنين والمستوطنات في ازديادquot;.

وقال quot;من جهتنا نحاول وفق سياسة واضحة أن نقدم كل ما يمكن للمواطنين هناك، لتمكينهم من البقاء والصمود في وجه هذه المحاولات والجرائم التي ترتكب يوميًا من جانب الاحتلال والمستوطنينquot;.

وأكد الطوباسي أن المحافظة والسلطة تقدمان المساعدات المادية والعينية وإعادة بناء أية منشأة يتم هدمها وزراعة ما يدمره الاحتلال من مناطق زراعية، موضحًا أن هناك مسار عمل آخر يتمثل بالتعاون مع جهات الإغاثة الإنسانية العاملة في الأراضي الفلسطينية لتنفيذ مشاريع ذات طابع إغاثي لهؤلاء المواطنين.

من جهة أخرى، أشار إلى أنه quot;نعمل على تنفيذ مشاريع ذات طابع تنموي اقتصادي واجتماعي من خلال موازنة السلطة الفلسطينية لمشاريع لها علاقة بالمياه والزراعة وتعبيد الطرق وشق طرق زراعية وبناء مراكز الخدمات المشتركة وتحسين وضع الكهرباءquot;.
وأضافquot; نقوم بتنفيذ هذه الإجراءات وفق ما يتاح لنا بسبب ممارسات الاحتلال الذي يعوق تنفيذ المشاريع في الأغوار الشماليةquot;، منوهًا في الوقت نفسه إلى أن quot;المحافظة تتابع القضايا التي لها علاقة بإخطارات الهدم والترحيل لدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء والطاقم القانوني المكلف بمتابعة هذه القضايا أمام المحاكم الإسرائيلية رغم قناعتنا بعدم عدالتهاquot;.

وأشار إلى تمكنهم من تحقيق إنجازات على هذا الصعيد. وقال محافظ طوباس quot;حققنا انجازات، حيث حصلنا على قرارات احترازية لوقف تنفيذ إخطارات هدم لـ61 عائلة فلسطينية خلال الشهرين الماضيين، مقابل 91 إخطار تم تسليمهم، وجرى وقف هذه الإجراءات مؤقتًا لإتاحة المجال للمواطنين والجهات الرسمية الفلسطينية بتقديم الأوراق الثبوتية اللازمة لملكية هذه الأراضيquot;.

وبحسب الطوباسي، فإن هذه الأراضي تعود ملكيتها لمواطنين من طوباس، وهناك أوراق رسمية في هذا الخصوص، موضحًا في الوقت عينه استمرار العوائق الإسرائيلية من خلال وجود حاجزين يفصلان الأغوار الشمالية عن باقي محافظة طوباس، ويمنع الجنود المتمركزن عليها دخول من ليسوا مسجلين بعنوان السكن في الأغوار الشمالية، الأمر الذي يتناقض مع الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في منع الناس من حرية الحركة والوصول إلى أماكن عملهم.

وقال quot;نتيجة كل هذه الأوضاع، هناك إعاقة واضحة ومقصودة لاستحداث تنمية زراعية في هذه المنطقة، ولإفشال المشاريع التي نحاول أن نقوم بها من خلال السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة بتوجيهات من الرئيس محمود عباس في محاولة لإبقاء هذه السيطرة والاستمرار في هذه الجرائمquot;.

وعن آليات التصدي لهذه الإجراءات، أكد الطوباسي أن المحافظة والقيادة الفلسطينية تسلطان الضوء دائمًا على هذه القضية، ويتم دعوة قناصل الدول الأجنبية والصحافيين إلى زيارة المنطقة والإطلاع على الأوضاع هناك بهدف فضح ممارسات إسرائيل. وأضاف محافظ طوباس quot;ندرس إمكانية متابعة هذه الجرائم أمام المحافل الدولية لفضح سياسة إسرائيل بما يتوافق مع رؤية القيادة الفلسطينية في هذا الخصوص، إضافة إلى تقديم الإمكانيات والمشاريع والعمل لتشجيع مقاومة شعبيةquot;.

ودعا الطوباسي إلى ضرورة تصاعد المقاومة الشعبية السلمية في الأغوار أسوة بما يجري في بلعين ونعلين والمعصرة لكونها تعد مسألة وطنية واجبة على كل مواطن.

الأغوار الشمالية وعمليات التهويد
بدوره، قال غسان دغلس مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية في تصريح لـquot;إيلافquot; إن quot;منطقة الأغوار من أهم المناطق الخصبة والاستراتيجية في الضفة الغربية، وشهدت تسليط الضوء عليها بشكل ممنهج من قبل السلطات الإسرائيلية من خلال مصادرة الأراضي والعمل على تهجير السكان وتهويدهاquot;.

وأضاف quot;أن منطقة الأغوار تعد منطقة حيوية لكونها تعد منطقة حدودية تفصل بين الضفة الغربية والضفة الشرقية، من هنا كانت العمليات الممنهجة للسلطات الإسرائيلية بالعمل على فرض وقائع جديدة على الأرض بتعزيز مشاريع الاستيطان على حساب أراضي المواطنين والمزارعين وإقامة معسكرات الجيش لتنفيذ عمليات تدريب ساهمت في ترويع السكان وتهجيرهمquot;.

وأكد دغلس أن السلطات الإسرائيلية قامت بترحيل خرب صغيرة عدة وتهجيرها كعين المالح والبيضا وبردلة، وكان ذلك باستخدام سياسة هدم للبيوت والحظائر وترويع السكان بالتدريبات العسكرية التي تنفذها القوات الإسرائيلية بالذخيرة الحية بصورة مستمرة ليل نهار.

وذكر أن السلطة الفلسطينية تقف بجدية وحزم للتصدي للمحاولات الإسرائيلية الساعية للسيطرة على الأغوار، معربًا عن أمله في تنفيذ المشاريع التي تم التعهد بإقامتها في تلك المناطق بأسرع وقت لتعزيز صمود المواطنين.

في ما يتعلق بالجهود المبذولة حاليًا لفضح الممارسات الإسرائيلية، قال دغلس quot;إن الجهود مستمرة ومتواصلة من أجل ذلك، وتتمثل في تنظيم زيارات دورية للمنطقة للقناصل الأجانب والصحافيين، وتوثيق الاعتداءات، وتقويم الأضرار التي تحدث يوميًا على الأرض وتعويض المواطنينquot;.

منطقة المالح
أما عارف دراغمة رئيس مجلس محلي منطقة المالح والمضارب البدوية في الأغوار الشمالية فأكد في لقاء مع quot;إيلافquot; أن quot;منطقة المالح تضم نحو خمسة عشر تجمعًا سكانيًا، منها ثمانية هجرها سكانها بسبب إجراءات إسرائيل وممارساتها المتمثلة في عمليات الهدم والمصادرة لمصلحة إقامة المعسكرات التدريبية، إضافة إلى سيطرة السلطات الإسرائيلية على موادر المياه في المنطقة التي يعتمد معظم سكانها على تربية المواشي والزراعةquot;.

وأشار إلى أن الأهالي يعيشون في بيوت من الشعر، ويقطنها أربعمائة وعشرين عائلة، فيما يبلغ عدد سكانها نحو 2500 نسمة يعتمدون أساسًا على تربية الثروة الحيوانية، فيما يعتمد جزء بسيط منهم على الزراعة.

وأكد دراغمة أن منطقة المالح تعرضت لإجراءات التهويد ومحاولات السيطرة عليها من قبل السلطات الإسرائيلية، وتمثل ذلك في إقامة ثمانية مستوطنات ومعسكرات للجيش، حيث صادرت وأغلقت ما يقارب 70% من أراضي السكان لأغراض التدريب العسكري بالذخيرة الحية، كما صادرت السلطات الإسرائيلة موارد المياه لمصلحة المستوطنات.

ورأى رئيس مجلس محلي منطقة المالح والمضارب البدوية في الأغوار الشمالية quot;أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فحسب، وإنما هناك حواجز تعمل على إغلاق الطرق ومنع تنقل المواطنين، إضافة إلى عمليات الهدم المستمرة، ويوجد حاليًا لدينا 67 إنذارًا بالهدم للبركسات والحظائر، كما يمنع السكان من عمليات بناء المساكن بحجج ودواع أمنيةquot;.

ولفت إلى أن المنطقة تمتاز بموقعها الجغرافي وأهمية كبيرة لكونها تعد حدودية وفاصلة بين الضفتين الشرقية والغربية، إضافة إلى كونها تشتمل على مواقع أثرية وسياحية جيدة كالمعلقات الجبلية وطريق اللصم وطاحونة الحبوب، التي كانت تدار على مياه الوادي والآبار كبيرة الحجم والمحفورة في الصخور الصلبة والينابيع الحلوة التي لا تفصلها عن المياه المالحة سوى أمتار قليلة كنبع أم طيون.

وبحسب دراغمة، تمتاز بعض ينابيع هذه المنطقة بمياهها العلاجية الممتازة والمفيدة للشفاء من الكثير من الأمراض، حيث إن هذه المياه ذات صفة تؤهلها في الحفاظ على جسم الإنسان ومعالجة أمراض الجلد وتخثر الدم.

المعاناة والمشاكل
رئيس مجلس محلي المالح يشير إلى أن quot;المنطقة تفتقر للبنية الأساسية كما تفتقر لوجود المدارس، بحيث يضطر الطلبة، الذين يتجاوز عددهم تسعين طالبًا، إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب مدرسة، كما لا تتوافر لهم وسيلة نقل ثابتةquot;.

وأضاف إن quot;هناك الكثير من المشاكل الأخرى، من بينها غياب وجود المراكز الصحية لعلاج المرضى، ولا يتوافر سوى بعض الخدمات الأولية، الأمر الذي تسبب في وفاة بعض المواطنين، وكذلك بعض حالات الإجهاض لطول المسافة الواصلة إلى أقرب مركز صحي متقدم، وبسبب إجراءات الإحتلال المتمثلة بالحواجز العسكريةquot;.

وأكد دراغمة أن المشاكل باتت تتفاقم مع تندر المياه الصالحة للشرب، حيث بات يشق على السكان توفير المياه اللازمة، موضحًا أن عملية تربية المواشي أصبحت صعبة جدًا بسبب تشديد الخناق الإسرائيلي على المراعي.

تجدر الإشارة إلى أن الأغوار الشمالية تقع إلى الشرق من محافظة طوباس، وفي قلب الأغوار الشمالية تقع منطقة وادي المالح التي تمتد لمساحات شاسعة، دمّرت إسرائيل كل معالمها وشتت سكانها، ويعتبر المجلس المحلي فيها المؤسسة الوحيدة العاملة في المنطقة.