لم يتوقع المهندس محمود أبو هريرة أن تتحول دعوة أطلقها مع مجموعة من أصدقائه على فايسبوك للتظاهر يوم 25 كانون الثاني- يناير الماضي، إلى ثورة شعبية ينظر إليها العالم كله بالكثير من الفخر والإعتزار. وأكد في حديث مع إيلاف من ميدان التحرير أن نظام مبارك يحتضر، وأنه قريبًا سيعلن عن وفاته.
![]() |
لم يتوقع المهندس محمود أبو هريرة أن تتحول دعوة أطلقها مع مجموعة من أصدقائه على فايسبوك للتظاهر يوم 25 كانون الثاني- يناير الماضي، إلى ثورة شعبية ينظر إليها العالم كله بالكثير من الفخر والإعتزار، وينتظر نتائجها، واضعاً يده على قلبه خوفاً على صانعيها من بطش نظام، لايجيد سوى لغة الرصاص والتعذيب.
وفي حوار مع quot;إيلافquot; من أرض ميدان التحرير، حيث يعتصم مع الثوار منذ جمعة الغضب في 28 كانون الثاني- يناير الماضي، رفض أبو هريرة وصف الثورة المصرية بأنها quot;ثورة شبابquot;، مؤكداً أنها ثورة شعب يعاني الفقر والقهر منذ ثلاثين عاماً. كما رفض محمود، الذي يمتلك مع أشقائه شركة للإنشاءات، ما تسمّى بـquot;لجنة الحكماءquot;، التي تتفاوض مع نائب الرئيس عمر سليمان، مشيراً إلى أن أعضاءها لا يمثلون الثورة، وأن الثوار لم يروا أياً منهم في ميدان التحرير. وأعلن أن المحتجين لن يبرحوا الميدان إلا بعد إسقاط النظام الحاكم بكل رموزه ووجوهه التي نهبت خيرات البلاد لأكثر من ثلاثة عقود.
إيلاف ـ كيف ومن أين بدأت الدعوة إلى مظاهرات 25 يناير؟
أبو هريرة: أنشأت مع مجموعة من الشباب العديد من الصفحات على موقع فايسبوك للمطالبة بالإصلاحات السياسية والدستورية والإجتماعية في مصر، وكان ذلك منذ سنوات، لكن لم يعيرنا أي مسؤول في النظام أدنى إهتمام، فرفعنا سقف مطالبنا إلى إسقاط النظام، لاسيما بعد إنتخابات مجلس الشعب التي شهدت أعمال تزوير على نطاق واسع، حيث تأكدنا أن من نناشده الإصلاح هو نظام اعتاد على الفساد حتى صار جزءاً من آليات علمه اليومي.
وبدأنا الدعوة إلى التظاهر يوم الثلاثاء 25 يناير تزامناً مع الإحتفال بعيد الشرطة، وذلك من أجل الإحتجاج على إنتشار التعذيب الذي راح ضحيته الآلاف من المصريين، منهم خالد سعيد. وكانت دعوتنا أن تكون المظاهرات سلمية، وكنا نهتف quot;سلمية سلميةquot;، لكن ما حدث بعد ذلك كان شيئاً قاسياً جداَ.
إيلاف ـ إذًا أنت شاركت في المظاهرات التي فضتها قوات الأمن بالقوة يوم الثلاثاء 25 يناير؟
أبو هريرة: نعم، وتعرضت للضرب، وأصبت في ساقي، ونقلني زملائي من المحتجين بعيداً عن الميدان الذي كان أشبه بساحة حرب. لقد استخدمت قوات الأمن كل وسائل العنف ضدنا، حيث بدأت باستخدام مضخات المياه، ثم القنابل المسيلة للدموع، ثم الرصاص الحي. لكننا صمدنا بقوة، نعم استطاعت القوات تفريقنا، إلا أن أعدادًا كبيرة باتوا ليلتهم في الشوارع الجانبية، ثم عادوا في الصباح، وهاهم مستمرون في ثورتهم حتى الآن.
أما أنا فقد رجعت إلى بيتي بعد تعرضي لإصابة في ساقي، ثم عدت في الصباح. نحن لم نخرج من أجل مصالح شخصية أو تنفيذاً لأجندات أجنبية، بل لأننا أصحاب قضية، إنها قضية تحرير الوطن من الإستبداد والظلم. ولذلك أرفض القول إن ما حدث ثورة جياع، لأنها ثورة شعب متحضر جداً، حيث يشارك فيها مصريون مثقفون ومحامون ومحاسبون ومتخرجو جامعات وأساتذة أكاديميون، جنباً إلى جنب مع البسطاء من العمال والفلاحين.
كل هؤلاء عانوا سنوات طويلة، فمثلاً كان تعدي أمناء الشرطة على شتى فئات المجتمع، وبعضهم أعلى منهم في الدرجة العلمية أو الثقافة من أكثر مظاهر الظلم انتشاراً في مصر، لذلك خرج الجميع من أجل إسقاط هذا النظام الفاسد، وتحقيق الحرية.
إيلاف ـ ألقى الرئيس مبارك خطابين منذ إندلاع الثورة، الأول أعلن فيه إقالة الحكومة، والآخر عدم الترشح لأنتخابات الرئاسة المقبلة وتنفيذ أحكام القضاء في طعون مجلس الشعب، كما إنه عيّن نائباً له، كيف ترى تلك الإصلاحات؟
أبو هريرة: كل ذلك ليس إلا مجرد محاولات لخداع الشعب، وإطالة عمر النظام الحاكم، وهو نظام لا يمكن الوثوق به مطلقاً، فمثلاً بعد خطاب الرئيس الذي أعلن فيه عدم الترشح للرئاسة مرة أخرى، تعرض المحتجون لهجمات من قبل البلطجية المأجورين باستخدام الخيول والجمال والأسلحة البيضاء والنارية.
الغريب أن هؤلاء البلطجية يتظاهرون حالياً ضد قيادات في الحزب الوطني، للمطالبة بتنفيذ وعودهم لهم بالحصول على شقق سكنية بعد تنفيذ الهجوم ضدنا. كما إنه قال إنه سينظر في تنفيذ أحكام القضاء ضد الطعون على إنتخابات مجلس الشعب، وكلها مجرد وعود لم تخرج إلى حيز التنفيذ.
حتى الآن ما زال النظام يستخف بعقول الناس، حيث خرج رئيس الوزراء أمس يقول إن ميدان التحرير كان خالياً، فهذا خداع، في الوقت الذي تقدر أعداد المحتجين بمئات الآلاف. كما إننا لم نكن نطالب بإقالة حكومة الدكتور أحمد نظيف أو تعيين نائب للرئيس، فهذه المطالب سبق أن نادت بها المعارضة والشعب كله طوال الثلاثين عاماً الماضية، نحن طالبنا وما زلنا بإسقاط النظام ومحاكمة رموزه.
إيلاف ـ صف لنا ما حدث يوم الأربعاء عندما تعرضت لهجمات من البلطجية؟
أبو هريرة: في ذلك اليوم، علمنا أن هناك مظاهرة سوف تخرج تأييداً للرئيس مبارك، ولم يكن ذلك يشكل أية أزمة بالنسبة إلينا، فنحن دعاة إلى حرية الرأي والتعبير، وإذا كان هناك من يريد بقاء الرئيس في السلطة، فمن حقه التعبير عن رأيه، ولكننا فؤجئنا بأعداد من المتظاهرين المؤيدين للرئيس يقتربون منا، ويحاولون الدخول إلى ميدان التحرير من ناحية ميدان الشهيد عبد المنعم رياض، وكان يبدو على ملامحم أنهم معتادون على الإجرام، لاسيما أنهم لم يكونوا يحملون أية بطاقات هوية، وكانت في حوزتهم أسلحة بيضاء.
وبناء عليه رفضنا السماح لهم بالإنضمام إلى المتظاهرين، فبدأوا في التعدي علينا بالشتائم والسباب بألفاظ قبيحة، فلم نرد، لأننا لا نجيد التعامل بهذه اللغة الرديئة.
وسرعان ما تطور الأمر إلي ضرب بالأسلحة والعصي التي كانوا يحملونها، فاستغثنا بزملائنا. وبدأت المعركة التي لم تكن متكافئة بأي حال من الأحوال. في البداية اخترقوا المظاهرة بالجمال والخيل، وضربونا بقسوة بالسياط والعصي، وألقوا علينا زجاجات حارقة. وكنا نحن مواطنين عزل، لم ندرك أن الأمر سوف يتطور إلى هذا الحد الخطر، لذلك أصابنا الذهول ووقفنا دقائق في حالة عدم إتزان، ثم سرعان ما استجمعنا قوتنا، وقررنا التصدي لهم، فأسقطنا بعضهم من فوق الجمال والخيل، وقبضنا عليهم.
![]() |
المهندس محمود أبو هريرة |
في لحظة ما بدأوا في قذفنا بالحجارة. وكانت تلك اللحظة مصدر إلهام لنا، حيث وجدنا أن الحجارة هي أفضل وسيلة للدفاع عن أنفسنا أمام تلك الهجمات البربرية، فتولت مجموعة منا مهمة تكسير بلاط الأرصفة وتحويلها إلى حجارة صغيرة، ثم تولت مجموعة أخرى نقلها إلى الثوار الذين يتصدون للمهاجمين.
لكنهم كانوا يستخدمون أسلحة جديدة، ومنها الزجاجات الحارقة التي كانوا يقذفوننا بها من فوق العمارات المحيطة بالميدان، وكان الأخطر هو استخدام الأسلحة النارية، حيث سقط معظم القتلى نتيجة إطلاق الرصاص عليهم من قناصين كانوا يتمركزون فوق أسطح المنازل. وكانت أصعب لحظة في حياتي، عندما كنت أمدّ يدي لإلتقاط حجر، وكان هناك شاب آخر يمد يده للهدف نفسه، وما إن رفع رأسه ليقذف بالحجر، حتى أصيب برصاصة وسقط على الأرض غارقاً في دمائه، حملته أنا وزملائي.
وبينما كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان يطالبنا بالصمود، مؤكداً أن النصر للثورة، بل طلبنا منا أن نتركه يموت، وأن نتفرغ للدفاع عن ميدان التحرير، ليظل أول منطقة محررة في مصر. مات الشاب الذي لم أكن أعرفه من قبل، بكيت بشدة، وبكى كل من رآه وهو يموت، ونفذنا وصيته بعدما تركناه في المركز الطبي الميداني، وعدنا لمقاومة المهاجمين، وتعرضت للإصابة في الرأس والحاجب. وصمدنا أكثر من 17 ساعة، وكان ذلك آخر بطاقة في يد النظام، حاول إرهابنا بها.
إيلاف ـ ما هي توقعاتك لمستقبل الثورة، لاسيما أن هناك من يقول إنها فقدت الكثير من زخمها؟
أبو هريرة: النصر سيكون حليف الثورة، وسوف يسقط مبارك ونظامه. المصريون صاروا يرون فيها متعة حقيقية، هم يحضرون إلى ميدان التحرير يومياً من أجل تنفس الحرية، والإستمتاع بها، وهذا شكل خيبة أمل للنظام، حيث كان يظن أن من يعتصمون في الميدان سوف يملّون ويرحلون، وهذا لم يحدث، فمع مطلع كل شمس تكتسب الثورة وجوها جديدة، والنظام الآن يحتضر، ولن تقوم له قائمة مرة أخرى.
وأعتقد أن استمراره حتى الآن، يأتي بتكليف من أميركا واسرائيل حتى تنتقل السلطة إلى أي شخص آخر يكون موالياً لهاتين الدولتين، لكننا لن نرضى إلا برئيس منتخب من الشعب كله في إنتخابات نزيهة.
إيلاف ـ البعض يخشى العودة إلى منازله، حتى لا يتعرض للإعتقال والتنكيل به مجددًا من قبل رموز النظام، ما رأيك؟
أبو هريرة: مظاهراتنا مستمرة، ليس لأننا نخشى العودة إلى منازلنا حتى لا نتعرض للإعتقال والتنكيل بنا، ولكن لأننا تعهدنا بالثأر لشهداء الثورة من النظام المستبد الفاسد، ولأن مطالب الثورة لم تتحقق بعد، ألا وهي رحيل، إسقاط مبارك. لا نخشى الإعتقال فقد تعرضنا له من قبل، وتعرضنا للضرب والتعذيب، قد يستطيع الأمن اعتقال بعض الرموز من الشباب والمعارضة، لكنه لن يستطيع إعتقال كل هذه الجماهير، لن تتسع السجون لهم.
النظام الآن يشبه الأسد بدون أنياب، لن يستطيع أن يرعبنا كما كان في السابق، كما إن الشعب تحرر من عقدة الخوف، وعرف جيداً كيف يحصل على حقه، لن يستطيع إرهابنا، لقد كان البلطجية آخر ما في جعبته، النظام يحتضر، وعما قريب سوف نعلن عن وفاته من ميدان التحرير.
التعليقات