يرى محللون أن المظاهرات في سلطنة عمان تحمل بعدا سياسيا رغم ظاهرها الاجتماعي وهي امتداد لما حدث في الوطن العربي.


مسقط: انكسر الهدوء المعمر في سلطنة عمان اثر التظاهرات الاحتجاجية المفاجئة التي يرى محللون انها تحمل في طياتها، رغم ظاهرها الاجتماعي، بعدا سياسيا وتشكل امتدادا للانتفاضات في دول عربية اخرى.
وتقول الباحثة في شؤون التحول السياسي في الشرق الاوسط والخليج في مركز كارنيغي للسلام مارينا اوتاواي لوكالة فراس برس ان quot;التحركات في هذه المنطقة بما في ذلك عمان تتمحور حول السياسة والحقوق اكثر مما تدور حول الاقتصادquot;.

وتوضح quot;ليست المشاركة السياسية وحدها ما يثير التظاهرات، بل حالة التململ في هذه الدول التي يشعر سكانها بان العالم يتغير وهم لا يزالون في اماكنهمquot;.
وشهدت سلطنة عمان، التي ينظر اليها على انها دولة quot;شبه معزولةquot; سياسيا في الخليج، تظاهرات في مناطق مختلفة استقرت في العاصمة مسقط حيث يعتصم امام مجلس الشورى اكاديميون ومثقفون ينادون quot;بمكافحة الفساد والمزيد من الحرياتquot;.

وكانت التظاهرات اندلعت يوم السبت في صحار شمال العاصمة حيث قتل شخص خلال مواجهات مع الشرطة بعدما احتل حوالى 300 محتج من العاطلين عن العمل احدى ساحات المدينة.
ورفع المتظاهرون لافتات تشير الى مطالبهم وابرزها quot;توفير وظائف في ميناء صحارquot; وquot;زيادة الرواتبquot; وquot;الاصلاحquot; وquot;الرقابة على الحكومة والشركاتquot; وquot;محاكمة جميع الوزراءquot; وquot;الغاء جميع الضرائبquot;.

ويقول نائب مدير مركز بروكينغز في الدوحة ابراهيم شرقية ان هذه التظاهرات quot;ورغم انها لا تزال ضمن اطار معقول، الا انها تشكل مفاجأة بالفعل، على اعتبار ان التركيز لطالما كان في مواقع خليجية اخرى، تحديدا في البحرينquot;.

ويرى ان ما يجري quot;يستحق الانتباه والتعامل معه بجدية، مع العلم ان ليس هناك من مؤشر بعد على ان البلاد قد تسير على خطى تونس ومصرquot;.
وتأتي التظاهرات في السلطنة الواقعة ضمن منطقة استراتيجية مطلة على مضيق هرمز الذي تعبره 40 بالمئة من امدادات النفط العالمية، في وقت يشهد فيه اليمن المجاور والبحرين القريبة حركات احتجاجية تطالب بالتغيير والاصلاح، وحتى اسقاط النظام.

وتستلهم هذه التحركات الانتفاضتين الشعبيتين في تونس ومصر اللتين اسقطتا نظامي الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك.
ويحكم عمان السلطان قابوس بن سعيد من حوالى 41 عاما، ويعتبر صاحب ثاني اطول فترة حكم من بين الحكام العرب الباقين على قيد الحياة بعد العقيد الليبي معمر القذافي الذي يواجه نظامه بدوره انتفاضة شعبية غير مسبوقة.

وينظر الى قابوس على انه نجح في نقل بلاده بعد استلامه سدة الحكم خلفا لوالده، من طور التأخر والانطواء الى عهد الحداثة.
ويعيش في السلطنة النفطية التي لا تنتمي الى منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك)، ثلاثة ملايين نسمة بينهم 20% من الاجانب. ويعتبر اقتصادها مزدهرا، الا ان البطالة تطال نسبة من شبابها في ظل معدلات مرتفعة من التعليم.

ويؤكد الكاتب والباحث العماني في الشؤون السياسية الخليجية محمد العريمي ان الاحتجاجات الحالية ليست موجهة ضد السلطان، موضحا quot;الكل يحبونه وينظرون اليه كوالد للجميعquot;.
ويشدد على ان quot;الهدف ينحصر بايجاد حلول للبطالة ومكافحة الفساد الحكومي الذي ظهر بشكل خاص خلال السنوات الخمس الماضية، لكن ايضا بتوفير مساحة اكبر للحريات التي تعتبر شبه مكتومة او تسير ضمن اجندات معينةquot;.

ويلفت العريمي الى ان الاحداث الجارية في دول عربية اخرى quot;تساهم في تأجيج التحركات (...) والكبت على كل حال له حد معينquot;.
وكان السلطان قابوس اعلن الاحد عن سلسلة تدابير اجتماعية للتخفيف من التوتر في السلطنة التي تشهد منذ عقود استقرارا سياسيا واقتصاديا، تشمل توظيف 50 الف مواطن.

وتقول اوتاواي quot;ما تعلمناه من دول اخرى هو ان هذه التنازلات لا تجدي نفعاquot;.
وتوضح quot;ما يجب ان نراقبه هو ما اذا كانت السلطة ستقدم على تنازلات سياسية (...) فالقضية هي نفسها من تونس الى مسقط: الناس يفتقدون حق المشاركةquot;.
وكتبت صحيفة quot;الوطنquot; العمانية في عددها الصادر الاربعاء ان quot;الحراك الشعبي الذي تشهده السلطنة (...) يتسم بخصوصية عمانية لا تخفى على المراقبquot;.

واضافت quot;ربما في زحمة الاحداث التي يموج بها الوطن العربي تغيب تلك الخصوصية عن بعض المراقبين من بعيد الذين قد يربطون بسهولة تنأى عن جوهر الحقيقة بين تلك الاحداث او يعتبرون ان ثمة (تماثلية) او تطابقا بين المشاهد والملامحquot;.
ويعتبر العريمي quot;ان الظاهرة التي تشهدها البلاد لا تطالب بتغيير النظام، بل باصلاحهquot;.

ومن جهته، يحذر شرقية من انه quot;اذا لم يتم التعامل بحكمة مع هذه المطالب، واذا سفكت دماء، فمن المحتمل ان تبرز قضايا جديدة ترفع سقف المطالب السياسية للمتظاهرينquot;.
وتثير الاضطرابات في هذا البلد الشاسع الممتد على مساحة اكثر من 309 الاف كيلومتر مربع في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية وله حدود مع كل من الامارات والسعودية واليمن المضطرب، قلقا خليجيا.

وبحسب صحيفة quot;القبسquot; الكويتية، فان مجلس التعاون الخليجي يستعد لاطلاق مشروع quot;مارشال خليجيquot; يركز على quot;تحسين الظروف المعيشيةquot; في سلطنة عمان والبحرين.
وتقول اوتاواي ان سلطنة عمان quot;تعتبر دولة مستقرة وهادئة، ولذا فان التظاهرات فيها تمثل جرس انذار لدول مجاورةquot;.