أزاح مؤسس حركة جنوب السودان الستار عن أسرار جديدة تتعلق بدعم إسرائيل المتمردين، معتبراً أن تل أبيب وضعت حجر أساس انفصال الجنوب عن الشمال، عندما نقلت غنائمها من الأسلحة في معارك 67 إلى جنوب السودان، كما كشف النقاب عن اتفاق سري بين جعفر نميري وآرئيل شارون.
كشف مؤسس حركة جنوب السودان الجنرال المتقاعد quot;جوزيف لاغو لونغاquot; عما وصفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية بـ quot;الأسرار الجديدةquot; ذات الصلة بالدعم العسكري واللوجستي، الذي منحته اسرائيل للمتمردين في جنوب السودان، تمهيداً لتقسيم هذا البلد الى دولتين، تحظى إحداهما بتقارب غير مسبوق مع إسرائيل.
وتحت عنوان quot;رجلنا في جوباquot;، أجرت الصحيفة الإسرائيلية حواراً موسعاً مع لونغا، مشيرة في استهلالها الى ان الجنرال المتقاعد تجوّل في عدد ليس بالقليل من الدول الأفريقية وغيرها بأسماء وجوازات سفر مستعارة، في محاولة إلى إخفاء هويته، فعندما سافر الى اوغندا والكونغو تحرك باسم quot;تشارلزquot;، وفي روما كان معروفاً بـ quot;نيثانquot;، وفي مناطق أخرى حمل جواز سفر مزوراً باسم quot;ليوناردquot;.
غير انه عندما وصل الى هدفه الاساسي من رحلاته المتتالية، استقبله عدد من جنود الجيش الاسرائيلي في مطار مدينة quot;اللدquot;، وأمطروه بعبارات التحية، ولكن باسمه الحقيقي: quot;مرحباً جنرال جوزيف لاغو، لقد انتظرناك كثيراًquot;.
رحى المعارك الاهلية
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، كان ذلك في عام 1969، وكانت رحى المعارك الأهلية في الجنوب السوداني حامية الوطيس ضد حكومة الشمال، وهى المعارك التي حصدت ما يربو على نصف مليون ضحية حتى تم اعلان وقف اطلاق النار بين الجانبين منذ ما يقرب من ثلاث سنوات فقط.
بعد مهمته السرية في اسرائيل عاد الجنرال السوداني الى منزله، بعدما حصل من رئيسة الوزراء في حينه غولدا مائير على تعهد بتزويد متمردي الجنوب السوداني بصفقات من الاسلحة، فضلاً عن تدريب وتأهيل المتمردين عسكرياً، وهي المساعدات التي اعتبرها لونغا حيوية، وعدّلت قواعد نضال جنوب السودان من اجل المساواة في الحقوق والتعبير عن الذات. وفي حواره مع الصحيفة العبرية قال: quot;ان المساعدات الاسرائيلية هى السبب في الطريق التي نسلكها اليوم، ولن ننسى ذلك نهائياًquot;.
وبعد ايام من اجراء استفتاء تقرير مصير الجنوب السوداني، الذي صوّت فيه سكان الاقليم لمصلحة الانفصال عن الشمال، اقام الجنرال المتقاعد مؤسس حركة جنوب السودان جوزيف لاغو لونغا quot;81 عاماًquot; في احدى الحدائق المتاخمة لمدينة جوبا، التي من المقرر ان تكون عاصمة لدولة الجنوب السوداني المرتقبة، ومن مقر اقامته تحدث الى الصحافية الاسرائيلية quot;دانا هيرمانquot; مراسلة صحيفة هاآرتس العبرية، عائداً بذاكرته الى الوراء، ليسرد تفاصيل العلاقات السرية بين حركته والدولة العبرية قبل ما يقرب من نصف قرن.
ويقول لونغا: quot;بدأت تلك العلاقات بخطاب شخصي بعثت به الى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق quot;ليفي اشكولquot;، بعد ايام من حرب حزيران/ يونيه عام 1967quot;، ووفقاً للجنرال المتقاعد وما نقلته عنها الصحيفة العبرية جاء نص الخطاب كالآتي: quot;سيدي رئيس وزراء اسرائيل، نبارك انتصارك على العرب، فأنتم أبناء شعب الله المختارquot;. ووفقاً للجنرال السوداني المتقاعد، كان من البديهي ان تكون بداية العلاقة عبارات مجاملة تصل الى حد النفاق، وكان الخطاب جيداً، ولاقى استحساناً لدى اشكول.
أوائل أبناء الجنوب
في تلك الفترة كان جوزيف لاغو من اوائل ابناء الجنوب السوداني، الذين تلقوا تعليمهم في مدينة ام درمان، حيث الكلية العسكرية التي تتخذ من الشمال السوداني مقراً لها، حتى تم تجنيده في جيش السودان، لكنه هرب من الخدمة عام 1963 للانضمام الى الحرب الاهلية الدائرة في الجنوب ضد الشمال، وما لبث أن أسس وقاد حركة تمرد اطلق عليها quot;أنيانياquot;، وكان من بين الضباط الشباب الذين عملوا تحت قيادته في هذه الآونة quot;غون غارنغquot;، الذي قاد المتمردين في الحرب الاهلية الثانية في الجنوب.
كما كان من بين تلاميذه quot;سالفا كيرquot; الذي قاد حركة التمرد بعد اغتيال غارنغ إثر سقوط المروحية التي كانت تقله عام 2005، ومن المقرر ان يصبح سلفا كير رئيساً لدولة الجنوب السوداني بعد انفصالها عن الشمال.
ووفقاً للصحيفة العبرية، كانت احدى شخصيات جنوب السودان المدعو quot;جوزيف أودوهوquot; اول من فتح قنوات التقارب بين الجنرال المتقاعد لونغا واسرائيل، فنظراً إلى الصداقة التي تربط بين الرجلين، قدمه الاول لسفير تل ابيب في العاصمة الاوغندية كامبالا، وقال له بالحرف الواحد: quot;هناك من شارك اسرائيل حربها ضد العربquot;، قاصداً بذلك لونجا.
وخلال الاقتراح عرض الاخير في خطاب للسفير الاسرائيلي طلباً بالحصول على اسلحة اسرائيلية لدعم تمرد الجنوب السوداني ضد الشمال، وجاء في الخطاب ايضاً: quot;انه اذا حصل متمردو الجنوب السوداني على السلاح الاسرائيلي، فإن لونجا يتعهد بالحيلولة دون انضمام جيش شمال السودان الى الجيش المصري او جيوش الدول العربية الاخرى للحرب ضد اسرائيلquot;.
وعن الفترة التي تلت الخطاب يقول الجنرال الجنوب سوداني المتقاعد لونغا: quot;انتظرت الرد الاسرائيلي على الخطاب، غير ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ليفي اشكول وافته المنيّة، قبل ان يرى بعينيه الخطاب، ولحسن الحظ تولت خلافته quot;غولدا مائيرquot;، التي حرصت على اقامة علاقة وطيدة معي، فكان الاسرائيليون يركزون على جزء معين من الخطاب، وهو الذي اعربت فيه عن استعدادي لمنع الجيش السوداني من الاتحاد مع الجيش المصري والجيوش العربية الاخرى ضد اسرائيل، كما فطن الاسرائيليون الى قدرتي على تشويش عمل الجيش المصري اذا حاول دعم الجيش السودانيquot;.
لقاء مع غولدا مائير
تقول هآرتس ان رئيسة الوزراء الإسرائيلية في حينهغولدا مائير دعت الجنرال المتقاعد جوزيف لاغو لونغا الى زيارة اسرائيل، وعن ذلك يقول: quot;كان لرئيسة الوزراء الاسرائيلية دور كبير في تهريبي الى اسرائيل، وخلال الزيارة قمت بجولة بين المعسكرات الاسرائيلية المختلفة، من الجولان وحتى سيناء والضفة الغربية، والتقيت رئيسة الوزراء في مكتبها في القدس، ودار الحديث بيننا حول مسائل دينية، اكدت خلالها ان المسيحيين في جنوب السودان يعتبرون اليهود من اقارب عائلة يسوعquot;.
كما تطرق الحديث الى الاسلحة، واتفق الطرفان على ابرام صفقة في ما بينهما، وبالفعل بعد فترة ليست بالطويلة، وصلت مدينة جوبا صفقة اسلحة من اسرائيل، تضمنت قذائف هاون، وصواريخ مضادة للدبابات، ومدافع خفيفة، ووفقاً للصحيفة العبرية كانت تلك الاسلحة من غنائم المعارك التي خاضتها اسرائيل مع العرب عام 1967.
ويرى لونجا في حواره لـ هاآرتس، رفضت اسرائيل منح متمردي الجنوب السوداني اسلحة من صناعة اسرائيل، لإحفاء هويتها في دعم التمرد المسلح في جنوب السودان، وبعد ارسال الاسلحة زار الجنوب السوداني ثلاثة مستشارين من اسرائيل، أحدهم عسكري، والآخر طبي والثالث فني، وانضموا إلى المتمردين لتدريبهم على اداء المهام العسكرية واستخدام الاسلحة، وكيفية التعاطي مع ميدان القتال.
وعندما زادت صفقات الاسلحة التي حصل عليها المتمردون من الكونغو وتجار الاسلحة quot;وكلها كانت من اسرائيلquot;، تمكن مسلحو الجنوب السوداني من الوقوف ضد حكومة الخرطوم، ولفت انتباهها الى ان القوة التي يتمتع بها جنوب السودان لم تعد واهنة، وينبغي وضعها في الحسبان بحسب لونجا.
ويكشف مؤسس حركة جنوب السودان النقاب عن ان العلاقات بين اسرائيل ومتمردي الجنوب السوداني تعرضت لانتكاسات بداية من عام 1972، وذلك بتأثير مباشر من مصر وليبيا، إذ قرر رئيس اوغندا عيدي أمين اغلاق السفارة الاسرائيلية في بلاده وطرد الاسرائيليين الموجودين هناك، وكان من بينهم عدد ليس بالقليل من الخبراء والمستشارين العسكريين الاسرائيليين.
كان لهذه الخطوة بالغ الاثر في قطع ممر تهريب الاسلحة الاسرائيلية عبر اوغندا الى الجنوب السوداني. ويقول لونجا في حديثه مع الصحيفة العبرية: quot;كان هناك طريق آخر أكثر نجاعة لحصول الجنوب السوداني على الاسلحة الاسرائيلية، وذلك عن طريق الطائرات التي تنقل الاسلحة الى الجنوب عبر الاجواء الاثيوبية، على ان يتم تزويد الطائرات بالوقود في كينيا، غير ان هذا العام quot;1972quot; شهد توقيع شمال السودان وجنوبه على اتفاق quot;أديس أباباquot;، وهو اتفاق السلام الذي تم ابرامه بمبادرة من قيصر اثيوبيا quot;هيلاسي لاسيquot;، وبموجبه وافق الجنوب على وقف القتال مقابل الحكم الذاتي الاقليمي في مجالي الدين والثقافة، حينئذ طلبت حكومة الخرطوم قطع علاقات جنوب السودان باسرائيلquot;.
اتفاق نميري شارون
عن هذا التحول في محور العلاقات بين جنوب السودان واسرائيل، يرى الجنرال المتقاعد جوزيف لاغو ان اتفاق السلام الذي يدور الحديث عنه كان يؤرق اسرائيل، الأمر الذي دعا لاجو الى الهرولة بسرعة البرق الى العاصمة الكينية نيروبي، ليبلغ عملائه الاسرائيليين هناك انه لا يستطيع رفض السلام، وهو الامر الذي تفهمته اسرائيل حينما ابلغته: quot;ان تل ابيب تتفهم رغبته في منح شعبه هدنة من القتالquot;.
ووفقاً للاجو استمرت الهدنة 11 عاماً، تمكن فيها الطرفان المتقاتلان من اعادة تأهيل نفسيهما عسكرياً، وانتقل متمردو الجنوب السوداني الذين تلقوا تدريباتهم على ايدي خبراء اسرائيليين الى الشمال، ليعملوا خبراء في الاكاديمية العسكرية في أم درمان، وفي تطور غير متوقع اصبح جوزيف لاجو نفسه نائباً للرئيس في حكومة الخرطوم.
وفي عام 1983 اندلعت مجدداً حرباً اهلية بين الشمال والجنوب السوداني، وفي هذه المرة كانت اسرائيل ndash; بحسب جوزيف لاغو ndash; بمنأى عن الصراع، وكان السبب في ذلك هو الاتفاق السري الذي ابرمه الرئيس السوداني السابق جعفر نميري مع من كان عندئذ رئيساً لاركان الجيش الاسرائيلي quot;ارئيل شارونquot;، وعن هذا الاتفاق يقول لاجو: quot;كان نميري يرغب في شنّ معارك عسكرية ضارية ضد الجنوب السوداني، للاستئثار بالنفط، وتطبيق الشريعة الاسلامية في الجنوب، لكنه كان يعلم ضرورة تحييد الاسرائيليين عن الجنوب قبل الاقدام على اية خطوة يعتزم القيام بهاquot;.
وطبقاً للجنرال المتقاعد لاغو، اجرى نميري اتصالاً هاتفياً بأرئيل شارون، ودعاه الى لقاء في نيروبي، وخلال اللقاء ابلغه بأنه يحترم اتفاقات كامب ديفيد، التي ابرمتها اسرائيل مع مصر، وانه على استعداد للاعلان عن صداقته للدولة العبرية، لكنه طلب من شارون انه اذا طلب لاجو او متمردي جنوب السودان مساعدات من اسرائيل، فلا يجب منحهم اية مساعدة من اي نوع، خاصة وقت النزاعات.
واضاف لاجو: quot;انه على الرغم من تطرف حكومة الخرطوم في حينه، الا ان شارون وقع على الاتفاق الذي دعا اليه نميري، مقابل سماح حكومة الخرطوم بمرور يهود اثيوبيا المهجرين الى اسرائيل من الاراضي السودانيةquot;.
التعليقات