أكد القيادي في الجماعة الإسلامية عبود الزمر أنه لم يعد هناك من مبرر لإستخدام العنف مع سقوط النظام المصري السابق، نافياً نيته الترشح لإنتخابات رئاسة الجمهورية.


تعهد عبود الزمر، المدان في جريمة إغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بعدم العودة للعنف مرة أخرى، وقال في مقابلة مع quot;إيلافquot; إنه لم يعد هناك مبرر للجماعة الإسلامية في مصر لتبني العنف سبيلاً لتغيير الحاكم، بعد نجاح ثورة 25 يناير السلمية في إسقاط مبارك. وأضاف الزمر أن الجماعة تنبذ العنف وتعتنق الإسلام المعتدل، مشيراً إلى أن ثورة 25 يناير، إفتتحت عصراً جديداً للحرية، وفتحت منافذ التعبير عن الرأي أمام جميع الإتجاهات الفكرية بما فيها التيارات الإسلامية التي كانت محظورة في عهد النظام السابق، وبالتالي لم يعد هناك مبرراً لإستخدام العنف.

ونفى الزمر نيته الترشح لإنتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، ورفض الإنضمام إلى الحزب السياسي الذي أعلنت جماعة الإخوان المسلمين تأسيسه، منوهاً بأن الجماعة الإسلامية الذي يعتبر أحد قياديها ستنشيء حزباً، إيماناً بأهمية التعددية. وهنا نص الحوار:

ـ دخلت السجن مع وصول مبارك للقصر الرئاسي، وخرجت بعد إقصائه عن الحكم بثورة شعبية، كيف رأيت الثلاثين عاماً الماضية من خلف القضبان؟

-كانت تلك السنوات صعبة جداً على المصريين جميعاً، وأنا واحد منهم، كانت صعبة على أسرتي أيضاً، فقد شهدت السنوات الثلاثين الماضية والتي حكم فيها حسني مبارك مصر إنشاء عدد كبير من المعتقلات، وتضاعف عدد المعتقلين، وإنتشر التعذيب بشكل غير مسبوق، وتفشى الفساد في مؤسسات الدولة، فإزداد الفقير فقراً والغني ثراء فاحشاً. لكن السنوات العشر الأخيرة كانت الأشد قسوة بالنسبة لي شخصياً، وبالنسبة لجموع المصريين، حيث شهدت بزوغ مخطط توريث مبارك الحكم لنجله جمال، الذي سيطرت حاشيته من رجال الأعمال على مقاليد الأمور، فتم بيع القطاع العام وتشريد العمال، ولم يرحم أحد منهم الفقير والضعيف. وتلك العشر سنوات هي التي شعرت فيها بالظلم على المستوى الشخصي، فقد إنتهت مدة عقوبتي في شهر تشرين الأول أكتوبر من العام 2001، وكان من المفترض الإفراج عني، لكن هذا لم يحدث، وقضيت السنوات الأخيرة في السجن ظلماً. ولو كان الأخوة الذين خططوا ونفذوا عملية قتل السادات، يعلمون أنهم سيكونون سبباً في تولى مبارك حكم البلاد لثلاثين عاماً، يحكم فيها بالإستبداد والقهر، لما فعلوا ذلك، ولما قتلوه.

ـ هل نفهم من ذلك أنك نادم على الإشتراك في عملية إغتيال الرئيس السادات؟

-الأمر حدث وقتها بناء على فتاوى متعددة أجازت الخروج عليه، وإذا كان هناك خطأ فهو يقع على من أصدروا تلك الفتاوى. كما أنه لم تكن هناك أية أساليب أخرى تمكن الشعب من عزل الحاكم أو محاسبته، لذلك لا بد أن يتضمن الدستور الجديد آليات تحدد كيفية مساءلة الحاكم إذا أخطأ، وتضمن عزله بدون إراقة الدماء في حالة ما رأى العلماء وأهل الخبرة أنه ارتكب خطأ يستوجب العزل.

ـ أسقطت ثورة 25 يناير نظام حكم الرئيس السابق بطريقة سلمية ألم تترك تلك الثورة أثراً إيجابياً في إمكانية عزل الحكام بدون عنف أو إراقة دماء؟

-نحن في الجماعة الإسلامية ننبذ العنف، وقد إنضممنا إلى مبادرة نبذ العنف من داخل السجون في بداية التسعينيات، وعرضنا على الحكومة في ذلك الوقت التدخل لإقناع من يستخدمون العنف بضرورة الحوار، لكنها رفضت. نحن نؤمن الآن أن العنف لن يولد سوى العنف، ولذلك فقد إتخذنا عهداً بعدم اللجوء إليه مرة أخرى. لا سيما أن ثورة 25 يناير المباركة قد فتحت نوافذ الحرية أمام الجميع، وبإمكاننا التعبير عن رأينا بحرية ودون خوف من القمع. الأمر حالياً مختلف تماماً عن العام 1981، لم يكن بإمكان الشعب المصري القيام بثورة شعبية من خلال حشد ملايين الناس في ميدان التحرير ومختلف ميادين الجمهورية، لم تكن هناك تغطية إعلامية أو حماية دولية للمعارضة أو الثوار الشعبيين. إن الثورات الآن تبث على الهواء مباشرة عبر الفضائيات والإنترنت، وكل هذا يعزز من فرص عزل الحكام أو تغيير الأنظمة من خلال ثورات شعبية. ولا حاجة للجوء إلى العنف لتغيير السلطة. هذا لم يكن متوفراً في الماضي، كان يمكن لأي نظام حاكم أن يسحق آلاف المعارضين له دون أن يشعر أحد، ودون أن يتعرض لضغوط من الداخل أو الخارج، وبالتالي لم تكن هناك وسائل متعددة لإزاحة أي نظام ظالم مستبد من الحكم سوى القيام بعمل إنقلابي سريع وعلى حين غرة، ليجنب الناس إراقة الدماء ويضمن تخليصهم من الظلم في الوقت نفسه، وهذا ما خططنا له في العام 1981، حيث كانت خطتنا تعتمد على القيام بعمل عسكري خاطف ضد رأس النظام، ويعقبه مساندة شعبية، لكنها لم تتحقق.

ـ خرجت بعض الكتابات في السنوات الأخيرة تشير إلى وجود دور للرئيس السابق حسني مبارك في عملية إغتيال السادات، ما مدى صحة ذلك؟

-كنت مطلعاً على خطة إغتيال السادات كاملة، وأعلم جميع أفرادها والمتعاونين في التنفيذ، ومن هذا المنطلق أستطيع القول إن هذا الكلام غير صحيح بالمرة، فقد كان مبارك موجوداً على المنصة، وكانت الخطة تقوم على ضرب المنصة بالقنابل اليدوية وإطلاق النار من الرشاشات الآلية، ولو كان مشتركاً فيها لما كان يضمن النجاة بنفسه، بل إني أرى أن من أخطر سلبيات تلك العملية أنها نقلت حسني مبارك إلى منصب رئيس الجمهورية، وهو لا يصلح لقيادة دولة بحجم مصر، لأن إمكانياته السياسية هزيلة وإمكانياته العقلية ليست قوية.

ـ البعض تحدث عن وجود صفقة مع الحكومة الحالية تم بمقتضاها الإفراج عنك أنت وطارق الزمر؟

-قد يكون هذا الكلام مقبولاً لو خرجنا في عهد النظام السابق، والحق أنني وطارق الزمر أفرج عنا دون أن تكون هناك أية مساومات أو مطالب، خرجنا من السجن أعزاء دون أن يطلب منا أحد تخفيض سقفنا السياسي. طلب منا ذلك في عهد النظام السابق، لكننا رفضنا، وفضلنا البقاء في السجن مدى الحياة على القبول بمساومات ذلك النظام، إلى أن أندلعت ثورة 25 يناير، وإنتصرت لنا كما إنتصرت للشعب المصري كله.

ـ أعلنت جماعة الإخوان المسلمين إنشاء حزب سياسي، هل لديك نية في الإنضمام إليه؟

-الإسلام يدعو إلى التعددية، ولذلك نحن لن ننضم إلى حزب الحرية والعدالة الذي أعلنت جماعة الإخوان عن تأسيسه، نحن نريد أن نقول للعالم أن الإسلام ليس حكراً على جماعة بعينها، وأتوقع أن يظهر في خلال المرحلة المقبلة أكثر من حزب له مرجعية إسلامية، حيث تسعى الجماعة الإسلامية إلى تأسيس حزب خاص بها وأعتقد أن السلفيين وجماعة الجهاد سيسيرون على النهج نفسه، إضافة إلى وجود حزب الوسط، ويمكن أن تجتمع كل تلك الأحزاب تحت مظلة إئتلاف واحد يسمى إئتلاف الأحزاب الإسلامية.

ـ لكن هناك قلق من جانب الأقباط والمرأة بسبب عودة الجماعات الإسلامية لصدارة المشهد السياسي والإعلامي في مصر بعد الثورة؟

-الإسلام يحفظ حقوق الأقباط، وحقوق جميع أصحاب الأديان الأخرى، والرسول صلى الله عليه وسلم ينهى عن إيذائهم أو هدم كنائسهم، ويؤمنهم على حياتهم وممتلكاتهم، ونحن نسير على نهج رسولنا، ولنا فيه القدوة الحسنة. وستكون الأحزاب الإسلامية مفتوحة أمام أي مصري قبطي أو مسلم على حد سواء للإنضمام إليها، ما دام يؤمن بمبادئ تلك الأحزاب. أما المرأة فقد أعلى الإسلام من شأنها، وكان للمرأة المصرية دوراً عظيماً في ثورة 25 يناير، وأشعر بالسعادة لأن هناك إمرأة مصرية شغلت منصباً مهماً في القضاء، لقد كانت زوجتي أم الهيثم متحدثة باسم المعتقلين الإسلاميين، وقاست وعانت كثيراً في سبيل تبصير العالم بعدالة قضيتنا.

ـ الغرب أيضاً يشعر بالقلق الشديد، لا سيما أن اسم الجماعة الإسلامية لطالما ارتبط باسم quot;القاعدةquot;؟

-ليطمئن الغرب، نحن لن نعود لتبني سياسية إستخدام العنف مرة أخرى، نحن نتبنى الإسلام المعتدل، وقد أعلنا ذلك منذ سنوات، لكن نظام الحكم السابق، كان يستخدمنا كفزاعة لإرهاب الغرب وإرهاب المجتمع المصري، كان يصورنا بآلته الإعلامية على أننا البديل العنيف له، حتى يضمن دعم الغرب له دائماً. ليس هناك الآن ما يدعو لإستخدام العنف، مصر حالياً تبدأ مرحلة جديدة، ليس فيها ما يبرر العودة للعنف على الإطلاق. لقد كان النظام السابق يسد أمامنا جميع المنافذ للتعبير عن الرأي، فأغلق في وجوهنا النقابات العمالية والمهنية والجامعات والأحزاب والمجالس النيابية والنوادي والإتحادات، وخنقنا وخنق الشعب المصري كله، وبالتالي لم يكن هناك من سبيل سوى إزاحته بالقوة. أما الآن فالوضع بعد ثورة 25 يناير مختلف تماماً، نحن في مرحلة جديدة، الكل مدعو فيها للعمل من أجل التنمية والإصلاح، ليس هناك أي حجر على رأي أي شخص أو جماعة طالما لم يدعو إلى هدم قيم المجتمع وأصوله، نحن الآن نقف إلى جوار الدولة والحكومة، وليس ضدها.

ـ من داخل محبسك، أعلنت في العام 2005، ترشحك للإنتخابات الرئاسية، أما وقد صرت حراً، هل ستخوض الإنتخابات المقبلة، بعد تخفيف القيود على الترشح؟

-جاء إعلاني الترشح لللإنتخابات الرئاسية في العام 2005، بمثابة موقف سياسي وإعلامي الهدف منه إحراج النظام السابق، والتأكيد أن هناك بدائل كثيرة له، ولديها برامج قابلة للتحقيق على أرض الواقع، بالإضافة إلى تسليط الأضواء على قضيتي، حيث كنت مسجوناً دون وجه حق، بعد أن إنتهت عقوبتي في العام 2001. أما الآن فالوضع مختلف، وأنا أرى أن مصر فيها كثيرون أفضل مني، يمكنهم خدمتها في هذا المنصب الرفيع، وسندعم من نراه الأفضل من حيث البرنامج الإنتخابي.

ـ هناك أسماء مطروحة بقوة مثل عمرو موسى والدكتور محمد البرادعي والمستشار هشام البسطاوسي، من تراه الأصلح؟

-حتى الآن لم يعلن أي مرشح عن برنامجه الإنتخابي، حتى يمكن أن نقف وراءه، سندعم من يقدم برنامجاً إنتخابياً يحقق طموحات الشعب المصري، ويفي بمتطلباته.