يواجه تحالف إيد واحدة بين الشعب المصري والجيش محنة حقيقية بعد توجيه فلول النظام السابق والحزب الوطني ضربات موجعة إليه، كان من نتائجها تشكيك المصريين في ولاء المجلس العسكري لثورة 25 يناير، ومحاولة إحداث إنشقاق أو تمرد في صفوف القوات المسلحة.


Egypt military beats protesters, fires shots

في تاريخ 28 يناير/كانون الثانيالماضي، أو quot;جمعة الغضبquot;، إنسحبت الشرطة المصرية من كل الشوارع والميادين، وحلّت قوات الجيش مكانها.

ومع فرض حظر التجول، كانت قلوب الثوار المرابطين في ميدان التحرير، وغيرها من الميادين في شتى المدن ترتجف خوفاً وطمعاً، خوفاً من أن يصوّب رجال الجيش فوهات مدافعهم إلى صدورهم، وطمعاً في أن يكون أفراد القوات المسلحة على الحيادن إذا لم تكن لديهم الرغبة في الإنضمام إلى الثورة البيضاء.

واستجاب الله لهم بالحسنيين معاً، عدم إطلاق الجيش النار عليهم، ووقوفه على الحياد.

تحالف quot;إيد واحدةquot;

كانت فرحة المصريين لا توصف، عندما اصطفت الدبابات حول ميدان التحرير، وقد وجّهت فوهاتها إلى خارج الميدان، في إشارة إلى أنها لن تطلق نيرانها على الثوار أبداً، هنا هتفوا جميعاً بصوت زلزل في وسط القاهرة المثخن بالجراح quot;الشعب والجيش.. إيد واحدةquot;.

صمد هذا التحالف منذ 28 يناير، وحتى الآن في وجه الكثير من الضربات التي حاولت النيل منه، لكن بدأ الكثير من التصدعات في العلاقة بين الجانبين أخيراً، لاسيما بعد تشكيك البعض في إخلاص المجلس العسكري للثورة، وانتقاده استخدام القوة في فض بعض الإعتصامات، كان آخرها إعتصام بعض الثوار في ميدان التحرير في ليلة quot;جمعة المحاكمة والتطهيرquot;. الأمر الذي يطرح سؤالاً حيوياً: هل ما زال تحالف quot;إيد واحدةquot; بين الشعب المصري وجيشه قائماً؟ أم إنه قد انفضّ؟ أو أنه يواجه ضربات موجعة ممن يتم وصفهم بـquot;فلول النظام السابقquot;؟.

محاولات الوقيعة مستمرة

بدأت أولى محاولت الوقيعة بين الطرفين، بعد أيام قلائل من إندلاع الثورة، ووقوف الجيش على الحياد، ورفضه إطلاق النار على المتظاهرين، بل وتحذيرهم من وجود بعض المندسين يحاولون الإيقاع بينهما، من خلال الإعتداء على أفراد من الجيش، لكن الجانبين كانوا على وعي تام لما يحاك لهما، وصدما حتى سقوط النظام السابق، وإعلان تنحّي حسني مبارك رأس السلطة فيه، وكانت تلك هي الموجة الأولى للثورة الشعبية، التي إجتازها التحالف بنجاح ـ وفقاً لقول الدكتور عمار علي حسن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية.

ويوضح حسنأن الثورات تمر بموجات عدة، وquot;قد انتصرت الثورة المصرية في الموجة الأولى، وأسقطت رأس النظام الحاكم، وهي الآن تمرّ بالموجة الثانية، التي تتطلب بمحاكمة رموز النظام السابق، وتتعرض حالياً لضربات قوية من فلول الحزب الوطني، الذين يملكون المال والإعلام والبلطجية، حيث يقودون ثورة مضادة، الهدف منها الإنقلاب على الثورة الأصلية، وقد اتخذوا في ذلك خططًا عدة،أولها كان نشر الفوضى والفزع في البلاد من خلال إطلاق المساجين والبلطجية وتشجيع المظاهرات الفئوية، وفشلوا في تنفيذ ذلك المخطط.

ثم كان المخطط الثاني الذيتمثل في ضرب الوحدة الوطنية من خلال إشعال الفتنة الطائفية وهدم كنيسة صول في أطفيح، وحدوث مواجهات طائفية في منطقة منشأة ناصر، كان للبطجية حضور لافت فيها، ومرة أخرى يفشل هذا المخطط. وتابع: وها هم هذه المرة يحاولون النفاذ من خلال إحداث ثغرة في تحالف الشعب والجيش، وتتخذ الخطة الجديدة أوجهًا عدة، منها: إطلاق فيديوهات لأشخاص مجهولي الهوية، يزعمون أنهم ضباط سابقون في الجيش وتعرضوا إلى ظلم من المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويطالبون بعزله هو وجميع أعضاء المجلس، ويتهمونه بالفساد، ويشارك بعض من هؤلاء الضباط المزيفون في المظاهرات في ميدان التحرير، ويتعمدون سبّ الجيش، فضلاً عن إتهام الجيش بأنه موال للنظام السابق، وخاصة حسني مبارك، وأنه يتباطأ في محاكمته هو وعائلته ورموز حكمه وحاشيته.

إضافة إلى دسّ بعض البلطجية بين المتظاهرين للإعتداء على أفراد الجيش، للوقيعة بينه وبين المتظاهرين. وينبغي أن يحتاط الجميع، سواء الثوار أو الجيش، من تلك المؤامرة التي تتطلب حلّ الحزب الوطني والإسراع في تقديم رموزه إلى محاكمة عاجلة، ويحبذ إنشاء محكمة خاصة أو محكمة ثورة لمحاكمة هؤلاء، حلّ المجالس الشعبية التي تضم ما يزيد على 30 ألف عضو يشكلون ميشليات تابعة للحزب الوطني، تشارك في الثورة المضادة، مع ضرورة فتح تحقيق في الإعتداء على المتظاهرين وتقديم المتورطين فيها إلى المحاكمة.

زعزعة الثقة

ارتكب المجلس العسكري أخطاء عدة، أدت إلى زعزعة ثقة المصريين في ولائه للثورة وإيمانه بها، إنه رأي وليد عبد الحليم عضو إئتلاف شباب الثورة، ويستطرد: الجميع يؤمن أنه لولا الجيش المصري، ما كان للثورة أن تنتصر على نظام الحكم وتسقطه، ولولا وقوفه على الحياد في الأيام الأولى منها، وانحيازه إلى الثوار في النهاية وإجباره مبارك على التنحّي، لتحولت مصر إلى ليبيا، وسالت الدماء أنهاراً، لكن هناك بعض الأخطاء ارتكبها المجلس العسكري، جعلت الثوار يتشككون في حسن نواياه.

ويحدد عبد الحليم تلك الأخطاء بقوله إنها تتمثل في التباطؤ الذي يصل إلى حد التواطؤ في تقديم حسني مبارك وعائلته وحاشيته إلى محاكمة عاجلة، أو استعادة الأموال التي هربوها إلى الخارج، أو إقالة المحافظين ورؤساء المؤسسات المهمة من رموز الحزب الوطني، ومنها رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، إضافة إلى فضّ بعض الإعتصامات بالقوة مثل إعتصام طلاب كلية الإعلام جامعة القاهرة، وإعتصام الثوار في ميدان التحرير في يوم 9 مارس/آذار الماضي، وتعرّض بعضهم إلى التعذيب، وإجراء عمليات فحص عذرية لبعض الفتيات بالقوة، فضلاً عن فضّ إعتصام جمعة المحاكمة والتطهير بالقوة أيضاً.

كل هذه أخطاء تستوجب محاكمة مرتكبيها، حتى تعود الثقة بين الشعب والجيش كما كانت في السابق، وأضاف: quot;أعتقد أن الجيش بدأ في عمليات مطاردة فلول النظام السابق، ولكن بعدما أدرك خطرهم الشديد عليه وعلى الثورة، وبدأت العمليات بقرار إلقاء القبض على رجل الأعمال إبراهيم كامل المتورط في إرسال بلطجية إلى ميدان التحرير في جمعة التطهير، وإحداث فوضى والإعتداء على الثوار وأفراد من الجيش.

ويشير الخبير السياسي الدكتور عمرو حمزاوي إلى أن الأخطر في المرحلة الحالية، هي محاولات إحداث تمرد في صفوف القوات المسلحة، مشيراً إلى أن الفيديوهات التي انتشر عدد منها على شبكة الإنترنت منسوبة إلى منيزعمون أنهم ضباط سابقون في الجيش المصري، ويكشفون فيها فساداً داخل المؤسسة العسكرية، ويطالبون بعزل المجلس العسكري وتنحّيه عن قيادة البلاد، ويكيلون فيها الشتائم لقيادات الجيش، تأتي في إطار خطة تهدف إلى خلق نوع من التمرد في صفوف القوات المسلحة، وزعزعة ثقة الشعب فيه، والنظر إليه على أنه جزء من النظام الفساد، وبالتالي هدم اللبنة الأساسية في الثورة.

ونوه بأن الجميع يعلم أنه لولا القوات المسلحة، ووقوفها إلى جوار الثورة، ما كان ليكتب لها الإنتصار ضد واحد من أكثر الإنظمة ديكتاتورية في العالم العربي. وشدد حمزاوي على ضرورة تعامل المصريين بشيء من الروية في ما يقال على لسان من يزعمون أنهم من ضباط الجيش السابقين، وانتظار نتائج التحقيق في تلك القضية، وطالب في الوقت نفسه الجيش بأهمية ضبط النفس، وعدم استعمال القوة مع المتظاهرين، والتحقيق في مثل تلك الأحداث، وإعلان النتائج على الرأي العام.

فلول النظام البائد

أما جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبر القوة السياسية الأكبر في الساحة المصرية حالياً، فإتهمت من وصفتهم بـquot;فلول النظام البائد وبعض المتحمسين الذين لا يقدرون المواقف ولا العواقبquot; بإحداث شقاق أو وقيعة بين الشعب وجيشه.

فقال الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة في بيان له حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه، إن الجيش المصري البطل الذي أثبت بالفعل أنه جيش الشعب وحامي الوطن ودرع الأمن القومي، في حماية الثورة، مشيراً إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تعرب عن تقديرها الجيش الذي استجاب إلى عدد من مطالب الشعب، من بينها قيامه بإزاحة رأس النظام وحلّ المجالس النيابية المزورة وتغيير الحكومة، كما يتم حاليًا محاكمة عدد من رؤوس الفساد، وأنه أعد جدولاً زمنيًا لتسليم السلطة، وقام بتغيير عدد كبير من رؤساء أجهزة الإعلام. مشدداً على أن التلاحم الذي حدث بين الجيش والشعب إبان الثورة العظيمة لا بد له أن يستمر ويقوى؛ معلناً إدانة الإخوان أية محاولة لإضعاف هذا التلاحم.

وينبه الناشط السياسي جورج إسحق إلى أن محاولات الوقيعة بين الجيش والشعب تنشط مع تصاعد الدعوات إلى محاكمة مبارك ورموز نظام حكمه، ويقول إن ذلك بدا واضحاً في quot;جمعة المحاكمة والتطهيرquot;، لاسيما بعد إعلان وزارة العدل أن صفوت الشريف وجمال مبارك وزكريا عزمي سوف يمثلون للتحقيق في العديد من الإتهامات، وأن مبارك نفسه سوف يتم التحقيق معه، وأنه لا حصانة لأحد مهما علت مكانته.

وأضاف أنه يبدو أنه كانت هناك خطة من أجل إحداث فتنة في ميدان التحرير بين الثوار وقيادات الجيش، من خلال أنصار بعض رجال الأعمال المنتمين إلى الحزب الوطني، لكنها لم تنجح فقرروا الإعتصام في الميدان والإحتكاك بقوات الجيش، فضلاً عن ظهور أشخاص بملابس عسكرية، ويقدحون في قياداته ويتهمونهم بالفساد والظلم ويدعون إلى الإنقلاب عليهم. داعياً إلى ضرورة التنبه إلى تلك الخطط الشيطانية التي تهدف إلى إحداث شقاق في صفوف الجيش، والوقيعة بينه وبين الشعب، لضرب التحالف التي كان سبباً في إسقاط النظام البائد ومحاكمة رموزه.

رغم تأكيد الكثير من الخبراء والمراقبين للشأن المصري، أن محاولات الوقيعة بين الجيش والشعب مستمرة، ولن تهدأ إلا بعد استقرار الأوضاع وتسليم قيادة البلاد إلى سلطة مدنية، إلا أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في العلاقة بين الجانبين، لا سيما أنه يبدو أن جعبة فلول النظام السابق مليئة بالحيل والخطط الهادفة إلى الإجهاز على الثورة.