تباينت آراء النخب السياسية في القاهرة حول مدى تأثير المظاهرات المناوئة لإسرائيل على سريان اتفاقية السلام مع مصر، ففي حين ترى الأكثرية اقتصار صدى المظاهرات على قياس حرارة السلام بين الجانبين، يعتقد آخرون أن مظاهرات ما قبل ثورة يناير تختلف عن سابقتها في التأثير على صناعة القرار السياسي.



طلاب يشاركون في التظاهرات امام السفارة الاسرائيلية في مصر

حرّكت المظاهرات التي نظمها الشباب المصري امام السفارة الاسرائيلية في القاهرة المياه الراكدة في اسرائيل، فرغم عدم تعويل الدوائر الرسمية والمراقبين في مصر على نجاعة هذه المظاهرات في التأثير او على الاقل في تعديل بعض بنود اتفاقية السلام المبرمة بين الجانبين منذ عام 1979، الا ان الأصوات المناهضة لسياسة الدولة العبرية في مصر، لاقت صدى بالغًا لدى الحقل السياسي الاسرائيلي.

فلم يستنكف رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الإعراب عن قلق بلاده مما وصفه بحسب صحيفة يديعوت احرونوت بتنامي التيارات المعارضة للسلام مع اسرائيل، وشدد خلال لقاء مع عدد من السيناتورات الاميركيين، الذين كانوا في زيارة لإسرائيل على ضرورة الحفاظ على اتفاقية السلام مع مصر، وكل الاتفاقات المبرمة بين البلدين.

تأثير المظاهرات على الاتفاقيات

ردود افعال الدوائر السياسية في القاهرة، جاءت مختلفةعنالموقف الاسرائيلي، إذ قللت غالبية آراء النخب السياسية في مصر من نجاعة تأثير المظاهرات على سريان اتفاقية السلام مع الدولة العبرية، ويرى الدكتور عمرو حمزاوي استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة في حديث خاص لـ quot;إيلافquot;، ان المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية التي جرى تنظيمها أخيراً امام السفارة الاسرائيلية في القاهرة، هي quot;الترمومترquot; الحقيقي لقياس درجة حرارة السلام بين القاهرة وتل ابيب، غير انه من الضروري التفرقة عند الحديث عن العلاقات المصرية الاسرائيلية بين الحكومات والشعوب.

واضاف حمزاوي: quot;اذا كان من الممكن إعتبار المظاهرات الراهنة دليلاً على تأثر العلاقات الرسمية بين القاهرة وتل ابيب، لكانت المظاهرات عينها التي نُظمت منذ التوقيع على اتفاقية السلام بين السادات وبيجن فاعلة، وافضت الى زعزعة العلاقة مع الدولة العبرية، ولكنه على العكس من ذلك تماماً، شهدت العلاقات السياسية والاقتصادية، وربما الاستخباراتية بين مصر واسرائيل، استقراراً وقوة، على الرغم من الاصوات الشعبية الرافضة لهذا التقارب، فتؤكد المعطيات والتجارب السابقة ان الحكومات لا تخضع للضغوطات الشعبية، خاصة في ما يتعلق بالسياسات الخارجية، سيما ان معظم هذه العلاقات تجري في اطار قنوات بالغة السرية، تفادياً لردود الافعال الشعبية، التي قد يكون دافعها جهلها بما يجري خلف كواليس العلاقات السياسية والمصالح المختلفة بين الدولquot;.

بدوره، يعتقد الدكتور ضياء رشوان، الخبير في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; ان المظاهرات الاخيرة التي شهدتها السفارة الاسرائيلية في القاهرة تختلف عن نظيراتها السابقة، إذ ان آخر هذه المظاهرات استمدت روحها من شرعية ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير.

وبعبارة اخرى، يختلف ترتيب اوراق اللعبة السياسية بعد الثورة عنه في ما سبق، واضاف رشوان لـ quot;إيلافquot;: quot;لابد ان تلتفت الدوائر السياسية وجهات صنع القرار في مصر الى ردود افعال الرأي العام، وخلق نوع من التناغم بين الارادة الشعبية وصناعة القرار السياسي، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات المصرية الاسرائيلية، لما ينطوي عليه هذا الملف من حساسيات حيال الشعب المصري وشعوب المنطقةquot;.

الارادة الشعبية الرافضة

لم يستبعد رشوان وجود علاقة بين التفجيرات التي استهدفت خط انابيب الغاز المصري في سيناء أكثر من مرة، وبين الارادة الشعبية الرافضة تصدير الغاز للدولة العبرية، سيما بعد ما تناقلته وسائل الاعلام العربية والاجنبية من شبهات الفساد التي تحوم حول هذه الصفقة، وتورط النظام المصري السابق وشخصيات اسرائيلية فيها.

كما المح الدكتور ضياء رشوان الى انه لا يمكن الفصل بين هذا وبين الدعوات الرامية الى حشد الجهود للزحف الى قطاع غزة في الخامس عشر من أيار/مايو المقبل، تعبيراً عن المؤازرة الشعبية للشعب الفلسطيني، واعتراضاً على الممارسات القمعية التي ترتكبها اسرائيل في حقه. فكل هذه الحيثيات - بحسب رشوان - تدخل في نطاق اعتراض المصريين على تفعيل اتفاق السلام المبرم بين القاهرة وتل ابيب. على الرغم من ذلك، ينقل رشوان عن تيارات راديكالية مصرية، في مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين، رفضها تجميد اتفاق السلام بعد الثورة، تفاديًا للدخول في حالة من انعدام الاستقرار على صعيد سياسة مصر الخارجية، قبل اعادة ترتيب السياسة الداخلية.

الدكتور طارق فهمي استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، اكد من جانبه في حديث خاص لـ quot;إيلافquot;: quot;ان الشعوب العربية كلها تتعامل مع اسرائيل على انها عدوها الاول في المنطقةquot;. ويؤكد هذا الانطباع بحسب فهمي آخر نتائج استطلاع الرأي، الذي اجرته صحيفة نيويورك تايمز بإشراف معهد quot;بيوquot; الاميركي.

إذ اكدت ان 54% من الشعب المصري يرفضون استمرار اتفاق السلام المبرم بين مصر واسرائيل، بينما أكد 36% من المستطلعة آراؤهم ضرورة الحفاظ على ارساء السلام المبرم بين السادات وبيجن منذ عام 1979، ولعل ارتفاع معدل رفض الاتفاق السلمي وفقاً للدكتور فهمي يعود الى رصيد الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الشعوب العربية على مر التاريخ، سواء في مصر او الاراضي الفلسطينية او في سوريا او في لبنان وغيرها من اراض عربية.

واضاف الدكتور فهمي في حديثه لـ quot;إيلافquot;: quot;ان المظاهرات التي يشهدها الواقع الشعبي في مصر ضد اسرائيل، تأتي في اطار الترجمة الحية لما تنتهجه الدولة العبرية من سياسة مناوئة للعرب وحقوقهمquot;.

على الرغم من ذلك، يرى الدكتور فهمي ان تلك المظاهرات لن تتجاوز حدود دق ناقوس الخطر امام الحكومة المصرية الجديدة، ولفت نظرها الى ضرورة اعادة ترتيب اوراقها في العلاقة بين القاهرة وتل ابيب، سواءً كان ذلك على مسار قضية تصدير الغاز لاسرائيل، او الملف الفلسطيني، او في ما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي بشكل عام.

لم يُخف الاكاديمي المصري طارق فهمي في حديثه لـ quot;إيلافquot; التزام المجلس العسكري لبلاده باتفاقية السلام مع اسرائيل، ولعل ذلك بحسب فهمي كان واضحاً عند صياغة اولى بيانات المجلس العسكرية، سيما ما يتعلق منها بسياسة مصر الخارجية، إذ اكد البيان احترام مصر ما بعد مبارككل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، بما في ذلك الاتفاقات المبرمة بين القاهرة وتل أبيب.