زيباري يتوسط ميلكرت والمؤمن

دخلت الأمم المتحدة على خط محاولات تبذل لنزع فتيل أزمة سياسية ودبلوماسية بين العراق والكويت، على ضوء مباشرة هذه الأخيرة بناء ميناء كبير في جزيرة بوبيان، تقول بغداد إنه سيحاصرها اقتصاديًا، وينهي دور موانئها الجنوبية، فيما يمثل وزيرا الخارجية والنقل والمواصلات العراقيين أمام مجلس النواب لشرح أبعاد القضية، التي اعتبرها رئيس المجلس أسامة النجيفي قضية رأي عام وطني وعربي.


بحث هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي بمشاركة السفير الكويتي في بغداد علي المؤمن مع آد ميلكرت الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة quot;يوناميquot; في العراق وخبراء من المنظمة علاقات العراق مع الامم المتحدة والعلاقات العراقية الكويتية، كما جرى بحث التقدم الحاصل في الملف الانساني الكويتي واجراءات الحكومة حيال الكشف عن المفقودين والممتلكات الكويتية التي فقدت أو صودرت اثر الاحتلال العراقي للكويت صيف عام 1990، وهي مطالبات تشترط الامم المتحدة على العراق الإيفاء بها لضمان اخراجه من تبعات الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة الذي فرض عليه عقب الاحتلال.

وجرى خلال الاجتماع أيضًا بحث مسألة بناء الكويت لميناء quot;مباركquot; في جزيرة بوبيان الكويتية واجراءات الحكومتين العراقية والكويتية quot;لمعالجة الامر بعيدًا عن اجواء التوتر والتصعيد، بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين الشقيقينquot;، كما قال بيان رسمي عراقي، واشار الى ان الجانبين ناقشا بعض الاجراءات والتسهيلات الفنية لبعثة الامم المتحدة في العراق.

واضاف انه تم خلال اللقاء الثلاثي التأكيد على اهمية معالجة القضايا الثنائية بين العراق والكويت ضمن اطار اللجنة الوزارية العراقية الكويتية المشتركة quot;وضرورة التأكد في الحقائق والوقائع حول ميناء مبارك والتواصل الايجابي البناء بين البلدين لتوضيح الحالة للرأي العامquot;.

وزيرا الخارجية والنقل امام البرلمان العراقي
من جهته، اعلن رئيس مجلس النواب العراقي اسامة عبد العزيز النجيفي ان المجلس سيستضيف خلال الايام القليلة المقبلة وزيري الخارجية هوشيار زيباري والنقل والمواصلات هادي العامري لتوضيح اشكالات الحدود العراقية الكويتية البرية والمائية بعد قيام الحكومة الكويتية بتوسيع ميناء مبارك في جزيرة بوبيان ومتابعة المستجدات حول تطوير ميناء الفاو.

وقال في تصريح مكتوب تلقته quot;إيلافquot; ان quot;مسألة توسيع ميناء مبارك quot;شكلت قضية رأي عام وطني وعربي على حد سواء، تمثلت في تناقض التصريحات بين الكتل السياسية، مما يتطلب الوقوف على حقيقة وملابسات تلك القضية من خلال طروحات وزيري الخارجية والنقل والمواصلات للخروج برأي موّحد، لا يفرط بحقوق أي من الدولتين الشقيقتينquot;.

واكد النجيفي ان مجلس النواب العراقي يتطلع الى اقامة علاقات مبنية على حسن الجوار، وتراعي المصالح المشتركة بين البلدين، بعيدًا عن التجاوزات التي تضرّ باقتصاديات العراق والكويت.

من جهتها فقد بادرت وزارة الخارجية العراقية الى تطويق حملة التصريحات السياسية والنيابية والتظاهرات الشعبية ضد بناء الكويت للميناء، بالإعلان أن هذه القضية سيتم بحثها قريبًا خلال اجتماع للجنة الوزارية بين البلدين .وقال وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية لبيد عباوي ان اللجنة التي يتراسها وزيرا خارجية البلدين ستبحث الموضوع وتداعياته خلال اجتماعهما في الشهر المقبل، حيث كان البلدان قد شكلا لجاناً مشتركة لحل المشكلات القائمة بينهما، وخاصة تعويضات حرب الخليج الثانية وترسيم الحدود والمفقودون الكويتيون والحقول النفطية المشتركة.

الكويت تنفي وتؤكد الاستعداد للتعاون
من جهتها أكدت السفارة الكويتية في بغداد أن بلدها تسعى إلى تنظيم الملاحة البحرية في الخليج العربي مع العراق بعد أن أثار قرار الكويت توسيع أحد موانئها مخاوف لدى الجانب العراقي من التأثير على الموانئ العراقية في جنوب البلاد. وقال السفير الكويتي في العراق علي المؤمن إنالكويت والعراق سيعززان التنسيق والتعاون بشأن مياه خور عبد الله وتنظيم الملاحة من دون أن يسبب ذلك اي مشكلات اقتصادية لأي منهما.

واوضح ان ميناء مبارك لاعلاقة له بالمياه العراقية في خور عبد الله، والكويت تعمل مع العراق على تلافي أية مشكلات تحصل بشأن المشاريع الملاحية بين البلدين. وشدد على انه من المهم ان يكون التنسيق والتعاون بين العراق والكويت في درجات عالية بشأن المياه الإقليمية المشتركة وحركة البواخر بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.

وفي الكويت، نفت مصادر مسؤولة في وزارة الخارجية وجود خطط لتوسيع ميناء مبارك الكبير. واشارت الى عدم وجود اية نية لتوقيع مذكرة تفاهم مع العراق بخصوص ادارة الممرات المائية بين البلدين بشكل مشترك، موضحة ان هناك قرارًا دوليًا في هذا الشأن، قد رسم الحدود المائية بين البلدين، وهناك لجان فنية مشتركة تعمل على تنفيذ ذلك. واشارت الى ان هناك مذكرات تفاهم بين القوتين البحريتين في الكويت والعراق، تقضي بالتنسيق بشأن الملاحة ومكافحة التسلل والتهريب الى حين الفصل بمسألة الحدود المائية بشكل نهائي.

تصريحات عراقية محذرة وتظاهرات احتجاج
برغم هذه التطمينات، فقد دعا النائب عبد السلام المالكي عن ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي الى تشكيل لجنة برلمانية للذهاب الى مجلس الامن للوقوف على ملابسات بناء الكويت لميناء مبارك، الذي قال انه سيحرم العراق من استغلال منفذه المائي.

واضاف في تصريح صحافي ان بناء هذا الميناء، وفي هذا الظرف الذي شرع فيه مجلس النوابقانون بناء ميناء الفاو الكبير في جنوب البلاد سينعكس سلبًا على موقف الشعب العراقي من تطبيع العلاقات بين البلدين. واشار الى انه quot;يفترض بالجانب الكويتي ان يكون عقلانيًا في هذا الامر، وان يبتعد عن مثل هذا التصعيد، سيما وأن بناء الميناء سيؤثر بشكل مباشر على المنفذ المائي العراقي، الذي هو بوابة العراق على العالمquot;.

وقال quot;على الرغم من ان الميناء يقع ضمن الاراضي الكويتية، الا ان هناك اتفاقات دولية بين الطرفين، وبالخصوص قرارات مجلس الامن، ومنها القرارات التي صدرت ابان غزو الكويت عام 1990، يفترض انها تجعل الجانب الكويتي يتعامل بمرونة مع معطيات القضية الاساسية، وان لايجعل من العراق بلدًا محرومًا من خلال استغلال منافذه البحرية، وبالتالي سينعكس هذا على طبيعة العلاقات العراقية الكويتيةquot;.

وطالب الكويت بالتصرف من منطلق حسن الجوار وتجنب استفزاز العراق، لأن قيامها بإنشاء ميناء مبارك في جزيرة بوبيان سيجعل الساحل الكويتي ممتدًا على طول 500 كيلومترًا، بينما سيكون الساحل العراقي محصورًا بطول 50 كيلومترا فقط، quot;وهذا ينمّ عن نيات سيئة تجاه الشعب العراقي من خلال اغلاق منفذه البحري الوحيد ومحاصرتهquot;.

وتضم محافظة البصرة (555 كم جنوب بغداد) التي تعد المنفذ البحري الوحيد للعراق خمسة موانئ تجارية وميناءين نفطيين، ويعتزم تنفيذ مشروع ميناء البصرة الكبير، الذي يعوّل كثيرًا على مردوداته الاقتصادية،الا ان تنفيذ الكويت مشروع ميناء مبارك الكبير قد يؤدي الى افشال المشروع العراقي، وربما الغائه.

من جانبه أعرب النائب زهير الاعرجي عن القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي عن الاسف لموقف الكويت، قائلا quot;نتلقى حاليًا الضربات من الكويت التي استغلت حسن نية العراق تجاهها،وقامت باغلاق الممر البحري وعزله وضرب اقتصاد العراق، وهذا ما لم نكن نتمناهquot;.

كما أعلنت النائب عالية نصيف عن الكتلة العراقية البيضاءبزعامة حسن العلوي عن تشكيل تكتل برلماني باسم quot;تكتل حماية الحدود العراقية، كرد فعل على قيام الكويت بإنشاء ميناء بوبيان، الذي سيتسبب في محاصرة المنفذ البحري العراقيquot;. واوضحت في بيان صحافي أن quot;الهدف من تشكيل التكتل هو متابعة ترسيم الحدود بين العراق وكل من الكويت وايرانquot;. واوضحت ان نواة هذا التكتل ضمت عشرين نائباً يسعى كل منهم اليوم الى جمع تواقيع بقية النواب وضمهم الى التكتل.

وتشهد مدن عراقية هذه الايام تظاهرات، تطالب الكويت بالكفّ عن استفزازها للعراق. واكد متظاهرون في بغداد خلال هتافاتهم، وفي لافتات رفعوها، أن سياسة العداء التي تنتهجها السلطات الكويتية قد وصلت حدًا لايمكن السكوت عنه، فقضم الاراضي العراقية، ومنحها هبة للكويت، بموجب قرار مجلس الامن الدولي رقم 833 لعام 1993 وما يسمى بالتعويضات التي تجاوزت 41 مليار دولار والاغراءات المادية التي قدمتها من اجل ان يبقى العراق مكبلاً بالبند السابع لعقوبات ميثاق الامم المتحدة، واخيرًا ولس آخرًا ما أعلنته عن إقامة ميناء كبير في جزيرة بوبيان لخنق الاقتصاد العراقي... كلها اجراءات لايمكن للذات العراقية تجاوزها، وان حالة الضعف التي يعانيها العراق اليوم لابد ان تتغير في المستقبل القريب، وعلى الكويت ان تدرك ذلك جيدًا.

وتقول مصادر عراقية إن بناء الكويت لميناء مبارك سيفقد أهمية ودور ميناء البصرة الكبير ومن قيمته الاقتصادية للعراق بنسبة 60%. وتشير الى ان العراق والكويت متفقان على إنشاء الموانئ، لكن من دون التجاوز على الممر المائي، خاصة وان المعلومات التي حصلت عليها الحكومة العراقية تؤكد تقدم الجانب الكويتي إلى نحو كيلو متر باتجاه الممر المائي العميق في خور عبد الله المشترك.

العراق والكويت .. موانئ في مياه الخليج العربي
وكانت وزارة النقل العراقية وضعت في نيسان (ايريل) من العام الماضي 2010 حجر الأساس لمشروع ميناء البصرة الكبير، الذي تشير تصاميمه الأساسية الى احتوائه على رصيف للحاويات بطول 39 كيلومترًا، ورصيف آخر بطول كيلومترين. وتبلغ الطاقة الاستيعابية للميناء 99 مليون طن سنوياً، فيما تبلغ الكلفة الإجمالية لإنشائه أربعة مليارات و400 مليون يورو، ومن المؤمل أن يتصل بخط للسكة الحديدية يربط الخليج العربي عبر الموانئ العراقية بشمال أوروبا من خلال تركيا.

وأشارت الوزارة الى ان هناك ضغوطاً إقليمية تعوق إنجاز ميناء البصرة الكبير لكونه سيؤثر على مصالحها الاقتصادية، حيث من المؤمل أن يغير الميناء خارطة النقل البحري العالمية لكونه سينقل البضائع من اليابان والصين وجنوب شرق آسيا إلى أوروبا عبر العراق، الذي يسعى إلى بناء منظومة نقل متكاملة تربطه مع الدول الإقليمية عبر القناة الجافة التي تصل بين دول البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي ودول شرق آسيا، وتعد اكبر قناة نقل في العالم.

يذكر ان مشروع ميناء مبارك، أعلنت الكويت عن البدء بإنشائه في السادس من نيسان الماضي، بعد عام من إعلان العراق عن بناء ميناء الفاو الكبير، وسط تحذير اقتصاديين بأن الميناء الكويتي الجديد سوف يقطع الممر الملاحي الوحيد المؤدي إلى مينائي أم قصر وخور الزبير العراقيين. وبدأت أخيرًَا آليات ومعدات إنشائية ثقيلة تعمل حاليًا على دق الركائزوإنشاء الطرق والسداد الترابية وتشييد المنشآت السطحية في جزيرة بوبيان غير الآهلة التي تقع في الجهة المقابلة لموقع ميناء الفاو الكبير.

وبحسب ما أعلنت الكويت، فإن المشروع سينفذ على أربع مراحل، ينتهي آخرها في عام 2016، ويشمل إنشاء أرصفة للحاويات بطول كيلومتر ونصف وعشرات المراسي، ومنطقة حرة للتبادل التجاري، ومجمعًا سكنيًا متكاملًا وخطًا للسكك الحديدية يربط بين طرفي الجزيرة.