طفا على سطح انتخابات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية من جديد الصراع المغربي الجزائري، مع سعي كل طرف إلى التحكم في تسييره، ما أدى بالبعض إلى المطالبة بإعادة النظر في الطريقة التي تجري بها هذه الانتخابات، حتى يراعى فيها تمثيلية متوازنة لكل مكونات مسلمي فرنسا.
دليل أبوبكر عميد الجامع الأكبر في العاصمة الفرنسية |
باريس: أعرب دليل أبوبكر عميد الجامع الأكبر في العاصمة الفرنسية باريس عن حزنه لمستوى التشتت الذي بلغه مسلمو فرنسا، والذي يتجسد بجلاء كلما حلّ موعد انتخاب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، معتبرًا أن جاليات مسلمة محسوبة على مجموعة من الدول ليس لها أي تمثيلية على مستوى هذا المجلس.
وأرجع أبو بكر في تصريحات لـquot;إيلافquot; سبب ذلك إلى quot;الطريقة التي تنظم بها هذه الانتخاباتquot;، والتي يراها quot;غير منصفةquot;، لأنها ترجّح كفة quot;هجرة الثمانينات، التي وجدت فرص لبناء مساجد، فيما الهجرة القديمة لم يتأتّى لها ذلكquot;.
وأوضح أنها quot;تعتمد على مساحات المساجدquot;، أي كلما اتسع مسجد، إلا وارتفع عدد ممثليه في المجلس.
وبدا عميد الجامع الأكبر في باريس متأثرًا بالوضع الذي أصبح عليه مسلمو فرنسا، نافيًا ما يتردد بخصوص أن أهم المنظمات التي تتنافس على تسيير المجلس لها ارتباط ببلدان مغاربية، خصوصًا في الجزائر، إذ يقال إن مسجد باريس، الذي يشرف عليه مقرب منها، أو في المغرب، الذي يحسب عليه تجمع مسلمي فرنسا، الفائز الأكبر في الانتخابات الأخيرة.
هل تتدخل دول أجنبية في شؤون المسلمين بفرنسا؟
فسر دليل أبوبكر، وهو أول رئيس للمجلس، ما يعرف quot;بتدخل جهات أجنبية في تسيير الشأن الإسلامي بفرنساquot; بطريقة أخرى، لكون quot;فرنسا بلدًا علماني، ولا يسمح لمؤسسات الدولة بدعم بناء المساجد، ويلتجأ مسلمو فرنسا إلى بلدان أخرى إسلامية، لتساهم إلى جانبها في بناء هذه الجوامع، لا أقل ولا أكثرquot;، على حدّ تعبيره.
وأوضح أبوبكر أن مشكل الخلاف يكمن في quot;تشكيل المجلس بخلفيات قطرية على أن هذا جزائري وذاك مغربي والآخر تركي، وما إلى ذلك، وهو ما أملى على فيدراليته عدم المشاركة في هذه الانتخابات، داعيًا إلى quot;إحداث منهجية انتخابية تراعي التوازن بين مكونات مسلمي فرنسا في تركيبة المجلسquot;.
وقال في هذا الخصوص إن quot;أمر المسلمين شورى بينهم، ولذلك يتعين خلق مجلس حقيقي، وأخوي، يقضي بشكل نهائي على كل أشكال الانقسام الحاصلة اليوم، بهدف تأسيس مؤسسة مبنية على الأخوة وليس على الانتماءات للبلدان الأصليةquot;.
وضعية المسلمين صعبة
وقف دليل أبوبكر بالمناسبة عند وضعية المسلمين في فرنسا التي وصفها quot;بالصعبةquot;، نظرًا إلى الظروف العامة التي يؤدون فيها شعائرهم الدينية، حيث quot;الصلوات في العديد من الحالات تتم في قاعات ضيقة، وقد يلجأون بسبب ذلك إلى تأديتها في الشارع، وهو ما سبق أن جرّ عليهم هجمة نارية من قبل زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.
وشدد دليل أبوبكر على ما أسماه quot;الأخوة بين مسلمي فرنساquot;، والتي يراها كفيلة بتجاوز هذه الخلافات القائمة بين كل من تجمع مسلمي فرنسا وفيدرالية الجامع الأكبر في باريس.
الرأي الآخر...الهاتف لا يرد
quot;إيلافquot; حاولت الاتصال في أكثر من مناسبة بكل من رئيس المجلس المنتهية ولايته محمد الموساوي إلا أن هاتفه لا يرد، كما هو شأن هاتف رئيس تجمع مسلمي فرنسا، الفائز في الانتخابات، أنور لكبيبش، وذلك لمعرفة رأي الطرف الآخر في هذا الوضع على غرار ما قامت به مع دليل أبوبكر.
وفضلت دنيا بوزار، وهي إحدى الشخصيات النسائية المعروفة بكتاباتها حول مسلمي فرنسا، ألاّ تعلق على الوضعية الحالية للمجلس واصفة إياها، في تصريح لـ(إيلاف) quot;بالمعقدةquot;،أن صلتها انقطعت به منذ سنوات.
وكانت بوزار انسحبت من مكتب المجلس سنة 2005 بدعوى أن المجلس quot;أغرق في السياسة، وبات يُحشر في أسئلة اجتماعية، كما إن المجلس لم يلتفت إلى الشباب الفرنسي المسلم والمنحدر من الهجرةquot;.
صراع خفي مغربي جزائري
يُنظر إلى المنظمتين، فيدرالية المسجد الأكبر في باريس وتجمع مسلمي فرنسا، على كونهما يُحشران في الصراع المغربي الجزائري، فيما تنسب منظمة ثالثة، وهي اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية، التي فضلت بدورها مقاطعة هذه الانتخابات، إلى جماعة الإخوان المسلمين.
يتفق المراقبون على أن المجلس تتحكم في خيوطه دبلوماسية كل من الجارين اللدودين، ومن ثم فهو يعكس وجهًا من أوجه الصراع، الذي تعيشه كل من الرباط والجزائر دبلوماسيًا وعلى أكثر من صعيد، بسبب ملف الصحراء العالق بين الطرفين لعقود.
ويشك البعض من هؤلاء الملاحظين في قدرةالمجلس على لعب دوره الحقيقي في خدمة قضايا مسلمي فرنسا، أولاً نظرًا إلى تبعيته الأطراف المهيمنة إلى عواصم بلدانها الأصلية، وثانيًا لمحاولة السياسيين الفرنسيين تسييس كل القضايا المرتبطة بالمسلمين، حتى تلك التي تستدعي مقاربة سوسيولوجية أو غيرها.
هل سيكون الموساوي رجل المرحلة المقبلة؟
كان من المنتظر أن يفوز تجمع مسلمي فرنسا في هذه الانتخابات نظرًا إلى وجوده لوحده في السباق بعد مقاطعة كل من فيدرالية المسجد الأكبر لباريس واتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية، وتشير كل المؤشرات إلى أن رئاسة المجلس ستعود من جديد إلى محمد الموساوي، الذي سبق أن عبّر عن نيته في رئاسة المجلس لولاية ثانية.
وقال الموساوي، في تصريح له، إنه في حالة إعادة انتخابه على رأس المجلس، سيعكف على فتح مشاورات مع مكونات المسلمين في فرنسا، للوصول إلى طريقة تدار بها الانتخابات ترضي الجميع، سيما أن الخلاف الحاصل بين الطرفين المحسوبين على كل من المغرب من جهة والجزائر من جهة ثانية، هو التمثيلية المبنية على مساحة المسجد.
ويحسب لمحمد الموساوي أنه خلال ولايته الأخيرة لم ينجر إلى النقاش الذي فتحه الحزب الحاكم حول الإسلام والعلمانية، ورفض الانخراط فيه دون أن ينصاع إلى رغبات الصقور السياسية في هذا الحزب، سيما أمينه العام فرانسوا كوبي الذي كان وراء فتحه.
ويعرف الموساوي بهدوئه، ويراهن عليه البعض في أن يكون رجل المرحلة المقبلة في المجلس، إذ يرون فيه الشخص الذي بوسعه أن يوحد صفوف مسلمي فرنسا تحت يافطة quot;المجلس الفرنسي للديانة الإسلاميةquot;، خصوصًا خلال مرحلة يمر بها هؤلاء يقر الجميع بصعوبتها.
التعليقات