الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان

تشهد قضية الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان تطورات مهمة نحت بها نحو مسارات جديدة سواء تلك المرتبطة بالجانب القضائي والتي تحدث تفاصيلها في الولايات المتحدة الأميركية، أو بالجانب السياسي والمعني بها أساسا الجماعات الاشتراكية في فرنسا.


بالقدر الذي هز فيه خبر اتهام مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان بالاغتصاب من طرف عاملة في فندق سوفاثيل في الولايات المتحدة الأميركية الرأي العام، زلزلت التطورات الأخيرة خاصة بعد الإفراج عن ستروس - كان كافة المتتبعين لهذا الملف وفي مقدمتها وسائل الإعلام الفرنسية و الأميركية، التي غيرت كثيرا لهجتها التي كانت جد قاسية في تغطية القضية في بدايتها.

وأثرت quot;التصريحات الكاذبةquot; التي قدمتها عاملة الفندق الغينية نافيساتو ديالو للمحققين، بقوةفي مجرى التحقيقات، وأصبحت كل إفاداتها بذلك موضع تشكيك من طرف المدعي العام الأميركي، وهو ما جعل هذا الأخير يعيد النظر في الملف ويطلق سراح ستروس - كان دون أن يسمح له بمغادرة أميركا.

وعاد المحققون للبحث في حياة هذه المهاجرة الغينية انطلاقا من حياتها التي عاشتها في بلدها حتى وصولها إلى الولايات المتحدة، وتبين أنها لم تعاقب يوما هي وزوجها، التي ادعت أنه توفي في السجن، بسبب مواقفهما المعارضة لنظام بلدها.
والرواية التي قدمتها للسلطات المختصة للحصول على رخصة الإقامة حفظتها عن ظهر قلب بالاستماع المتكرر إلى شريط حضر لهذه الغاية، كما أنه تبين أنها تملك خمسة هواتف نقالة في حين صرحت للمحققين بكونها تملك هاتفا واحدا.

وأظهرت التحقيقات أنها استعملت أحد هواتفها غير المصرح بها للمحققين للاتصال بأحد السجناء الذي يقضي عقوبة بالسجن بتهمة ترويج المخدرات، وقالت له في مكالمة هاتفية دارت بينهما حول ستروس - كان:quot;لا تحتر فالمعني بالأمر شخص ثريquot;.

والأكثر من كل هذا، أن صحيفة أميركية تحدثت عن كون نافيساتو ديالو معروفا عنها تجارتها في الدعارة بمقابل عمولات تحصل عليها من قبل زبائن الفندق، بحسب ما قالته صحيفة نيويورك بوست، إلا أن محاميها نفى هذا الأمر وقرر مقاضاة هذه الصحيفة.

نظرية المؤامرة
وثمة عناصر قللت من وزن الاتهامات التي وجهتها هذه الغينينة لمدير صندوق النقد الدولي، و هو ما أفرغ الدعوى القضائية المرفوعة ضده من محتواها، ولم تعد اليوم تحتفظ هذه الدعوى بما يمكن أن يعيد ستروس كان إلى ما وراء القضبان، خاصة وأن مصادر أميركية تتحدث عن إمكانية تمكينه من حرية كاملة في الأيام القليلة القادمة.

وأمام نتائج التحقيق المذكورة خرجت نظرية المؤامرة إلى السطح، و التي تحدث فيها الكثيرون و لو سرا في الكثير من الأحيان، إذ تحدث أحد المقربين من ستروس- كان عن اتصال هاتفي بين قصر الإليزيه و شركة لاكور المالكة لفندق سوفاثيل حيث كان يقيم ستروس- كان.
ويعتقد أحد أتباع المدير السابق لصندوق النقد الدولي بهذه النظرية عندما يورد ما باح به ستروس- كان له قبل أسبوعين من إثارة القضية، بحسب القيادي في الحزب الاشتراكي كلود بارطو، حيث قال له quot;البعض لهم مصلحة في أن أطرد من منصبي و في مقدمتهم الروسquot;.

وعلى المنوال نفسه يتحدث فرانسوا بوبوني، الذي خلف ستروس- كان على رأس بلدية سارسيل في ضواحي باريس، بعد أن صرح quot;إنه لأمر غريب، لقد حكى لنا سيناريو الفيلم نفسه، لقد حدثنا عن سقوطه قبل حدوثه...quot;

لعنة الجنس
لكن لعنة الجنس يمكن أن تسبب للوزير السابق متاعب أخرى في فرنسا عقب شكوى لصحافية فرنسية، تتهمه فيها بمحاولة اغتصابها سنة 2003 عندما كانت بمعيته في موعد صحافي لأجل مقابلته، إلا أن هذا اللقاء، بحسب هذه الصحافية، كاد يؤدي إلى اغتصابها.

وتدعى هذه الصحافية ثريستان بانون، وهي تعمل لحساب صحيفة إلكترونية مقربة من حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، ما جعل أوفياء ستروس كان يطرحون من جديد نظرية المؤامرة، علما أن الصحافية نفسها سبق لها أن صرحت أنها لا تنوي رفع دعوى ضده في الوقت الحالي.

وفي المقابل رفع محامو ستروس - كان ضد هذه الصحافية شكوى معاكسة يتهمونها فيها بالتبليغ الكاذب. فيما لا يمكن أن يجزم أي طرف من الأطراف حول المصير الذي ينتظر ستروس- كان اليوم في فرنسا على خلفية هذه الشكوى في حالة تبرئة ذمته في الولايات المتحدة وعودته إلى بلده.

العودة المحتملة إلى الساحة السياسية
وينتظر أن يأخذ النقاش السياسي في الحزب الاشتراكي صيغة مغايرة إذا ما عاد دومينيك ستروس كان إلى الساحة السياسية الفرنسية، خصوصا و أن هذا الحزب اليساري هو في طور الاستعدادات للانتخابات التمهيدية، ومن المرتقب أن يغلق باب الترشيحات في الثالث عشر من الشهر الجاري.

وأبرزت استطلاعات الرأي أن الفرنسيين منقسمون على أنفسهم بين مؤيد لعودة ستروس كان إلى هذه الساحة ورافض لها، فيما كان رحب بهذه العودة المحتملة قياديون اشتراكيون وعلى رأسهم الأمين العام للحزب الاشتراكي.

وقالت قائدة الاشتراكيين مارتين أوبري بهذا الشأن quot;لا يعارض أي شخص في الحزب ترشيح ستروس كان ولو يحصل ذلك بعد التاريخ المحدد لإيداع الترشيحاتquot;، وهو ما عبر عنه نفسه كل من فرانسوا هولاند سيكولين روايال وبيير موسكوفيسكي.

ورغم هذا الترحيب يحاول المتحدث باسم الحزب نفسه بنوا هامو أن يكون واقعيا في عكس إمكانية عودة ستروس- كان، معتبرا إياها أنها quot;الفرضية الأضعفquot;، مزكيا بذلك رؤية المحلل السياسي زياد ماجد الذي quot;لا يعتقد أنه بإمكانه أن يعود سريعاquot;.

و يرجع ماجد ذلك، بحسب إفاداته لـquot;إيلافquot; إلى quot;الأضرار الكثيرة التي لحقت بهquot; نفسيا و معنويا، وأي عودة آنية يراها quot;صعبةquot;، و إن كان المجتمع الفرنسي quot;ليس محافظاquot;، و لا يمكن له أن يعاقب مسؤول سياسي لهذه الأسباب كما يحصل في الولايات المتحدة.

وإن تبين أنه ضحية مؤامرة، يقر ماجد أنه quot;سيعود بقوة لا محالةquot;، و إن كان quot;لا يصدق كثيرا نظرية المؤامرةquot;، و الأمر، بحسب زياد ماجد، يتطلب quot;إثباتات كثيرة والكثير من الوقت...quot;

وحتى إن قرر اعتزال السياسة مباشرة بعد طي هذه القضية سواء انتهت لصالحه أو ضده، يقول ماجد هذا quot;لا يمكن أن يؤثرفي الاشتراكيين الفرنسيين لأن المعترضين على سياسة الرئيس نيكولا ساركوزي سيصوتون لأي شخص يرشح نفسه من الاشتراكيينquot;.

ويضيف:quot; يبقى الأهم بالنسبة إلى الاشتراكيين هو استعادة تماسكهموتلاحمهم والبحث في تحالفات مع الوسط و أقصى اليسار حتى يعودوا بقوة إلى سدة الحكمquot;.