يقول صحافي بريطاني إن التغطية الإعلامية الغربية لجريمة القتل الجماعي في النرويج استندت إلى laquo;خبراءraquo; وجّهوا أصابع الاتهام إلى تنظيم laquo;القاعدةraquo; بدون أي دليل، غير التخمين البحت، وأصرّوا على تقويمهم، حتى بعدما اتضح أن الجاني نرويجي يميني متطرف يكره الإسلام.


المعزّون من النرويجيين والمهاجرين المسلمين يتوجهون لحضار قداس للقتلى

صلاح أحمد: ينتقد الصحافي البريطاني تشارلي بروكر الإعلام الغربي واعتماده في تغطيته أحداث النرويج المروّعة على من يسمون أنفسهم laquo;خبراء في الإرهاب الدوليraquo;.

ويقول على صفحات laquo;غارديانraquo; إنهم جميعًا سارعوا إلى توجيه أصبابع الاتهام إلى laquo;القاعدةraquo;. ليس هذا وحسب، بل إن بعضهم ظل يبحث عن الرابط بالتنظيم الإرهابي، حتى بعدما اتضح أن الجاني نرويجي من اليمين المتطرف ومعاد للإسلام ويحتقر الحزب الحاكم في بلاده.

ويقول بروكر: laquo;مساء الجمعة قالوا إنها خلية إرهابية ذات علاقة بالقاعدة على الأرجح، لأن كل شيء هنا يحمل بصمات القاعدة. لكن حدسي كان يقول غير ذلك. لِم النرويج؟ ولِم كان المقصود بالهجوم حزب سياسي بعينه؟ على أننا نتحدث عن أناس كتب كل منهم كلمة laquo;خبيرraquo; على جبينه، وكلما سأل مذيع أحدهم عما يحدث، أجاب بالقول إنه من شبه المؤكد أنها القاعدة.

laquo;وفي أعقاب التفجير في قلب أوسلو مضى أولئك الخبراء الى تحليل الأسباب التي تحدو بكراهية الإسلاميين للنرويج. فقال بعضهم إنهم استهدفوها بسبب دورها في أفغانستان. وقال بعض آخر بسبب أنها وجهت الاتهام أخيرًا إلى واعظ إسلامي. وذهب فريق إلى القول إن السبب هو إعادة نشرها رسوم الكاريكاتير التي صوّرت النبي محمد. وقال فريق آخر إن النرويج laquo;هدف سهلraquo;، وهاجموها لأن الناس لم يتوقعوا مهاجمتها.

وعندما وردت الأنباء عن جريمة القتل الجماعي الأخرى في جزيرة يوتويا، سارع أولئك الخبراء الى تحديث تقويمهم للوضع، فقالوا إنه بتدبير من القاعدة على غرار هجوم مومباي.. وهكذا مضت التخمينات على شاشات التلفزيون، وعلى الصحف في الإنترنت، بما فيها هذه التي يظهر عليها هذا المقال. في غضون ذلك، ورد على موقع laquo;تويترraquo; أن القاتل أبيض أشقر يتحدث بلسان نرويجي أصيل.

وأضاف: مع هذا التطور، علمت أن إحساسي الأولي بأنه لا يد للقاعدة في الأمر كان في محله. ولكن من أنا حتى أناقض ما يطلع به laquo;الخبراءraquo; علينا؟ وحتى بعد إقرار هؤلاء بأنه من غير المرجح لنرويجي أشقر أن يكون خلية للقاعدة، فلم يتخلوا تمامًا عن فرضية أن بوسعها تجنيد متطرفين من أبناء البلاد لا تطالهم الشبهات لتنفيذ توجيهاتها.. وهكذا يظل الاتهام موجّهًا للمسلمين.

laquo;وبعد قليل خرجت صحيفة laquo;الصنraquo; بعنوان رئيس يقول: laquo;القاعدةraquo;.. مذبحة 9/11 النرويجيةraquo;. ولاحظ أنها وضعت كلمة laquo;القاعدةraquo; بين مزدوجين لتوحي للقراء بأنها لا توجّه الاتهام بنفسها، وإنما تنقله عن جهة أخرى، فلا تُنتقد على تسرعها في إطلاق الأحكام جزافًا.

laquo;وبحلول الليل، كانت الأنباء على الإنترنت تؤكد أن ما حدث في النرويج أقرب الى تفجير 1995 في أوكلاهوما وحملة التفجيرات الآيرلندية الشمالية في لندن العام 1999، وليست ضمن الفظائع التي ترتكبها القاعدة. وصبيحة اليوم التالي انحسر مد الحديث عن القاعدة، وصار خبراء الإرهاب الدولي خبراء في اليمين المتطرف وكأنهم بين العشية والضحى تلقوا دورة دراسية فيه ونالوا الدبلوم في نهايتها.

أندرس بيرينغ برييفيك... القاتل الجماعي الأشهر في تاريخ النرويج

laquo;مع ذلك ظل البعض يتمسك بالبعد الإسلامي حتى في وجه الحقيقة التي كانت تتكشف بسرعة عالية. فشاهدت مذيعًا على قناة laquo;فوكسraquo; يقول للدبلوماسي الأميركي السابق جون بولتون إن الشرطة النرويجية تتحدث عن هجوم على طراز أوكلاهوما 1995، فكيف يقوّم الوضع بالنظر الى حديث سابق له عن تورط القاعدة.

ويرد بولتون بالقول إن الوقت مبكر لإطلاق الحكم الأخير، ومن الأفضل الانتظار حتى اكتمال الصورة. بعبارة أخرى فقد كان هذا الدبلوماسي يقول ضمنيًا: laquo;فلنفترض أن المهاجمين مسلمون إلى أن تثبت براءتهم. ولكن في هذه الأثناء فلنلق باللائمة عليهم بغض النظر عن المعطيات الحالية.

laquo;الحقيقة هي أن laquo;الخبراءraquo; الذين غمروا محطات التلفزيون والإذاعة بـlaquo;التحاليلraquo; إنما هم laquo;متكهنونraquo; أغرقوها بـlaquo;التخمينraquo;. وعندما يطلب مذيع إلى خبير تحليله للوضع، فهو في الواقع يطلب الى laquo;مخمّن طرح تخميناتهraquo;.. لا أكثر. وعليه فما أشبه ما أتى به اولئك laquo;الخبراءraquo; بأطفال يتحدثون عن نوع الميكانيكا التي تتيح للطائرات المروحية الإقلاع العمودي. وأنا شخصيًا لا أفقه شيئًا في الإرهاب الدولي. لكن تخميني، مع ذلك، كان أفضل من تخمينهم.

laquo;والآن تعجّ الصحف والإنترنت بمقالات تحلل الدوافع التي تقف وراء ما فعله هذا النرويجي. وإذا ألقيت نظرة الى تعليقات القراء وجدت أنها تعبّر عن الإحساس بالصدمة والهلع والغضب. وهذا طبيعي لولا أن العديد من هذه التعليقات تبدأ كالتالي: laquo;ما فعله هذا المجنون فظيع ولكن...raquo;! سيل من كلمة laquo;ولكن...raquo; يمضي أصحابه الى الحديث عن هجرة المسلمين استنادًا الى تقارير صحافية واهية قرأها هؤلاء المعلقون في مكان ما وغاب عن ذاكرتهم نصف ما ورد فيها.

laquo;وهكذا يوجه أصبع الاتهام إلى المسلمين بالرغم من حقيقة أن الجاني نرويجي معاد للإسلام، وقتل نرويجيين ليسوا بمسلمين. وهذا لأن توجيه الاتهام إلى المسلمين يلائم العقلية التي ظلت على مر السنوات تتلقى من أولئك laquo;الخبراء الأمنيينraquo;، ما يفيد أن الإرهاب حكر على الإسلام، وأن أذرع القاعدة تنتشر في كل مكان.

laquo;وهذا أيضًا أمر أجّجته صحافة التابلويد الشعبية بأكاذيب تبدأ من laquo;مراحيض خاصة بالمسلمينraquo; إلى laquo;المجالس البلدية ستحظر الاحتفالات بالكريسماس حفاظًا على المشاعر المسلمةraquo;.. نحن في مكان مخيف الآن.. والتخمين هو آخر ما يلزم لناraquo;.