تسببت موجة استقالات كبار قادة الجيش التركي واعتقال العشرات من الضباط، في إثارة مخاوف من احتمالية تآكل القدرات الخاصة بثاني أكبر جيوش حلف شمال الأطلسي quot;الناتوquot;.

وقالت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية إن الاستقالة التي تقدم بها أربعة من كبار قادة الجيش في تركيا الأسبوع الماضي قد قوبلت باعتبارها نهاية صراع السلطة الذي استمر على مدار ما يقرب من عشرة أعوام بين الحكومة والقوات المسلحة.

وأوضحت الصحيفة في هذا السياق أن تلك الاستقالات، إلى جانب موجة الاعتقالات الجارية لعشرات الضباط من أجل إخضاعهم لتحقيقات جنائية ذات دوافع سياسية، كما يدعي الأشخاص المعارضون للحكومة، قد أثارت مخاوف من احتمالية أن يواجه الجيش التركي، المصنف بأنه ثاني أكبر الجيوش الموجودة في حلف الناتو، أزمة تشغيلية.

هذا وقد جاءت استقالات الضباط الأربعة الكبار بعد ساعات من إدانة 22 جندياً بارزاً يشتبه بتورطهم في حملة تشهير على الإنترنت ضد الحكومة. كما جاءت تلك الاستقالات في أعقاب المواجهة التي اندلعت مع الحكومة بشأن اجتماع مقرر للمجلس العسكري الأعلى، الذي يتخذ القرارات بشأن الترقيات العسكرية. وبينما كان يكتفي الساسة الأتراك، كما كانت العادة، بترك بصمتهم الشكلية على القرارات التي يقترحها الجيش، تغيرت الأمور منذ العام الماضي، بعدما طلب رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، بأن يكون لهم القول الفصل في ما يتعلق بالتعيينات العسكرية.

ولفتت ساينس مونيتور إلى انضمام أردوغان يوم أمس لأبرز قادة الجيش المتبقين في الاجتماع المستمر في الانعقاد على مدار أربعة أيام، والذي قد يعيد بموجبه صياغة القيادة العسكرية. وأوردت الصحيفة في هذا الشأن عن غاريث جينكينز، المحلل العسكري في اسطنبول والذي تربطه صلات بالقوات المسلحة التركية، قوله :quot; الاستقالات وحدها ليست مشكلة، لكن الموضوع الأهم والأكبر هو موضوع الاعتقالاتquot;.

وتابع حديثه بالقول :quot; هناك الآن 12 % من الجنرالات والأميرالات محتجزين في السجن. ولا يحدث الآن تآكل للنفوذ السياسي للجيش التركي ndash; الذي توارى بالفعل ndash; وإنما لقدرته العسكريةquot;. ثم نوهت الصحيفة بالدور الذي تلعبه تركيا في المهام الخاصة لحلف الناتو في كل من أفغانستان وليبيا. وقالت في الإطار عينه إن موجة الاستقالات والاعتقالات هذه تعني أنه ليس مطلوباً الآن جنرالات مؤهلين برتبة الأربع نجوم لتولي منصب رئيس سلاح الجو، وجنرال سلاح جو واحد فقط برتبة الثلاث نجوم.

كما عبر جينكينز عن خشيته من احتمالية أن ينتج عن حدوث مزيد من الاستقالات قفز جنود عديمي الخبرة للعديد من المناصب وشغلهم لمناصب عليا. في حين رأى كثيرون آخرون أنه من غير الوارد أن تتسبب الاستقالات في تعجيل حدوث أي نوع من أنواع الأزمات، مثلما أكد سولي أوزيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيلغي في اسطنبول، وكذلك الأميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي، الذي أوضح في حديثه له مع الصحافيين أنه يتوقع quot;انتقالاً منظماًquot; للموظفين.

ورحَّب معظم المحللين بتلك الاستقالات، معتبرين إياها بمثابة الإشارة الواضحة على أن جيش تركيا الذي كان يتميز بتطفله قد خضع أخيراً لسيطرة مدنية. وبعدما تبدلت الأوضاع في تركيا، وأصبحت على النقيض، بعد استقالات الجمعة الأخيرة، يبدو أن ردود الفعل الرافضة لكبار الساسة قد أكدت أن الجيش الذي سبق له القيام بثلاث انقلابات وحشية منذ ستينات القرن الماضي قد أزيلت أنيابه في نهاية المطاف.