يثير موقف مصر الباهت من الثورة السورية الكثير من علامات الاستفهام التي حاولت quot;ايلافquot; عبر أحاديث مع ساسة وخبراء تفكيكها ودراسة أبعادها ومعانيها بما يمهد لتشكيل صورة عن السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة بشكل عام.


عصام شرف صعد لرئاسة الوزراء بعد الثورة

القاهرة: خمسة أشهر كاملة منذ اندلاع الثورة السورية، ولم تتخذ خلالها مصر الرسمية أي موقف تجاه الإنتهاكات التي تحدث بحق الشعب السوري، وعندما تحدث وزير خارجيتها، جاء حديثه باهتاً وضعيفاً وبلغة دبلوماسية لا يمكن أن تعرف هل هي مع أو ضد؟ وجاء بيان مجلس الوزراء برئاسة الدكتور عصام شرف ndash; الرجل الذي تبوّأ منصبه إنطلاقاً من ثوريته- باهتاً أيضاً. والسؤال الذي كان وما زال يتردد على ألسنة الشعبين السوري والمصري: لماذا هذا الصمت المصري على تلك الإنتهاكات؟

وتأتي الإجابة على ألسنة خبراء ودبلوماسيين سابقين، مؤكدة أن السبب في الصمت يرجع إلى انشغال مصر بالكثير من الملفات الداخلية من أجل الإسراع في عبور المرحلة الإنتقالية، غير أنهم أجمعوا على أن هذا ليس مبرراً كافياً للصمت، لاسيما أنه يفقد مصر الكثير من مكانتها الإقليمية.

ويقول السفير صلاح فهمي مساعد وزير الخارجية الأسبق لـ quot;إيلافquot; إن مصر كانت تنوي إرسال سفير جديد لسوريا، ولكنها تراجعت بعد تصاعد الأحداث هناك ولهذا فلن تسحب مصر سفيرنا من سوريا أو تتخذ مواقف تصاعدية مثلما قامت بها دول عربية وستكتفي بالإدانة والمطالبة بضبط النفس فقط.

وأرجع ذلك إلى أن المجلس العسكري لا يريد التدخل في ما يحدث في الخارج لأنه يريد أن يبقى الوضع كما هو عليه لحين تسليم السلطة للرئيس القادم، فهو لا يريد اتخاذ قرارات بشأن السياسة الخارجية لمصر قد لا تكون مدروسة، مشيراً إلى أن المجلس العسكري يضع الشأن الداخلي من أولوياته، وبالنسبة إلى السياسة الخارجية فتكون في الضرورات فقط، والذي يضمن الحفاظ على الأمن القومي للبلاد.

وحسب وجهة نظر فهمي فإن وزارة الخارجية تعيش في تخبط منذ ستة أشهر بسبب تغير الوزراء، وبالتالي فدور وزير الخارجية الآن ينحصر في تسهيل الأعمال فقط بحل المشاكل الطارئة، ولكن لا يوجد رسم خطط لإعادة سياسة مصر بعد الثورة خارجيًا، ولهذا ليست غريبة حالة الصمت تجاه الأحداث في سوريا واليمن وليبيا.

واعتبر مساعد وزير الخارجية الأسبق ما تتبعه الخارجية المصرية من حيث التجاهل للأحداث في الدول العربية سيضر بوضع مصر الإقليمي، ويؤدي إلى تراجع دورها في المنطقة لخطوات عما كانت في عهد النظام السابق، ما سيتسبب فى التأثير مستقبلاً على الأمن القومي لمصر، وإعطاء الفرصة لدولة مثل قطر وتركيا لاحتلال مكانة مصر.

وأضاف فهمي أنه كان يفترض استغلال الثورة المصرية وترحيب العالم بها وتخوف دول عربية من تكرارها على أراضيها في تعزيز دور مصر للتأكيد على التواجد الإقليمي والدولي واستغلال الأحداث السورية باتخاذها مواقف إيجابية مرضية دون الانتظار إلى مرور خمسة أشهر حتى يخرج بيان باهت من وزير الخارجية المصري لا يغني من جوع أو بيان آخر من مجلس الوزراء.

ويوضح الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية جامعة حلوان لquot;إيلافquot; أنه لا يمكن اتهام مصر بالصمت تجاه ما يحدث في سوريا لعدم رغبتهافي التدخل، ولكن يجب النظر إلى أن مصر حدثت فيها ثورة تسببت بحدوث خلل في الشأن الداخلي وأزمات يومية تتطلب الاهتمام بها والبحث عن وسيلة لحلها، حتى تمر الفترة الانتقالية بسلام.

معتبرًا أن بيان وزير الخارجية الأخير بداية قوية للخارجية المصرية فيممارسة دورها تجاه ما يحدث فى سوريا، ولكن لا ينتظر أن يكون التدخل بالقوى المطلوبة لوجود ملفات مهمة داخلية تأتي من أولويات الحكومة بجانب وجود ملفات خارجية على أجندة أولويات الخارجية المصرية ومنها أزمة حوض النيل والسودان والحرب في ليبيا والقضية الفلسطينية. ودعا عودة منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وشباب الثورة إلى لعب دور مهم في الضغط الشعبي على النظام السوري.

ويرجع الدكتور محمد منصور، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أسيوط، سبب صمت مصر طوال الخمسة أشهر الماضية تجاه انتهاكات النظام السوري ضد الشعب إلى أن مصر تريد الخروج من المأزق السوري بحل إصلاحي يحافظ على استمرار النظام البعثي السوري. وأضاف لـquot;إيلافquot; أن البعض في السلطة في مصر يرى أن تنحي الرئيس بشار يعني حدوث فوضى، لاسيما في ظل سيطرة الطائفية على سوريا، مشيراً إلى أن مصر لا تريد التدخل في الشأن السوري، حتى لا يكون ذلك حجة للتدخل الأجنبي، ولهذا كان انتظار الخارجية المصرية لحين اتضاح الصورة كاملة ولما حدث ذلك كان صدور بيان الإدانة الأول لمصر.

ومن الأسباب الأخرى لصمت مصر تجاه ما يحدث في سوريا ـ حسب منصورـ الملفات العديدة الداخلية التي شغلت المجلس العسكري، منها تنظيم المليونيات والإنفلات الأمني في الشارع بجانب الملفات الخارجية المهمة من وجهة نظر الخارجية المصرية والمتمثلة في تقسيم السودان والعلاقات مع دولة جنوب السودان والعلاقات مع دول حوض النيل والأزمة على الحدود الليبية المصرية، مشيرًا إلى نقطة مهمة لابد من اتخاذها فى الاعتبار، وهي سوء العلاقات بين مصر وسوريا في السنوات الماضية وأي تدخل من جانب مصر سيفسر على أنه تدخل فى الشأن السوري، ولن توافق سوريا على أي وساطة مصرية لحل الأزمة.

وحسب وجهة نظر منصور الشخصية، فإن هذا الصمت الطويل من جانب مصر تجاه ما يحدث في سوريا يضر بدورها الإقليمي، في ما يتعلق بالقضايا العربية بعد أن نجحت تركيا للمرة الثانية في أخذ هذا الدور من القاهرة فكانت المرة الأولى في أحداث الحرب على غزة.

ويفسر السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق لquot;إيلافquot; سبب صمت مصر تجاه ما يحدث فى سوريا إلى أنه لاتوجد سياسة خارجية طوال ال30 عاما الماضية، وأن دور وزير الخارجية قائم على تنفيذ تعليمات الرئيس فقط دون وجود استراتيجية للخارجية المصرية للتعامل مع أزمات الدول المحيطة، وبالتالي فبسقوط النظام أصبحت هناك حالة من التخبط لدى الخارجية، ولا توجد لديها فكرة عن كيفية التعامل مع أزمة سوريا واليمن وليبيا، والأمر نفسه بالنسبة للمجلس العسكري، والمنتظر استمرار العشوائية فى تعاملها مع ما يحدث في دول المنطقة من أحداث فالصمت المصري يرجع في الأساس إلى أن المجلس العسكري والخارجية لاتعرف كيفية التعامل مع الأزمات السابقة.

ويرى الأشعل أن مصر فقدت الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية الأسبق، والذي كان لديه فكر للتعامل مع أحداث سوريا واليمن وليبيا والقادر على وضع مصر في المكانة المطلوبة خارجيًا، داعياً وزارة الخارجية والمجلس العسكري إلى سرعة إتخاذ قرارات حاسمة منها سحب السفير المصري من دمشق والتهديد بقطع العلاقات الاقتصادية.