مع اقتراب موعد انتخابات المجلس التأسيسي في الثالث والعشرين من أكتوبر المقبل لصياغة دستور تونس الجديد، ما زال المشهد السياسي والحزبيّ غامضًا، خصوصًا مع ظهور تكتلات سياسية ظرفية بين العديد من الأحزاب، سرعان ما تهاوت تحت تأثير الايديولوجيا والخلافات، في حين تكابد تحالفات أخرى للصمود حتى موعد الانتخابات.


القطب الديمقراطي الحداثي: تكتل سياسي يساريّ يعتزم خوض انتخابات المجلس التأسيسي في إطار تحالف

تونس: بدأ العد التنازلي لاقتراب موعد انتخابات المجلس التأسيسي في تونس، وبدأت تلوح في الأفق ملامح خارطة سياسية جديدة ترسمها أقطاب الأحزاب ضمن البحث عن تحالفات سياسية تؤمّن لها حظوظًا أوفر للفوز، خلال هذا الموعد المرتقب، خاصة انه يفصلنا اقل من عشرين يومًا على التحديد النهائي للقائمات الانتخابية.

تعمل هذه التحالفات على صياغة أرضية سياسية مشتركة واسعة تجمع الأحزاب والحركات والقوى التقدمية والديمقراطية على أساس الشعارات الأساسية لثورة 14 يناير التي نادت بالكرامة والحرية والعدل.

لاستقراء حاضر ومستقبل هذه التحالفات التي برزت على الساحة السياسية في تونس التقت (إيلاف) الدكتور علي اللاّفي، وهو محلل سياسي وباحث متخصص في شؤون الأحزاب المغاربية والحركات الإسلامية.

يرى اللافي في إفاداته أن المشهد السياسي في تونس يشهد حراكا كبيرا بما فيه من جدل وتصاعد لوتيرة الاستقطاب والاستعدادات الحزبية والانتخابية.

تاريخ الأحزاب

كقراءة لتاريخ الأحزاب في تونس منذ تأسيس الحزب الحر الدستوري في العشرينات من القرن الماضي والخلايا الأولى للحزب الشيوعي في نسخته التونسية، يقول اللافي: quot;إننا نجد أنفسنا إزاء أربعة تيارات، وهماليسار ويمين اليسار واليمين ويسار اليمين، وفي الغالب هذه هي التيارات الأربعة، ونجد معها أيضًا اليمين المتطرف واليسار المتطرف وكل الأحزاب المائة ونيف التي ظهرت بعد ثورة 14 يناير، يمكن وضعها ضمن هذا التقسيم، وتلك التيارات الأربعة تتقاطع مع عاملين آخرين تاريخيين هما الإسلام والقومية.

وفي الغالب الإسلاميون هم من يسار اليمين، والقوميون هم من يمين اليسار. ويضيف اللافي: quot;في الحقيقة فإن الأحزاب الموجودة الآن في تونس ستنحصر في أربعة اتجاهات ونحو حزبين من المتوقع أنهما سيحكمان. أما البقية فقد تشارك في الحكم مستقبلاً بالتحالف معهماquot;.

عن التحالفات الرّاهنة، يقول الباحث إن أول التحالفات التي بدأت بالتشكل هو ما عرف بلقاء أحزاب الوسط في 23 نيسان/أبريل الماضي في مدينة مقرين، وضمت يومها 8 أحزاب (التحالف الوطني للسلم والنماء ndash; حزب الإصلاح والتنمية ndash; حزب المجد ndash; حزب الحرية والتنمية ndash; الحركة الوطنية للعدالة والتنمية ndash; حركة شباب تونس الأحرار ndash; حزب العدل والتنمية ndash; الوفاق الجمهوري).

عبّرت تلك الأحزاب عن خوفها من quot;انتكاس الثورةquot;، ولكن التحالف لم يستطع الصمود نتيجة انسحاب الحزبين الأولين وانضمام الوفاق الجمهوري إلى القطب الحداثي واختراق التحالف من طرف أحزاب احترزت عليها بقية المكونات وانتهت العملية بالإعلان عن حل لقاء أحزاب الوسط.

ويقول اللافي إنّ ما يسمى اليوم laquo;القطب الديمقراطي الحداثيraquo; هو تحالف أيدته عديد النخب خاصة اليسارية والفرانكفونية، وبدأ بحوالي 15 مكونًا (11 طرفا مؤسسا للقطب وأربعة أطراف مساندة).

لكن الأشكال في هذا القطب حسب رأيه هو دخوله مرحلة انسحاب مكوناته بسرعة، ولكن الإشكال الثاني انه إذا واصل الذين شكّلوا القطب وتمسكوا بتعريف الحداثة بالمقابلة مع الأصالة، فإن ذلك يعني أمرين:

أولهما أن تصورهم للحداثة والأصالة كاريكاتوري، والأمر الثاني أن هذا الكاريكاتور فيه عداء للحداثة والأصالة وللشعب الذي يريد حداثة أصيلة.

وحسب رأي اللاّفي إذا كان هؤلاء quot;ديمقراطيين فعلاquot; فليصغوا إلى الشعب، وهذا لا يعني اتباعه في كل شيء، بل في الأساسيات، وليس هناك من الأساسيات أكثر من الخيارات التي يؤمن بها الشعب.

فعندما يقابل هؤلاء بين الحداثة والأصالة فكأنهم يسعون إلى الفشل في التحديث، في حين أنه يمكن الاتفاق على تحديث غير مستبد ينتج من مسار طويل في تربية الشعب. وهو ما يعني ضمنا أن الشعب التونسي لن يصّوت لهؤلاء بما هم عليه، وان تحالفهم سيزيد في الضعف على الأقل من حيث عدد مكوناته.

التقارب بين قيادتي حركة quot;النهضةquot; التونسية راشد الغنوشي (يمين) وحزب quot;المؤتمرquot; بزعامة منصف المرزوقي (يسار) يبدو واضحا ... لكن لا تحالف حزبيّ بينهما لإنتخابات المجلس التأسيسيّ

وعن quot;ائتلاف الوسطquot; يقول علي اللاّفي: quot;هو في الحقيقة ائتلاف يميني أو يمين اليمين بالمعنى الكلاسيكي، ويتكون من ثمانية أحزاب ظرفيًا (حزب العدل والتنمية ndash; الحركة الوطنية للعدالة والتنمية ndash; حزب الكرامة والعمل ndash; حركة الإصلاح والعدالة الاجتماعية ndash; حزب العدالة والتنمية ndash; اللقاء الإصلاحي الديمقراطي ndash; العدالة والمساواة ndash; حزب الكرامة من اجل العدالة والتنمية)، وهو ائتلاف سيكون محكومًا بالهزات والانسحابات لاختلاف مكوناته في رؤاهم الفكرية وقراءتهم لواقع المجتمع التونسي وطبيعة علاقة بعض مكوناته بحركة النهضة الإسلامية.

أما quot;الائتلاف الجمهوريquot;، فهو ائتلاف يسوده الغموض في تركيبته، باعتباره مكونًا من بعض الأحزاب الدستورية والأحزاب الوسطية ضعيفة الحضور وأحزاب الاجندات المكونة بعد 14كانون الثاني/ يناير2011،وبعض أحزاب الديكور في عهد بن علي، وهو الائتلاف المنتظر أن ينشطر إلى مكونين أو ثلاثة بعد انسحاب حوالي 10 أحزاب منه منذ أسبوع، مع ملاحظة انه سيقع التمايز والتحاق أحزاب تجمعية (نسبة إلى التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم في عهد بن علي) بل وترأسها لفرعيه أو فروعه مثل حزبي المبادرة والوطن والمستقبل.

وquot;التكتل ndash; العملquot; كما يقول اللاّفي هو تحالف لايزال قيد النقاش ويخضع لكيفية توظيف شعبية الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة العمالية الكبرى في تونس)، ولن يكون واضح التشكل أو التحاق أطراف أخرى إلا مع بداية الأسبوع المقبل أو نهايته.

غرابة وخطورة

ردًا على سؤال (إيلاف) حول ماهية التحالفات التي ستتشكل في الأيام القليلة المقبلة، يجيبالباحث على اللافي بأنه quot;من غرابة وخطورة المشهد السياسي التونسي أن خريطة التحالفات يسودها الغموض إلى حد اليوم، بل حتى ما هو قائم مهدد بالتفكك والانحلال، وهو ما يعني إغراق الانتخابات التونسية بعشرات القائماتquot;.

ويرى أنّ اكبر أزمات المشهد السياسي التونسي انه يخضع لمنطق الصراعاتنفسه التي كانت سائدة في منتصف ثمانينات القرن الماضي في الساحة الطلابية حول انجاز المؤتمر 18 الخارق للعادة للمنظمة الطلابية، وهي تدار اليوم بتلك الوجوه نفسها، ورغم ذلك يؤكد اللافي انه يمكن استقراء بعض التحالفات التي سنراها بعد أيام وهي:

أولا: تحالف يسار اليمين أو الوسط الديمقراطي، وهو تحالف سيتشكل من بعض المستقلينمثل الدكتور بن سلامة وبعض المنضمين إلى بيان المستقلين، والإسلاميين الحداثيين وبعض الأحزاب الوسطية، مثل حزب تونس الجديدة وحزب التحالف الوطني للسلم والنماء وحزب المجد والإصلاح والتنمية وأحزاب أخرى، رغم التمايز بين المكونات والتشكل سيخضع حسب طبيعة المشاورات والنقاشات الدائرة.

ثانيا: تحالف يساري وتقدمي، وهو رهن علاقات حزب العمال ونقاشاته مع الأطراف اليسارية، وهو إن قام فسيكون إعادة تركيبة لجبهة 14 كانون الثاني/ يناير، وستكون طبيعة مكوناته مرتبطة بطبيعة النقاشات ونتائجها وطبيعة المنسحبين من القطب الحداثي من الأطراف اليسارية.

وأخيرا: التحالف العروبي، وهو على قدر نسبة تشكله على نسبة عدم قيامه، رغم حرص منخرطيquot;حركة البعثquot; على قيامه، وربما يكون أحد أسباب عدم قيامه أو قيامه ضعيفًا هو طبيعة الصراعات القائمة في مكونات التيار الناصري والانشقاقات داخل حزب quot;حركة الشعب الوحدوية التقدميةquot; لطبيعة موقع السيد بشير الصيد السياسي وداخل التيار القومي عمومًا.

في نهاية تحليله للمشهد المطروح والتحالفات السياسية في تونس، والتكتلات المرتقبة خلال الأيام القليلة المقبلة، يقول اللافي إنّ بعض الأطياف السياسية حسمت خوض غمار الانتخابات بقائمات منفردة على غرار المؤتمر من اجل الجمهورية والتكتل (حاليًا) والتقدمي والنهضة، وان طبيعة الحياة السياسية طيلة أكثر من خمسين سنة وملامح الاستبداد والقمع الممنهج ينتج اليوم معارضة سقيمة لن تتعافى بسهولة، وهو ما يعني ضمنًا صعوبة تشكل تحالفات سياسية قوية وناجحة وفاعلة وبسبب سيادة عقلية الزعامة السياسية التي أوصلتنا إلى أكثر من 103أحزاب، ولن يقل ذلك العدد إلا بسبب نتائج الانتخابات التي ستكون صادمة للبعض، على حدّ تعبيره.