أكد ناجي البغوري النقيب السابق للصحافيين التونسيين وعضو الهيئة المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال التي تشكلت بعد الثورة في حوار مع إيلاف أن الإعلام تغيّر نوعيًا بعد 14 يناير خصوصًا مع سهولة الوصول إلى المعلومة وتهاوي كل أشكال الرقابة. كما أكد أن حرية الصحافة تتطلب إسنادًا تشريعيًا ودستوريًا لتدُوم.
ناجي البغوري |
أكد ناجي البغوري النقيب السابق للصحافيين التونسيين والعضو الحالي للهيئة المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال، التي تشكلت عقب ثورة 14 يناير، التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، أكد أنه من الضروري سنّ قوانين للصحافة تمنع إرسال الصحافيين إلى السجن لمجرد التعبير عن رأي مخالف للنظام.
وقد اجرت ايلاف مع البغوري حوارًا تحدث فيه عن الوضع الحالي للإعلام بعد الثورة، وعن مشروع قانون الصحافة الذي لم يسلم من النقد والانتقاد، وعن خطورة الإشهار السياسي في المؤسسات الإعلامية على المسار الديمقراطي، وعن مستقبل تونس في ظل quot;الثورة المضادةquot;.
يشار الى ان ناجي البغوري هو من المناضلين من أجل حرية الصحافة والرأي، ومن المدافعين عن استقلالية الصحافيين وكرامتهم. وكانت قد تعرّض قبل 14 يناير إلى العديد من المضايقات، وصلت الى حدّ منع الشرطة السياسية له من الوصول الى مكتبه في الجريدة.
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً:
الصحافة التونسية عاشت وضعًا تعيسًا قبل ثورة الحرية والكرامة في 14 يناير، فكيف ترى وضع الصحافة بعد ثمانية أشهر من الثورة؟
الإعلام التونسي تغيّر بشكل نوعي بعد الثورة، واليوم هناك إمكانية للوصول إلى المعلومة، وليست هناك رقابة مباشرة، ونلاحظ وجود تعدد في العناوين، وكذلك في الخطاب الإعلامي، ونقاشًا حرًا لم يكن مسموحًا به قبل 14 يناير، لكننا لا نريد أن تكون هذه الفترة مجرد صفحة، كالتي سبقت 7 نوفمبر/تشرين الثانيتاريخ وصول زين العابدين إلى الحكم، بل نريدها حرية مؤسسة على قوانين ومؤسسات.
فحرية الصحافة لها مواصفات ومعايير دولية، وهذه الحرية يجب أن تكون مسندة بقوانين لها لا يمكن التراجع عنها، لذلك بالنسبة إلينا كهيئة مستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال، رأينا أنه من الضروري أن يتم الاقتصار على حرية الصحافة والإعلام وحرية الرأي والتعبير في الدستور الجديد، باعتباره أعلى سلطة دستورية، وأن يتم التركيز كذلك على عدم سنّ قوانين، من شأنها أن تحدّ من حرية الإعلام والصحافة والرأي والتعبير.
ثم كان هناك نقاش كبير، هل من الضروري أن نوجد قانون للصحافة أم لا؟
في نهاية الأمر تم الاتفاق، وبما أننا ما زلنا في ديمقراطية حديثة وهشّة، إنه من الضروري أن نسنّ قانونًا تحرريًا للصحافة يمنع إرسال الصحافيين إلى السجن لمجرد التعبير عن رأي مخالف، ويحافظ على استقلالية المؤسسات الصحافية، وينص كذلك على حيادية الفضاءات العامة كدور الثقافة والشباب وأماكن العبادة التي كانت مستعملة للدعاية السياسية.
لو عدنا قليلاً إلى رفض الأئمة والوعاظ لهذا القانون، كيف تنظر إلى ذلك؟
المهم هو أننا نؤكد على حرية الرأي والتعبير وحق التونسيين ومن دون استثناء في التعبير بكل حرية في الفضاءات العامة، ونؤكد أن لا تكونوسائل الإعلام والفضاءات العامة تحت سيطرة السلطة السياسية، فيكفي ما عانينا، حيث كانت وسائل الإعلام والفضاءات العامة تحت سيطرة الحزب الحاكم، والمهم أن لا تكون الفضاءات العامة تحت سيطرة طرف معين، وتكون أماكن العبادة للعبادة من دون توظيف سياسي.
لكن ألا يحق لأئمة المساجد أن يتناولوا موضوعات تخصّ المسلمين وفي علاقة مباشرة بالسياسي والاقتصادي والاجتماعي، أم إنه من الضروري أن تقتصر خطبهم على أمور الصلاة والصوم والحج والزكاة فقط؟
عندما قلنا إن لا توظف سياسيًا، ليس بمعنى أن نحدّ من تناول الشأن العام، ولكن قلنا ومن أجل قداسة الفضاءات الدينية التي لا تقبل الجدل ولا الطعن ولا الأخذ والرد، لأن الشأن الديني هو شأن مقدس، عكس الشأن السياسي الذي هو جدل وفن، وبالتالي لا نريد أن يكون هناك صراع داخل الفضاءات الدينية المقدسة.
نفهم من جوابك عن السؤال الأول أن قطاع الإعلام سيشهد نقلة نوعية وتغيرًا فعليًا بعد هذه المرحلة الانتقالية؟
هذا أكيد، فقد بينت لك الجانب التشريعي الضامن لحرية الصحافة على مستوى الضمانات التشريعية في القانون والدستور، ولكن هناك أيضًا ضمانات مؤسساتية حتى نضمن عدم تدخل السلطة التنفيذية، وهي الحكومة في قطاع الإعلام.
هذا لا يتم إلا بتركيز المؤسسات على غرار ما هو معمول به في العديد من الدول الديمقراطية، أي وجود هيئات مستقلة مهمتها متابعة الشأن الإعلامي، وقد اقترحت الهيئة المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال على الهيئة العليا لحماية الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي مشروعًا لهيئة عليا للإعلام السمعي البصري، لديها صلاحيات تقريرية، وفي منح التراخيص ومتابعة التجاوزات التي قد تحصل، وفي التحكم بين المشاهدين والمستمعين وأصحاب المؤسسات وفي دمقرطة هذه المؤسسات حتى يكون صوت المواطن مسموعًا، لأنه عندما لا يكون صوت المواطن مسموعًا لا بد من ممثل لإيصال صوته، ولأن البثّ الإذاعي والتلفزيوني هو ملك عمومي، فأصحاب المؤسسات يتمتعون بامتياز، وعندما يتم تأجيرها لخواص لا بد أن يقوموا بالخدمة على أحسن وجه.
وهناك إمكانية لبعث مجلس أعلى للصحافة، وهو ينظر في ما يهمّ الصحافة الإلكترونية والورقية، وهناك حديث عن تقنين أو عدم تقنين الصحف الإلكترونية، وهكذا تكون هذه المساعدات داعمة بشكل كبير لصحافة حرة، وهكذا يمكن أن نضمن أن لا يتم الرجوع إلى الوراء، وتكون الفترة الحالية مجرد صفحة مثلما حدث في 7 نوفمبر 1987.
مشروع قانون الصحافة الذي أعدته هيئتكم لم يسلم من النقد والانتقاد، فكيف تنظر إليه باعتبارك نقيبًا سابقًا لنقابة الصحافيين، لا عضوًا في الهيئة المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال؟
لما أعددنا مشروع الهيئة العليا للسمعي البصري تم النظر فيه من قبل خبراء داخل الهيئة العليا لحماية الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي والهيئة المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال، وتم النقاش مع نقابة الصحافيين.
هذا المشروع تعرّض لانتقادات وجيهة، لأن أي عمل إنساني هو بطبيعته قابل للنقاش والإصلاح، والنقد الذي حصل كان مفيدًا جدًا، وقد أخذت الهيئة العديد من الملاحظات من خبراء وصحافيين وحقوقيين بعين الاعتبار، وستناقش قريبًا على مستوى الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة.
والجيد هو أننا اليوم نجد أن القوانين تطرح للنقاش والتعديل،قبل أن تمرر لإقرارها في الرائد الرسمي، وهذا هو المسار الديمقراطي الصحيح الذي نريد أن نرسيه.
في الفترة الأخيرة لاحظنا دخولاً قويًا للإشهار السياسي في المؤسسات الإعلامية، وهو ما يحيل إلى تدخل رؤوس الأموال في توجيه الخط التحريري لهذه المؤسسات، فما رؤيتك لهذا الإشكال؟
هذا موضوع خطر جدًا، ويثير الكثير من الريبة، فإذا كان هناك العديد من الأحزاب السياسية، التي برزت فجأة، والتي لم تكن معروفة، وبأموال وحملات إشهارية كبيرة جدًا، فنحن نرى أن المال السياسي خطر جدًا على الحياة السياسية، لأنه لا يمنح إمكانية تكافؤ الفرص بين كل الأحزاب والتيارات السياسية في أن توجد وتصل إلى المواطنين وهو من مبادئ الديمقراطية.
كما إن هذه الأحزاب عندما تضخّ كثيرًا من الأموال للإشهار في وسائل الإعلام فهي بشكل أو بآخر ستوجّه هذه الوسائل وتؤثر عليها وعلى خطها التحريري، وهذا يمثل ضربًا لحرية الإعلام، لأن حرية الإعلام ليست على السلطة التنفيذية فقط، بل كذلك على كل الأطراف السياسية والقوى المالية، وبالتالي لا بد اليوم من تشريع يمنع المال السياسي على الأقل في الفترة الانتقالية.
العديدمن الحقوقيين والإعلاميين طالبوا بإدراج مبدأ حرية الإعلام ضمن مبادئ الدستور والاستغناء عن قانون الصحافة، والاكتفاء بميثاق شرف يعتمد على أخلاقيات الصحافي وضميره، فما رأيكم؟
الأكيد أن عملية إدماج مبدأ حرية الصحافة ضمن مبادئ الدستور مهمة جدًا لأن دستور البلاد هو أعلى القوانين، وبالتالي لا يمكن الاقتصار مثلما طالب الحقوقيون على الإدراج ضمن الدستور، ولكن من الضروريأن ينص الدستور على عدم سنّ قوانين تحدّ من قوانين الصحافة والتعبير، لأن هناك خوفًا من أنّ النصّعلى حرية الصحافة في الدستور لا يكفي، حيث يمكن أن يأتي نظام معين، فينقلب على ذلك، ويصوغ قانونا جديدًا لحرية الرأي والإعلام.
أما عن إلغاء قانون الصحافة، وكنت من بين الداعين إلى ذلك، لأن التجارب الديمقراطية في العالم لا تتضمن قوانين للصحافة، ولكن بعد نقاش طويل جدًا مع خبراء وحقوقيين وصحافيين، وبعد الإطلاع على تجارب سابقة، تبين لنا أنه في بلد لا يعرف ديمقراطية صلبة، وفي مرحلة انتقالية، والمستمع لا يمكنه الدفاع عن حريته، ومع غياب ثقافة ديمقراطية متأصلة في البلاد، في ظل هذه الأوضاع، من الضروري أن تحمي الصحافي، وتسهل له الوصول إلى المعلومة، ونقلها إلى الرأي العام، وحمايتها يكون بالقانون، والأهم أن لا يكون هذا القانون زجريًا يكبّل الصحافي لأن الحرية هي الأساس.
الصحافية المعروفة نزيهة رجيبة quot;أم زيادquot; طالبت بتكوين لجنة خاصة للنظر في الفساد المالي والإداري في قطاع الإعلام وإلى التصدي للثورة المضادة التي يعرفها الإعلام، هل تؤيد هذا المطلب؟
هذا مهم جدًا، وفي اعتقادي اليوم بأن النظام الإعلامي السابقلا يزال موجودًا على الساحة، صحيح أن هناك حرية للصحافي، ولكن إذا ألقيت نظرة على أوضاع الصحافيين فهي سيئة جدًا، وإذا بحثت عن المستفيدين، تجد أنهم مالكو الصحف والمؤسسات الإعلامية في نظام بن علي، الذين جمعوا أموالاً طائلة.
هؤلاء خدموا بن علي، وقبله خدموا بورقيبة، وهم مستعدون أن يخدموا أيًا كان، وبالتالي تطفو اليوم ضرورة المحاسبة لكشف الفساد المالي في وسائل الإعلام، حتى نمر إلى المرحلة المقبلة، وتكون الصورة أمامنا نقية.
انتخابات المجلس التأسيسي على الأبواب، فهل أنت متفائل بالمستقبل؟
في ظل نظام بن علي عندما كنت محاصرًا من الأمن وممنوعًا من الوصول إلى جريدتي، كنت دائمًا متفائلاً فما بالك الآن، لكن هذا التفاؤل لا يخلو في الواقع من كثير من الحذر، لأن النظام السابق في الإعلام وغيرهلا يزال موجودًا، وبالتالي لا بد من الحذر لأن هؤلاء، وبحكم غريزة الخوف، يمكن أن يتكتلوا من أجل العودة والبحث عن رأس جديد يقود النظام الجديد.
التعليقات