ينقسم محللون وإعلاميون وساسة تجاه ترخيص الجزائر رسميا قبل 48 ساعة، بنشوء قنوات إذاعية وتلفزيونية خاصة، ويبدي هؤلاء في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، تفاؤلا حذرا تجاه هذا quot;القرار التاريخي والهامquot;. ويذهب أربعة متابعين إلى أنّ هذه الفضائيات الجديدة قد تسقط تحت رحمة التضييق والمراوغات السلطوية، مثلما قد تسقط في دائرة أصحاب المال، حتى وإن كان تحرير الإعلام الثقيل من هيمنة حكومية استمرت نصف قرن، تؤذن بافتتاح مرحلة جديدة في الجزائر.


محسن بلعباس
الجزائر: يشكّك quot;محسن بلعباسquot; المتحدث باسم الحزب العلماني المعارض quot;التجمع من أجل الثقافة والديمقراطيةquot;، في quot;جديةquot; الخطوة الحكومية، ويرى أنّ تزكية مجلس الوزراء الجزائري لفتح قنوات خاصة، تعكس لجوء النظام الجزائري مرة أخرى إلى المراوغة و الحيلة لربح الوقت ظنا منه أن رياح التغيير التي تهب على بلدان الجنوب عامة و العالم العربي خاصة ستهدأ و تزول.

وإذ يصف الخطوة بكونها quot;تنازل عن القليل وذلك دائما بعد فوات الأوانquot;، يحذر القيادي في الحزب الذي يتزعمه quot;سعيد سعديquot; من كون الباب العالي سيعمل على استرجاع باليد اليسرى ما تنازل عنه باليد اليمنى.

ويستدل بلعباس بالغلق الحاصل ndash; مثلما قال ndash; للصحافة المكتوبة، حيث لم يتم السماح ndash; بحسبه ndash; بإنشاء صحف غير موالية للنظام منذ أكثر من عشرية، بجانب امتناع السلطات ذاتها عن الترخيص لجمعيات وأحزاب سياسية منذ العام 1999، بالرغم من وجود قوانين تنص على ذلك.

وإذ يتساءل بلعباس عن تعهد سابق للرئيس quot;عبد العزيز بوتفليقةquot; بفتح الاعلام الثقيل أمام أحزاب المعارضة والنقابات المستقلة، فإنّه يلّح على أنّ التغيير الحقيقي لن يأتي من نظام رجاله كـquot;الحرباءquot; على حد وصفه، وينتقد بلعباس هؤلاء بالقول إنّهم quot;يتغيرون حسب الظروف، لا إيديولوجية لهم ولا مبادئquot;، متصورا أنّ التغيير الحقيقي يبدأ بإشراك كل الحساسيات السياسية في النقاش لإعادة البناء، حتى لا يبقى الرأي العام في الجزائر quot;فريسةquot; لتأثيرات القنوات التلفزية الغربية والعربية.

من جهته، يدرج الكاتب والإعلامي quot;كمال قرورquot; تحرير القطاع السمعي البصري من هيمنة الحكومة، ضمن المسلسل الممل للتمويه وربح الوقت، لكنّه يتمنى من أعماقه أن يكون بعض الجد في المبادرة لأنّها مطلب شعبي مُلّح اليوم، وأن تتسم الخطوة بطابع إيجابي، طالما أنّ التدفق الإعلامي يُحرج السلطة وأيضا بعض فئات الشعب التي تضررت بفعل هذا التخلف.

ويشدّد قرور على حتمية أن تكون السلطة جادة في فتح السمعي البصري وبقيود أقل، لا سيما وأنّ التعتيم الاعلامي لم يعد في صالح السلطة اليوم، والفضائيات أصبحت سلاحا فتاكا للتأثير على الرأي العام.

وبجانب تفضيله التريث إلى حين صدور تفاصيل دفتر الشروط الذي ستضعه الحكومة الجزائرية، يوقن رباني أنّ البلاد دخلت مرحلة جديدة مختلفة عما سبق، مسجّلا أنّ الحكومة ستكون مخطئة إن ظنّت أنّ السمعي البصري سيُشبه الصحافة المكتوبة، لأنّ الناس سيتمتعون بهامش أكبر من الحرية في القنوات الخاصة، حيث لن يعني الامتناع عن انتقاد رئيس الجمهورية أو الجيش شيئا، لأن النقد سيكون بطرق أخرى، ولا يمكن بمنظوره إسكات القنوات الخاصة المرتقب إطلاقها في الفترة القادمة.

ويتوقع رباني أن تجنح هذه القنوات الخاصة إلى انتقاد أداء الوزارات علنا، كما يتكهنّ بهروب ولاة و رؤساء دوائر للتخفي وراء القضاء، في حين ستكون الأحزاب السياسية مُجبرة على الحديث مباشرة، بل وحتى الأداء الدبلوماسي سيجري انتقاده علنا، ما يفرض تحلي الجميع بروح الحوار التشاوري الديمقراطي وأن يتقبلوا الانتقادات.

وعلى منوال ما شهدته وتشهده الصحافة المكتوبة، لا يستبعد رباني أن تتعرض القنوات الخاصة إلى محاولات حثيثة لتدجينها بتحويلها إلى وسائط صفراء تبث عبر الساتل، كما هي قناة نسمة التونسية التي فضلت أن تكون على تلك الشاكلة دون أن يجبرها أحد.

وفي مقاربته لأفق القنوات الخاصة في الجزائر، يلفت رباني إلى أنّ أصحاب المال الوفير الذين فازوا بصفقات عمومية أو من لهم السطوة في الجزائر، هم الذين سيفتحون باب القنوات الخاصة، ولا يستبعد إبرامهم صفقات معينة تبقيهم على قيد الحياة، لأنه ومهما قيل فإن أقوى طرف في الوقت الحالي هي الدولة الجزائرية، ماليا وسياسيا وعسكريا.

نسيم لكحل
ويؤيد quot;نسيم لكحلquot; الصحافي المتخصص في الإعلام الالكتروني، نظرة هيثم رباني، ويدفع بكون فتح قطاع السمعي البصري ضرورة حتمية لم يكن للسلطة فيها أي خيار، ولهذا لا مجال لها لأي سلوك تمويهي جديد حتى ولو أرادت ذلك في ظل الحراك الحاصل والذي يسميه البعض بالربيع العربي.

ويبدي لكحل قناعة بأنّ بروز قنوات إذاعية وتلفزية خاصة في الجزائر سينعكس إيجابا على منظومة الحريات، حتى وإن كان ذلك بنسبة قد لا ترتقي إلى مستوى الآمال والطموحات التي يعلقها الإعلاميون حاليا، وقد لا ترتقي أيضا إلى مستوى الجدل الذي أثاره موضوع حساس كهذا ظلّ محلّ مطالبات منذ سنوات طويلة.

ويقدّر محدثنا أنّه من البديهي أن يمر الإعلام السمعي البصري quot;الخاصquot; بمرحلة تأسيس ترافقها الكثير من المشاكل والظواهر لطالما رافقت انفتاح الصحافة المكتوبة الخاصة ولا تزال تعاني منها إلى اليوم رغم انقضاء 21 سنة على كسر الأحادية الإعلامية في هذا المجال، حيث لا تزال الصحافة المستقلة في الجزائر توصف بـquot;الفتيةquot; عندما يتعلق الأمر تبرير حالة الوهن التي تعيشها.
ويعتقد لكحل أنّ هذه المرحلة المهمة والتاريخية يجب أن يمر عليها الإعلام الثقيل، حتى لا يتحول الأمر إلى فوضى إعلامية قد تستغلها السلطة كثيرا لتبرير سبب رفضها لعقود خصخصة هذا القطاع.

ومثل رباني، يجزم لكحل بأنّ المستفيد سيكون رجال الأعمال والتجار الكبار ممن يملكون وحدهم الإمكانيات المادية لفتح قنوات إذاعية أو تلفزيونية خاصة، في حين أن رجال المهنة الذين لا يملكون قوت يومهم، فلا يمكنهم الطموح إلى فتح قنوات تلفزيونية والأمر شبه مستحيل، ما قد يدفع رجال الإعلام للاستنجاد برجال الأعمال، ووقتها الجميع يعرف ماذا سينتج عن تحالف الإعلام مع الأعمال ؟؟؟.. الأمر متروك للتجربة.

هيثم رباني

بدوره، يعزو الإعلامي quot;هيثم ربانيquot; قرار الدولة الجزائرية بفتح قطاعي الإذاعة والتلفزيون للقطاع الخاص، إلى ضغط الأحداث في العالم العربي وهو قرار استباقي أتى كحتمية لامتصاص الضغط، لأنه لا يُعقل أن تشكّل الجزائر حالة شاذة وسط الانفتاح الإعلامي الحاصل في كامل المنطقة العربية.