إقتربت الثورة السورية أكثر من اي وقت مضى الى دمشق، عاصمة حكم الأسد الذي إعتمد حتى اللحظة على هدوءها وموالاة طبقتها المالية والتجارية.


الاحتجاجات المعارضة في دوما من ضواحي دمشق

لميس فرحات من بيروت، وكالات: تصاعدت وتيرة العنف في سوريا quot;بشكل كبيرquot; بحسب بعثة المراقبين العرب وبلغت حصيلة الضحايا في quot;جمعة الدفاع عن النفسquot; 46 قتيلا، بينهم 34 مدنيا برصاص قوات الامن، في حين اكدت روسيا انها ستحبط اي محاولة في مجلس الامن، الذي سيبحث اليوم الوضع السوري، لدعوة الرئيس السوري الى التنحي.

وقبيل ساعات من انعقاد جلسة مجلس الامن التشاورية حول سوريا كثفت قوات الامن السورية هجماتها على العديد من مدن البلاد للقضاء على الحركة الاحتجاجية المستمرة ضد نظام الرئيس بشار الاسد منذ منتصف آذار/مارس، فيما طالبت المعارضة بصدور قرار دولي يدين quot;جرائم النظامquot;.

وقتل 27 مدنيًا الجمعة، بينهم 24 متظاهرًا، برصاص قوات الامن السورية خلال تفريقها بالرصاص الحي تظاهرات احتجاجية، كما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان. وقال المرصد ان 19 من القتلى سقطوا في بلدة نوى في محافظة درعا (جنوب) quot;لدى اطلاق قوات الامن النار على مشيعي طفل قتل الخميس باطلاق رصاص من قبل قوات الامنquot;، مشيرا الى ان بين القتلى quot;اربعة نساء وطفلين (11 و14 سنة)quot;.

واضاف المرصد ان قوات الامن عمدت على الاثر الى quot;اجبار اهالي الشهداء على دفنهم من دون مراسم تشييعquot;. وفي تطور لافت سقط خمسة قتلى خلال تفريق قوات الأمن تظاهرة احتجاجية في حلب، المدينة الشمالية التي لم تشهد قبلاً تحركات احتجاجية.

وفي حمص (وسط) quot;استشهد بعد منتصف ليل الخميس الجمعة اربعة مواطنين بإطلاق رصاص عشوائي من قبل قوات الأمن السورية منهم ثلاثة في حمص واخر في قرية الغنطوquot; في ريف حمص، بحسب المرصد. وعصرا quot;استشهدت سيدة اثر اطلاق رصاص اصاب السيارة التي كانت تقلها في حي الغوطةquot; في حمص، بحسب المرصد.

وفي مدينة دوما في ريف دمشق quot;قتل ثلاثة اشخاص، بينهم سيدة وطفل برصاص قناصةquot;، بحسب المصدر نفسه. يضاف الى هذه الحصيلة قتيلان احدهما طفل سقط في حمورية في ريف دمشق اثر اطلاق رصاص عشوائي من حاجز امني، والآخر رجل قتل في حي quot;طريق حلبquot; في حماه (وسط)، بحسب المرصد.

كما عمدت قوات الامن الى استخدام الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين الذين خرجوا في مدن سورية عدة تلبية لدعوة أطلقها ناشطون إلى التظاهر فيما اسموه quot;جمعة الدفاع عن النفسquot; ردا على العنف الذي تستخدمه السلطات في قمع الاحتجاجات.

وافاد المرصد ان قوات الامن اطلقت النار على متظاهرين في كل من انخل وجاسم (ريف درعا) وفي احياء الميدان وبرزة والقابون في دمشق وفي مدن عدة في ريف ادلب (شمال غرب).

وفي ريف دمشق، ذكر المرصد ان quot;عشرات الاليات العسكرية تضم دبابات وناقلات جند مدرعة حاصرت صباحًا بلدة رنكوس وقصفت بشكل مكثف البساتين المحيطة بالبلدة، وطالت القذائف بعض منازل البلدةquot;.

يأتي هذا التصعيد بعدما اكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم الثلاثاء ان الحل الامني للوضع الذي تشهده سوريا منذ اكثر من عشرة اشهر quot;مطلب جماهيريquot;، معتبرًا ان على الحكومة اتخاذ quot;ما تراه مناسبًاquot; لمعالجة quot;العصابات المسلحةquot; في بعض المحافظات. ولا يعترف النظام السوري بحجم حركة الاحتجاج، ويؤكد انه يقاتل quot;مجموعات ارهابيةquot; يتهمها بالسعي إلى زرع الفوضى في البلاد في اطار quot;مؤامرةquot; يدعمها الخارج.

وبحسب صحيفة الوطن السورية المقربة من السلطات فإن quot;الجهات المختصة قررت حسم الموقف كليًا ونهائيًا لتريح المدينة من المسلحين وشرورهم، وتعيدها إلى الحياة الطبيعيةquot;.

كذلك تصاعدت وتيرة الهجمات، التي تستهدف قوات الامن السورية، حيث قتل 12 عنصر امن في هجومين منفصلين استهدف، اولهما بسيارة مفخخة حاجزًا امنيًا في شمال البلاد، ما اسفر عن مقتل ستة عناصر، في حين استهدف الاخر بقذاف صاروخية حافلتين لقوات الامن مسفرًا عن مقتل ستة عناصر ايضًا، كما افاد مصدر حقوقي.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن لفرانس برس quot;انفجرت سيارة مفخخة بحاجز امني على مدخل مدينة ادلب (شمال) مما ادى الى مقتل عناصر الحاجز اجمعين وعددهم ستةquot;.

وفي جنوب البلاد في بلدة المزيريب quot;قتل ستة عناصر امن واصيب خمسة آخرين بجروح عندما استهدف منشقون عن الجيش السوري بوساطة قذائف ار بي جي حافلتين، كانتا تقلهما امام قسم شرطة البلدةquot; الواقعة في محافظة درعا، مهد الحركة الاحتجاجية.

من جهتها اعلنت وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) عن مقتل طفل واصابة 11 شخص آخر بين مدني وعنصر امن في انفجار عبوة ناسفة في حي الميدان في دمشق، تلاه quot;اطلاق نار من قبل مجموعة ارهابيةquot;.

كما اعلنت سانا عن اصابة quot;عدد من المدنيين وقوات حفظ النظام في منطقة قطنا في ريف دمشق اثر انفجار عبوتين ناسفتين زرعتهما مجموعة ارهابية مسلحة في احد شوارع المدينةquot;.

تأكيدًا على تزايد وتيرة العنف، اعلن رئيس بعثة المراقبين العرب في سوريا محمد الدابي الجمعة أن معدلات العنف في سوريا quot;تصاعدت بشكل كبيرquot; خلال الايام الثلاثة الاخيرة.

وقال الدابي في بيان صدر في مقر الجامعة في القاهرة ان quot;معدلات العنف في سوريا تصاعدت بشكل كبير في الفترة من 24 إلى 27 كانون الثاني/يناير الجاري، وخاصة في مناطق حمص وحماه وإدلبquot;.

وطالب الدابي quot;بوقف العنف فورًا حفاظًا على ارواح ابناء الشعب السوري، وإفساح المجال أمام الحلول السلميةquot;، مشيرًا الى ان بعثة المراقبين quot;ستواصل مهامها حتى الآن رغم هذه الظروفquot; قبيل ساعات من اجتماع لمجلس الأمن مرتقب بعد الظهر (20:00 تغ) لإجراء مشاورات تتناول الوضع في سوريا ومشروع القرار الجديد الذي اعدته دول اوروبية وعربية، ويتضمن الخطوط العريضة للخطة التي اعلنتها الجامعة العربية في الاسبوع الماضي، وتنص خصوصا على نقل صلاحيات الاسد الى نائبه تمهيدًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم اجراء انتخابات.

ومن المتوقع ان يتوجه الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي ورئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر ال ثاني السبت الى الامم المتحدة لعرض الخطة العربية على مجلس الامن.

وحث الامين العام للامم المتحدة بان كي مون مجلس الامن الجمعة على الحديث بصوت موحد بشأن سوريا، داعيًا دمشق إلى الاصغاء الى تطلعات شعبها. وقال بان quot;آمل ان يتمكن مجلس الامن من التحركquot;، مشيرا الى اجتماع ينعقد في وقت لاحق الجمعة في الامم المتحدة ليتناول الازمة السورية، حيث ينفذ نظام بشار الاسد حملة على انتفاضة شعبية. ولكن روسيا توعدت باحباط المسعى العربي-الاوروبي.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف الجمعة ان موسكو لن تدعم اي مشروع قرار في مجلس الامن الدولي يدعو الاسد الى التنحي، بحسب ما نقلت عنه وكالة انباء انترفاكس.

ولم يتمكن مجلس الامن الذي يضم 15 بلدا من الاتفاق على قرار بشأن القمع في سوريا للاحتجاجات المعادية للحكومة، ذلك ان روسيا والصين صاحبتا حق الفيتو عرقلتا مشروع قرار اوروبي في تشرين الاول/اكتوبر. واقترحت روسيا منذ ذلك الحين مسودة قرار خاص بها، غير ان البلدان الغربية وصفت المسودة بغير المتوازنة. وينتظر ان يبحث اجتماع الجمعة مسودة جديدة تدين القمع.

في هذا السياق دعا المجلس الوطني السوري، الذي يجمع غالبية اطياف المعارضة السورية، في بيان الجمعة الى quot;التحرك الفوري والجاد على مستوى مجلس الأمن لاصدار قرار دولي يدين جرائم النظام ويتعهد بمعاقبة القتلة والمجرمين من أركانهquot;.

واوضح المجلس انه اجرى في هذا الصدد quot;سلسلة واسعة من الاتصالات خلال الساعات الاربع والعشرين الماضية مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وتركيا والسعودية وقطر ودول عربية أخرى لحثهاquot; على التوجه الى مجلس الامن.

وفي خطوة ستحمل دلالات كبيرة اذا ما تحققت، نقلت صحيفة الراي الكويتية الجمعة عن احمد رمضان العضو في المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري ان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل ابلغ وفد المجلس الذي التقاه في القاهرة في الاسبوع الماضي وكان هو في عداده quot;ان المملكة ستعترف بالمجلس الوطني السوري كممثل رسمي للشعب السوريquot;.

ولم يوضح رمضان متى ستقوم السعودية بهذه الخطوة، ولا اذا كان الاعضاء الخمسة الاخرون في مجلس التعاون الخليجي سيحذون حذوها في الاعتراف بهذا المجلس الذي بدأت في العاصمة الفرنسية الاستعدادات لانتخاب قيادة جديدة له.

الثورة على مشارف العاصمة دمشق

في بلد تعصف به الاحتجاجات المعارضة للنظام وأعمال العنف، لا تزال العاصمة السورية دمشق جزيرة معزولة، تصر على سير الحياة كالمعتاد، لكن بعد 11 شهراً بدأت الثورة تقترب حالياً من أكبر وأهم المدن السورية.

الاشتباكات المسلحة في الضواحي الشرقية للعاصمة السورية دمشق دفعت الكثيرين في العاصمة للاعتراف بالأزمة التي اجتاحت الضواحي - حتى الأسبوع الماضي ndash; انما بقيت مجرد ظاهرة quot;يوتيوبquot; لهم مثلما هو الأمر بالنسبة للمراقبين من الخارج.

بالأمس، بسطت القوات المنشقة عن الجيش السوري في اثنتين من الضواحي بشرق دمشق، سيطرتها على الأرض لساعات بعد قتال مع القوات الحكومية، وقال نشطاء إن الجيش اجتاح quot;دوماquot; بعد أن سيطرت المعارضة المسلحة مؤقتاً على البلدة الأسبوع الماضي.

وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;وول ستريت جورنالquot; أنه في الوقت الذي تقترب فيه الحركة الاحتجاجية من العاصمة مع مرور كل أسبوع، يصبح تجاهل العنف أمراً أكثر صعوبة.

ونقلت عن نشطاء قولهم إن القوات الحكومية قتلت أكثر من 120 شخصا في احتجاجات في جميع أنحاء البلاد هذا الأسبوع، الأمر الذي يزيد الخلاف في الوقت الذي يسقط فيه حاجز الخوف ذو الأمد الطويل ويواصل فيه النظام تعامله غير المتقن مع حالة الاستياء.

واخترقت الاضطرابات المنازل البعيدة عن مراكز الاحتجاج، فالعديد من الأحياء الآن تعيش تجربة انقطاع التيار الكهربائي، فيما تقول الحكومة انها غير قادرة على نقل الوقود لمحطات توليد الكهرباء وسط الاشتباكات والتخريب على بعض الطرقات.

كما أغلقت الكثير من الفنادق أبوابها، وتلك التي لا تزال مفتوحة تكاد لا تستقبل الزبائن، الذين في حال وجدوا، يضطرون للدفع نقداً، بسبب العقوبات التي فرضها مزودو بطاقات الائتمان.

أما المطاعم الصاخبة التي كان الدخول اليها يتطلب حجوزات مسبقة، باتت تستقبل الزوار العابرين، بعد أن فقدت زبائنها، وأيضا المدارس الدولية، الخيار الأول لكثير من عائلات النخبة في سوريا، أغلقت أبوابها بعد أن غادر طلابها.

ولأن الاقتصاد، مرتبط بثقة المستثمر، ذاهب إلى سقوط منحدر، على الرغم من سلسلة متواصلة تقريباً من الاجتماعات الطارئة بين قادة الحكومة والأعمال التجارية بهدف حمايته من الانهيار.

ويتسائل نبيل سكر، تاجر محلي انتقل مؤخراً من شركته الاستشارية إلى قبو منزله للحد من التكاليف: quot;كم من الوقت يمكننا تحمل هذه الأوضاع، من الصعب ان نعرفquot;.

واعتبرت الـ quot;وول ستريت جورنالquot; ان مصير دمشق إلى جانب حلب، ثاني أكبر المدن السورية، يكتسب نوعاً من الحساسية بسبب ثروات العائلة الحاكمة السورية المحاصرة.

واشارت إلى أن مدينتي حلب في الشمال ودمشق في جنوب الوسط تتمتعان بمصالح تجارية عززت حكم عائلة الأسد المستمر منذ أربعة عقود من خلال الرئيس السوري بشار الأسد ووالده من قبله.

وتضم حلب ودمشق أهم فئة أو مجموعة تمثيل في سوريا، يصفها مؤيدو النظام بـ quot;الأغلبية الصامتةquot; التي لا تزال تساند الرئيس. وهذه الفئة من المؤيدين موجودة بوضوح.

وفي هذا الإطار، تشير الصحيفة إلى واحدة من النساء في مدينة دمشق، التي تعتبر أن الرئيس السوري بشار الأسد يتعامل بهدوء وروية حتى الآن، مع المخربين، معتقدة أن الأسد quot;باستطاعته وضعهم في أكفان خلال أسبوع إذا أرادquot;.

أما أكثر المشاكل التي تؤجج المعركة في دمشق، فهي، وفقاً للصحيفة quot;ليست بين الأغلبية السنية والأقليات التي تخشى من التغيير مثل السكان المسيحيينquot;، فبالنسبة للكثيرين، يعد الوضع السياسي الحرج هو الولاء للرئيس الأسد.

ومن جهة أخرى تتزايد شائعات الانشقاقات السرية، التي يتم التخطيط لها بين رجال التجارة البارزين، لكن الكثيرين في المحادثات الخاصة وبعض المحادثات الأكثر علنية لا يزالون مذعنين لدعم النظام كالطريقة المثلى لتجنب الفوضى.

وأوضحت الصحيفة أن الكثيرين من الناس يؤيدون الرئيس الأسد بقوة، حتى أولئك الذين يشعرون بخيبة الأمل بسبب انعدام التغيير على مدار العقد الذي خلف فيه والده.

ويبقى التجار أكثر المتضررين، إذ يقعون بين سندان الفئة المعارضة ومطرقة الفئة المؤيدة للرئيس الأسد، فمعارضي النظام يضغطون عليهم لإغلاق متاجرهم تضامناً مع الاحتجاجات، وإذا فعلوا، تعمل القوات الأمنية على كسر الأبواب وإجبارهم على فتح محالهم.

وقال عمر، وهو صاحب متجر نحاس، أغلق محله في احدى الضواحي التي تشهد اضرابات عامة quot;في كلا الأحوال نحن الذين نتضررquot;، مشيراً إلى أنه من باب الاستباق، قام ببناء بوابة حديدية حول منزله quot;لأن الحال فوضى، والجميع يخاف من الأيام المقبلةquot;.

أما نخبة رجال الأعمال، بما في ذلك جيل الشباب الذي نظر إلى الرئيس الأسد على أنه صورة الرئيس الشاب الذي يهدف إلى الإصلاح، فقد بدأ بالانتقال إلى خارج البلاد بهدوء، وعبَّر أحدهم: quot;هناك فوضى في عملية صنع القرار، لا يمكنك ان تمحو الدم بالاصلاحاتquot;.