استبشر المصريون خيرًا بثورة انتظروها طويلًا لتخلصهم من قسوة الجلاد، لكن تجربة أول مئة يوم من حكم الإخوان أثبتت أن التعذيب والاعتقال متجذران في أقسام الشرطة، وأن هتك الأعراض يمر اليوم، كما مرّ في الأمس، من دون محاسبة. هذه خلاصة تقرير حقوقي يروي تفاصيل 247 واقعة تعذيب وقتل واعتقال تعسفي حصلت في هذه المئة يوم.

القاهرة: كشف مركز حقوقي عن استمرار إنتهاكات الشرطة ضد المصريين بعد الثورة، وتحديدًا خلال المئة يوم الأولى من ولاية الرئيس محمد مرسي، ورصد مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب وقوع حالات تعذيب وقتل بحق مصريين على أيدي الشرطة. في إفادتها لـquot;إيلافquot;، أرجعت الدكتور ماجدة عدلي، مديرة مركز النديم، استمرار التعذيب في مصر إلى غياب الإرادة السياسية لإيقاف تلك الظاهرة، وإلى عدم تطهير الشرطة، واستمرار إنتهاج حزب الحرية والعدالة سياسة النظام البائد سياسيًا وإقتصاديًا، بسلبياته التي ثار بسببها المصريون.

تغييرات شكلية
وقالت عدلي لـquot;إيلافquot; إن إنتهاكات الشرطة بحق المصريين ما زالت مستمرة إلى اليوم، وحصلت خلال المئة يوم الأولى من عهد مرسي كما كانت في عهد نظام مبارك. وأضافت أن المركز أعد تقريرًا حمل عنوان: quot;مئة يوم من حكم محمد مرسي.. مئة يوم من الاعتقال والتعذيب وفض الاعتصامات بالقوة والقتل خارج القانونquot;، رصد العشرات من جرائم وإنتهاكات الشرطة، مشيرة إلى أن إنتهاكات الشرطة المصرية لم تختلف أو بمعنى أدق لم تنخفض بعد الثورة.
وأضافت عدلي أن شيئًا لم يتغيّر في استراتيجية تعامل الشرطة مع الشعب المصري، quot;فما حدث لم يتجاوز التغييرات الشكلية ليس أكثر، من قبيل تغيير شعار وزارة الداخلية من (الشعب والشرطة في خدمة الوطن)، إلى (الشرطة في خدمة الشعب)، كما تم تغيير اسم جهاز مباحث أمن الدولة إلى جهاز الأمن الوطني، فيما يستمر العمل بنفس السياسات القديمة، بما فيها من تعذيب وإنتهاكات لحقوق المصريين بكافة أشكالها.

على خطى مبارك
وانتقدت عدلي سياسات حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، وقالت لـquot;إيلافquot; إن الحزب يسير على نهج الحزب الوطني إقتصاديًا وسياسيًا مع استمرار إطلاق يد الشرطة.
وأوضحت أن وزير الداخلية منح الشرطة الحق في إطلاق النار على أي شخص، ليقال بعدها إن الشخص القتيل كان بلطجيًا أو مسجلاً خطراً، أو من معتادي الإجرام، ما أدى إلى وقوع عشرات حالات القتل على أيدي الشرطة، على الرغم من وجود ضوابط لإطلاق النار أهمها الإطلاق على الأقدام، وليس في النصف الأعلى من الجسد.
ولفتت عدلي إلى أن حكومة حزب الحرية والعدالة ما زالت تعتمد سياسات مبارك الإقتصادية، مثل الإعتماد على الإقتراض من الخارج، والعمل على جذب الإستثمارات الأجنبية، وإطلاق يد رجال الأعمال ومحاباتهم.

إنتهاكات موثقة
وفقًا للتقرير الذي حمل عنوان quot;مئة يوم من حكم محمد مرسي.. مئة يوم من الاعتقال والتعذيب وفض الاعتصامات بالقوة والقتل خارج القانونquot;، شهدت المئة يوم الأولى من ولاية مرسي العديد من الانتهاكات كالقتل والتعذيب وهتك العرض والخطف والاعتقال العشوائي وفض الاعتصامات بالقوة ومداهمة المساكن والممتلكات الخاصة، بلغت 247 واقعة.
وأضاف التقرير أن quot;34 مصريًا فقدوا حياتهم على أيدي رجال شرطة، وتعددت ساحات القتل بين أقسام الشرطة والسجون أو في الشوارع، كما تعددت سبل القتل ما بين استخدام السلاح الناري الشرطي أو الوفاة نتيجة التعذيبquot;.
ووثق مركز النديم نماذج لمصريين تعرضوا للقتل أو التعذيب، ومنها وفاة السيدة رزة شعث دهسًا تحت عجلات سيارة الشرطة أثناء القبض على نجلها الصادر ضده حكم غيابي بالسجن، وتعذيب نجل ونجلة السيدة شعث المتوفاة، وقتل مواطن أطلق عليه أمين شرطة النار في رأسه، وهي الواقعة التي وثقت في اليوم الخامس من حكم مرسي.
ورصد مركز النديم تعرض 88 مصريًا للتعذيب، مشيرًا إلى أن quot;الأعداد الفعلية لمن تعرضوا للتعذيب هي أكثر من ذلك بكثير، وتراوحت أماكن التعذيب كذلك بين أماكن الاحتجاز والشوارع ومساكن المواطنينquot;.
وقال المركز إنه إستطاع رصد 12 حالة إطلاق رصاص من قبل رجال شرطة على مصريين، أسفرت في عدد منها عن وقوع وفيات، مشيرًا إلى أن السلاح الميري لم يكن أداةً لفرض القانون في معظم تلك الحالات، بل أداة لحل نزاع شخصي.
هتك عرضه أمام زوجته
ورصد المركز أيضًا تعرض سبع حالات لإنتهاكات تتعلق بهتك العرض، quot;معظمها بحق رجال وقصّر، وحالة واحدة بحق سيدة هتك عرضها داخل الحجز في أحد أقسام الشرطةquot;.
من بين من تعرضوا لهتك العرض شاب في سنالتاسعة عشرة ، قام عدد من الذكور في زي مدني بهتك عرضه وتصويره بالفيديو أثناء هتك عرضه وتهديده بفضحه ونشر الفيديو إذا تحدث عن الأمر.
حدث ذلك بعد تراشق لفظي بينه وبين أحد رجال الشرطة في محيط السفارة السورية، واصطحابه لقسم الشرطة من دون إثبات اعتقاله، ووقعت بعدها حادثة هتك العرض بحسب شهادة الشاب.
إلى ذلك الشاب، تقدم مواطن يدعى م. القاضي بشكوى للمركز، يتهم فيها ضابطًا بتعذيبه. فما كان من ذلك الضابط إلا أن ذهب إلى منزل المواطن، حيث ضربه ومزق ملابسه وملابس زوجته، وهتك عرضه أمامها، كما اعتدى على الجيران ممن حاولوا التدخل لإنقاذه، ثم اتهمه لاحقًا بتلفيق قضية له.

ماذا قدم الرئيس؟
ورصد مركز النديم جرائم خطف عدة بحق النشطاء، بينها ثمانية جرائم خطف على الأقل لنشطاء تم احتجاز معظمهم في أماكن مجهولة، والتحقيق معهم من قبل مجهولين، وتعرض معظمهم للضرب والتعذيب والتهديد.
ومن الأمثلة التي ساقها تقرير المركز قصة الشاب أنس العسال، الذي تعرض للخطف ثلاثة أيام ليحتجز في مكان وصفه بالسجن، حيث تم حقنه بكميات كبيرة من الترامادول أدت لإصابته بالتسمم. واللافت في هذه القضية كان رفض قسم شرطة الأزبكية تحرير محضر بالواقعة.
وتمكن مركز النديم من توثيق 65 حالة إعتقال عشوائي. وقال في تقريره إن تلك الحالات quot;لا تعبر عن 65 حالة فقط، لأن بعضها كان إعتقالًا جماعيًا وبعضها غير معلن، وكان من بين الحالات التي تعرضت للقبض العشوائي عمال وطلاب ومدرسون من المعتصمين للمطالبة بحقوقهمquot;.
إلى ذلك، قال المركز إنه رصد فض 10 اعتصامات على الأقل بالقوة، quot;وما تبع ذلك من وقوع بعض حالات التعذيب والقبض العشوائي، كما حدث أثناء فض اعتصام طلاب جامعة النيل واعتصام المدرسين الموقتين وبعض اعتصامات العمالquot;.
وشهدت المئة يوم الأولى من ولاية مرسي الرئاسية عشر مداهمات أمنية لمنازل وممتلكات خاصة، خصوصًا في رملة بولاق التي داهمتها الشرطة أكثر من مرة، وقال الأهالي هناك إن الشرطة أتلفت ممتلكاتهم،وضربت عددًا منهم، واعتقلت عددًا آخر.
وطرح تقرير مركز النديم تساؤلًا هو من حق كل مواطن مصري: quot;ماذا قدم الرئيس خلال المئة يوم الأولى لوقف التعذيب والاستخدام المفرط للقوة في فض الاعتصامات والاحتجاجات، ولوضع حد للاعتقالات العشوائية؟ وهل أصبحت الشرطة أكثر احترامًا لحقوق الإنسان، كما يدعي وزير الداخلية؟quot;.