كيف يمكن اغتيال وسام الحسن، وهو الذي نبّه المسؤولين اللبنانيين عن مؤامرات تحاك لإغتيالهم؟ لا بدّ أن هذا السؤال يقض مضاجع اللبنانيين جميعًا، وفي مقدمتهم قيادات كانت ترى في وجود الحسن ضمانًا لأمنها الشخصي.


بيروت: لا تزال تفاصيل عملية اغتيال اللواء وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، تتكشف شيئًا فشيئًا. ويؤكد مصدر أمني رفيع أن الاغتيال حصل وفق عملية منظمة ومعقدة، وأن ما توافر من معطيات يشير إلى قيام مجموعة منظمة ومحترفة في هذا المضمار بتنفيذها، ولم يكونوا أفرادًا مدسوسين.

يقدّر هذا المصدر الأمني عدد أفراد المجموعة القاتلة بما يفوق العشرين، نظرًا لقدرتها على اختراق الإجراءات الأمنية السرية التي كانت تحيط بتنقلات الحسن، التي لم يكن يعرف تفاصيلها إلا قلة قليلة جدًا، فحتى كبار ضباط فرع المعلومات يجهلون خطة تحركه.

وكان الحسن قد عاد من باريس في الليلة التي سبقت اغتياله، ولم يعرف بعودته الا قلة من المقربين إليه، بحسب مسؤولين في قوى الامن الداخلي، اذ كان الحسن يلتزم الحذر الشديد في تنقلاته، لأنه كان يعرف أنه مستهدفٌ، خصوصًا بعد كشفه بما سمي خطة سماحة ndash; مملوك، للدلالة على المتفجرات التي نقلها الوزير السابق ميشال سماحة من دمشق إلى بيروت بإيعاز من مدير أمن الدولة السوري علي مملوك.

أكثر من سيارة
وبحسب المصدر الأمني نفسه، تفيد معلومات التحقيق الأولية أن الحسن خضع لمراقبة لصيقة جدًا منذ وقت طويل، كما راقبته المجموعة التي نفذت عملية الاغتيال منذ نزوله من الطائرة التي اقلته من باريس مساء الخميس، عائدًا من مهمة في ألمانيا. وهذا ما استدعى تجهيز أكثر من سيارة مفخخة لتنفيذ الاغتيال، وضعت في أماكن أخرى كان الجناة يفترضون أن الحسن سيسلكها، وأن العمل كان يستوجب تفجير أي منها في أي من الأماكن التي يقع فيها رئيس فرع المعلومات تحت مرماهم.

ويذكر اغتيال الحسن بهذا الأسلوب باغتيال النائب جبران التويني، الذي قتل في اليوم التالي لعودته إلى لبنان. ويفيد المصدر الامني أنه كان من الصعب أن ينجح القتلة في استهداف الحسن لولا quot;مساعدة قيمةquot; تلقوها من داخل مطار بيروت. ومعلوم أن الخرق الأمني في مطار بيروت الدولي، الذي يقوم على تخوم الضاحية الجنوبية، فجر أكثر من نقاش داخل لبنان في السنوات الأخيرة، وكان السبب الرئيسي الذي أشعل فتيل أحداث السابع من أيار 2008.

في هذا السياق، فككت قوى الامن وفرع المعلومات سيارة مفخخة ثانية، كانت تستهدف موكب الحسن قرب أوتيل الكسندر في الاشرفية، وذلك خلال فترة الطوق الامني المحكم الذي نفذته القوى الامنية في المنطقة. ويعتبر مكان وجود السيارة الأخرى في طريق لا مفر من المرور به، إذ هو من المخارج القليلة المحتملة التي كان على الحسن سلوكها من مركز عمله في مديرية قوى الامن الداخلي وإليه.

وعلق المصدر الأمني مؤكدًا الامكانات اللوجستية الكبيرة التي توافرت للجناة ليتمكنوا من تنفيذ عملية الاغتيال، لافتًا إلى أن التفجير حصل بواسطة جهاز تحكم عن بعد، ومرجحًا أن تزن العبوة الناسفة ما بين 50 و60 كيلوغرامًا من مادة تي إن تي شديدة الانفجار.

من خانه؟
وفي معلومات أمنية تناقلتها بعض المصادر الإعلامية بحذر، يقال إن الحسن حضر اجتماعًا في أحد منازل الأشرفية مع قادة أمنيين وحزبيين قبل اغتياله، ما يفتح الباب أمام تكهنات بإمكانية خرقه أو خيانته.

ويتولى مفوض الحكومة القاضي صقر صقر التحقيق مع الذين حضروا ذلك الاجتماع الأخير، على اساس أن الحسن غير مخترق، بسبب حسه الأمني وحيطته الشديدة. وذكر أن الحسن لا يسلك هذه الطريق عادة، وترجح مصادر أمنية مواكبة للتحقيق أن يكون احد مرافقي الشخصيات التي حضرت الاجتماع هو من سرّب خبر انطلاق الحسن وتغييره سيارته للتمويه، مبلغًا التفاصيل لمن كان يتولى المراقبة لتنفيذ العملية.

رسائل تحذير
وتقاطعت المعلومات الامنية حول تلقي الحسن في الايام الاخيرة سلسلة من التحذيرات من أنه في رأس أولوية المستهدفين بعمليات الاغتيال، لا سيما بعد كشف مخطط سماحة للتفجير. وبحسب ما افادت مصادر التحقيق، هناك خيوط ومعطيات بدأت تتوافر في هذا الملف، كما أنه سيتم تسليم داتا الاتصالات كاملة الى فرع المعلومات لتسهيل التحقيق بهذه الجريمة. فقد أكد النائب العام التمييزي في لبنان القاضي حاتم ماضي، أن التحقيقات في اغتيال الحسن مستمرة، quot;والأجهزة تعمل على جمع المعلومات على الأرض، من أدلة جنائية ومباحث وعناصر مخابرات، كل حسب اختصاصهquot;.

وأشار ماضي إلى تحقيق quot;بدأته شعبة المعلومات يجري بإشرافي شخصيًا، وهو يتركز على فرضيات واحتمالات معينة، والأجهزة الأمنية الأخرى تتولى متابعة جوانب أخرى من التحقيق، وهي مهمة أيضًا، كرفع البصمات والعينات من موقع الحادث، وإجراء التحريات والاستقصاءات اللازمةquot;.

كما أعلن ماضي أن الأجهزة الأمنية بدأت جمع كاميرات المراقبة المثبتة على المباني والشركات المحيطة بموقع الانفجار، كما بدأت العمل على موضوع الاتصالات، وكل هذه الأمور وضعت قيد التحليل. وشدد على عدم حصول أي عمليات توقيف حتى الآن في هذه القضية، وعلى أن العمل في هذه المرحلة منصب على تجميع المعلومات التي ستخضع في الساعات المقبلة للتدقيق والغربلة لانتقاء المفيد منها والبناء عليه.