فتح مقتل اللواء وسام الحسن باب أزمة جديدة في لبنان تبدو أكثر حدة من سابقاتها، في ظل تعليق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أعماله وعدم توجهه إلى السراي الحكومي، وإطلاق بعض المعارضة شعار الطلاق مع الطرف الآخر.

بيروت: لقد كان مخططًا الاغتيال في هذا اليوم للواء وسام الحسن، أيًا كانت الطريق التي سيسلكها من منزل سري مكشوف في منطقة ساسين بالأشرفية إلى مكتبه في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. فالأجهزة الأمنية كشفت عبوة ناسفة ثانية، في الأشرفية نفسها، مرصودة للحسن نفسه في طريق أخرى.
من أراد معاقبة فرع المعلومات، ومن خلفه قوى الأمن الداخلي، حرص على إنزال هذا العقاب مهما كلف الثمن... حتى لو ذهب ضحية ذلك عشرات القتلى ومئات الجرحى. وأراد أن يقول للدولة اللبنانية، ولأكثر من نصف الشعب اللبناني، إن الحصن المنيع الذي تختبئ وراءه وتحتمي به ليس منيعًا على الاطلاق. وهذا ما عبّر عنه رئيس جبهة النضال الديمقراطي النائب وليد جنبلاط عفويًا عندما قال: quot;وسام الحسن كان حاميناquot;. وهذا ما يدفع بالناس اليوم، وخصوصًا ناس المستقبل، إلى تفهم غياب رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، ويطلبون عدم عودته لأن من كان سيحميه قد استشهد، بعد شيوع انباء عن عودة الحريري اليوم، للمشاركة شخصيًا بتشييع اللواء المغدور.
الحوار ضرورة
من يقرأ بين سطور الاغتيال يدرك أنّه رسالة أمنية أولًا لكل مسعى لقيام الدولة اللبنانية القادرة على منع الآخرين من العبث بأمنها. والرد التي تولّته قوى 14 آذار في الشارع وفي السياسة توجه إلى إسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ضاغطة باتجاه استقالته وحكومته.
يقول مصدر مقرّب من النائب جنبلاط إن هذا التوجه يأخذ البلد نحو المجهول، لذا quot;لسنا مع إسقاط الحكومة حتى الآن، على الرغم من كل الانتقادات التي نوجّهها إلى سوء أدائها وإدارتها للمسألة، لأنّ الوضع الحالي لا يحتمل صدمة حكومية قد تخلق فراغًا في السلطة الثانيةquot;.
ويتخوف هذا المصدر من أن يؤدي إسقاط هذه الحكومة، على علاتها، إلى إلغاء الانتخابات القادمة أو تأجيلها، بسبب العجز عن تشكيل حكومة quot;تتمترسquot; الأطراف اللبنانية كلها من خلفها، خصوصًا بعد تأكيد حزب الله رفضه التام والحازم لرجعة الحريري إلى السراي الحكومي، وإطلاق المستقبل شعارًا قاسيًا في هذه المرحلة، شعار الطلاق حتى الحقيقة. فالحوار يعقد أصلًا على حبل مشدود، على ارتفاع عالٍ، وأتى هذا الشعار ليسحب شبكة السلامة التي كانت منصوبة تحت هذا الحوار، بهمة الوسطيين ورئيس الجمهورية ميشال سليمان.
طلاق وقع
هذا الطلاق، بحسب المصدر نفسه، يعارض إرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري أولًا، وإرث اللواء وسام الحسن ثانيًا، الذي عرف عنه فتح خطوط دائمة مع كل الأطراف، ومع حزب الله تحديدًا، حتى في أحلك الأوقات، وفي أيام الهجوم عليه بالتخوين والاتهامات بفبركة الملفات لحصار المقاومة. ويدعو القيادات في 14 آذار إلى السير خلف نعش وسام الحسن، كما دعا جنبلاط، في وعي يحمي البلد من الفتنة التي استشهد الحسن لأنه كان خط الدفاع المنيع في وجه مستهدفيها.
quot;لكن الطلاق وقع.. وانتهى الأمر.. حتى جلاء الحقيقةquot;. هذا ما يقوله نديم قطيش، الاعلامي في قناة المستقبل، والناشط السياسي المناوئ لحزب الله، في اتصال سريع مع quot;إيلافquot;. يضيف: quot;الطلاق دفعنا إليه الفريق الآخر، حين اسقط كل سبل الحوار والمحاولات الحثيثة للإبقاء على الحد الأدنى بين المشتركات بين اللبنانيينquot;.
وعلى الرغم من كل الدعوات إلى الحوار، quot;وهي دعوات فرغت من كل مضمون بعد جريمة قتل اللواء الحسن، وعلى قوى 14 آذار أن تفهم أخيرًا، وأن تفهم جيدًا، أنها لا تستطيع أن تتهم قوى 8 آذار بالجريمة اليوم، وأن تجالسهم في جلسة حوار غدًا، فهذا تعميق في حالة انفصام الشخصية التي تعيشها هذه القوىquot;.
دور أيوب!
وعلى الرغم من كل الدعوات لعدم استباق التحقيق، يتجاوز اتهام قطيش لحلفاء النظام السوري المنحى السياسي البحت. فهو لا يستبعد بعض الروايات التي تتحدث عن دور ما لطائرة أيوب الاستطلاعية quot;في رصد شخصيات لبنانية، قد يكون بينها الشهيد وسام الحسنquot;.
ويتابع قطيش: quot;جسم الحزب لبيس، ولن أفاجأ إذا كان الحزب يطيّر فوق رؤوسنا أيوب 9 أو أيوب 15، بعدما طيّر أيوب 12 فوق إسرائيل، طالما يعتبرنا إسرائيل الداخلquot;.
يعتمد قطيش على حالة الوعي الشعبي، وعي الشباب اللبناني الذي أهانته هذه الجريمة في أغلى ما عنده، في استقامته واستقلاله وكرامته، كي يمشي في المسيرة إلى آخرها، quot;بعدما توانت قيادات 14 آذار عن الاستمرار حتى تأسيس الدولة الشرعية القادرة على بسط سلطانها العسكري في لبنانquot;.
رسائل ثلاث
إن صحّت قراءة 14 آذار لعملية الاغتيال، تكون سوريا التي يتهمونها قد أرسلت رسائل عديدة، مباشرةً أو عبر مراسليها الحربيين الداخليين، بإزاحة من كان يشكل عنصرًا مزعجًا، بل هدّامًا، لمصالحها ومصالح حزب الله في لبنان. فهي أولًا قطعت الطريق على خلافة الحسن القوي والذكي أمنيًا للواء أشرف ريفي في قيادة قوى الأمن الداخلي، وهو المشرف على التقاعد خلال العام القادم.
كما تمكنت ثانيًا من خلق بلبلة قوية في صفوف الشعب اللبناني، الذي كان يرى في الحسن رجل دولة، أكثر منه رجل عصابات أو ميليشيات مسلحة، ومن هز ثقته مجددًا بقدرات دولته الأمنية، خصوصًا على أبواب إنتخابات مصيرية، يعد لها الجميع العدة الكافية لتحقيق أغلبية تحكم وحدها هذه المرة، بلا وحدة وطنية ولا التزامات ثقيلة.
أما ثالثًا، وهو الأهم، فقد تمكن السوريون وحلفاؤهم من إلغاء أي فكرة راودت رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري بالعودة إلى لبنان، خصوصًا أن العديد من قيادات 14 آذار تحضه على العودة لاستعادة زمام المبادرة السنية على الأقل، التي تفلت من تيار المستقبل لصالح قوى سلفية وأخرى كالشيخ أحمد الأسير الذي بدأ يجذب إليه أنصارًا للمستقبل. اليوم، لا بد أن هذه العودة استبعدت، بعدما دكّت آخر الحصون الأمنية التي يعتمد عليها الحريري في أمنه الشخصي في لبنان.
واجبات المعارضة
إن مقتل الرجل القوي في لبنان أعاد الرعب إلى أركان المعارضة، الذين لاحقتهم لعن الاغتيال منذ العام 2004، بمحاولة فاشلة تعرض لها النائب مروان حمادة.
هذه المعارضة، الرازحة اليوم تحت رأي الشارع الذي يسير بغضب وراء شعار الطلاق، مطالبة فعلًا بتعزيز وحدتها ومواقفها برفدها بمطالبة حازمة بوضع مسألة التحقيق بمقتل الحسن في يد رجاله الأمناء في فرع المعلومات، وحشد التأييد للمحكمة الدولية.
كما على هذه المعارضة التحضر جديًا على الأرض للانتخابات القادمة من خلال تقديم مشروع انتخابي رصين، يعيد التمثيل إلى الشعب الذي أوصل هذه القوى إلى السلطة يومًا ولم تكن على قدر آماله.