لا بد أن المشهد السياسي في ساحة الشهداء ـ إبان تشييع اللواء وسام الحسن، غيّر السلوك السياسي اللبناني قاطبة، خصوصًا بعد توجه المشيعين نحو السرايا الحكومي في محاولة لدخوله عنوةً، في تعبير عفوي عن غضب الشارع اللبناني من الجريمة والسكوت عليها. وهذا ما انعكس جليًا في الصحف المحلية.


أعلنت صحيفة المستقبل انتهاء نجيب ميقاتي سياسيًا، في تأكيد لكل ما قيل الأمس في التشييع وبعده. وكتبت اليوم: quot;بقي أو رحل إلى بيته، فإن نجيب ميقاتي انتهى سياسيًا بعد أن كان رضي بلعب دور الأداة والغطاء الشرعي لمشروع الانقلاب الشارعي على الشرعية والدولة ومؤسساتها. انتهى إلى حد أنه صار يشعر بالحاجة إلى من يحمي منزله في طرابلس خوفًا من غضب اهلهاquot;.

دم الحسن برقبة دولته

وتابعت الصحيفة تحميل ميقاتي دم الحسن، قائلةً إن شيئًا بعد اليوم quot;لن يمسح من سجلّه انه نتيجة قبوله بالدور الذي رُسم له على رأس حكومة الانقلاب والانقلابيين يتحمل مسؤولية دم رجل دولة من طراز وسام الحسن. ولن يُمسح من سجلّه، انه في ظل حكومته تعرّض سمير جعجع لمحاولة قنص وبطرس حرب لمحاولة تفجير، وانه رضي ان يرى ويشارك في جدال داتا المعلومات من دون ان يتصرف، وان تحجب تلك الداتا من دون ان يعترض. وان يبقى المطلوب للتحقيق في محاولة اغتيال حرب، في حماية حزبه اي حزب الله من دون ان يتحرك دولته لنصرة القضاء الشرعي والأمن الشرعي.. وأن يبقى المتهمون المطلوبون الأربعة إلى التحقيق الدولي في جريمة اغتيال رفيق الحريري، في عهدة حزبهم، بل وأن يترقوا إلى مرتبة القداسةquot;.

وتتابع الصحيفة في مقالتها اليومية quot;ألمستقبل اليومquot;: quot;يقول انه لن يسقط بضغط من الشارع، لكنه ينسى انه جاء هو نفسه إلى منصبه بضغط من الشارع المغطّى بالقمصان السود والمشروع الأكثر سوادًا.. وينسى قبل ذلك، انه قبل ان يسقط في الشارع، سقط من عقول الناس وأفئدتهم، ولم يعد هناك إلا تأكيد ذلك السقوط. سقط بعد أن كذب على الناس بالأمس من أنه وضع استقالته في عهدة رئيس الجمهورية وهو ما لم يحصل.. وسقط في هروبه إلى اتهام تيار المستقبل بالايعاز للهجوم على السرايا، فيما الناس كل الناس تعرف ان الاتهام باستخدام الشارع لا يليق إلا بمطلقه وبحلفائه ليس إلاquot;.

المعارضة تنتحر

في الجانب الآخر من معادلة الصراع اللبناني المتجدد، افتتحت السفير يوميتها تحت عنوان quot;وسام الحسن شهيدًا: المعارضة laquo;تنتحرraquo; عند باب السرايا!quot; مؤكدةً أن اللواء الشهيد وسام الحسن يستحق وداعًا أفضل، يليق بكفاءاته المشهودة وإنجازاته المدوية. وربما كان من الأجدى الاكتفاء بالاحتفال الرصين في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بدل ارتكاب كل هذا الكم من الأخطاء والمحرمات في يوم واحد.. باسم الشهيدquot;.

أضافت السفير: quot;ما حصل خلال تشييع الحسن في وسط بيروت، ليس سوى وصفة مثالية للانتحار السياسي. لم يكن جثمان الشهيد قد وُوري بعد في الثرى، حين ارتكب بعض الذين ساروا في جنازته من تيار المستقبل وفريق 14 آذار خطيئة موصوفة. والطريق إلى الخطيئة كانت قصيرة جدًا، لا تتعدى حدود المسافة الفاصلة بين مسجد محمد الأمين والسراياquot;.

وبرأي السفير، كانت الفوضى والانفعالات وقلة التنظيم هي السمة الغالبة على التشييع، في ظل غياب القائد سعد الحريري وانفلاش الرؤوس الحامية، ولا مركزية القرار، حتى بات الأمر بتنفيذ الهجوم على السرايا يصدر عن بعض خطباء المنابر، من دون أن يتصدى لهم، في حينه، من تنصّل منهم لاحقًا.

عبورٌ على الدولة

وإن كان الهجوم على السرايا الحكومي قد توّج كل الخطابات التي طالبت أثناء التشييع برحيل ميقاتي وحكومته، أوضح ميقاتي لـلسفير انه لم يقدم استقالته بل quot;قال لرئيس الجمهورية ما كان قد ردده قبل أشهر، إنه مستعد للاستقالة اذا تم التفاهم على قيام حكومة وحدة وطنيةquot;، معبّرًا عن أسفه لأن شعار quot;العبور إلى الدولة الذي طرحه البعض صار فجأة عبورًا على الدولة واستباحة للمؤسساتquot;.

وأضاف ميقاتي للسفير: quot;عندما توليت مهمة رئاسة الحكومة، كنت مقتنعًا بأنني من خلال هذه المهمة أحمي بلدي وشعبي، وعلى الأخص، أبناء طائفتي، وهذا الأمر سيكون نصب عيني في كل خطوة اقوم بها الآن وفي المستقبل وصولا إلى انتشال لبنان من محنته الوطنية المستمرة منذ سنواتquot;.

ولفتت مصادر ميقاتي للسفير إلى إن quot;اتصال وزيري الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والفرنسي لوران فابيوس برئيس الحكومة بعد محاولة اقتحام السرايا، يعني وجود قرار دولي كبير ببقاء الحكومة ودعمهاquot;.

14 آذار خدمت الحكومة

أما صحيفة الجمهورية فقد نقلت عن مصادر وزارية في الاكثرية قولها إن اعتداء مناصري 14 آذار على السرايا quot;شكّل اكبر خدمة للحكومة، وإن قوى 14 اذار خسرت ورقة لديها كانت بغاية الأهمية، وهي استحقت هذه الخسارة لانها لم تقرأ جيدًا في السياسة وخصوصًا الموقف الدولي الجيد الداعم للحكومةquot;.

واعتبرت هذه المصادر أن السنيورة، الذي غالبًا ما يدرس خطاباته جيدًا، خطا في خطابه خطوة ناقصة، لانه قبل على ميقاتي ما لم يقبله على نفسه، quot;فعندما اعتصم الآلاف لأكثر من عام أمام السرايا لم يحرك ساكنًاquot;.

وأكدت هذه المصادر أن الاعتداء على السرايا حفز ميقاتي للعودة اليه وممارسة نشاطه الرسمي من موقعه كرئيس للحكومة كما من موقعه السني الذي لقي التفافًا وتضامنًا وتعاطفًا لافتًا من طائفته بعد خطاب مفتي الجمهورية الذي رفض إسقاط ميقاتي في الشارع، وهو سيعود إلى السرايا فور عودته من السعودية التي يقصدها اليوم لأداء مناسك الحج.

وبحسب الجمهورية ومصادرها، شددت الاتصالات والرسائل الدولية والأوروبية التي تلقاها ميقاتي على أهمية الاستقرار والهدوء في لبنان في المرحلة الراهنةquot;، كما أن ميقاتي لم يتحدث بالاستقالة لا مع رئيس الجمهورية ولا في مجلس الوزراء وان مثل هذا الخيار قد يكون واحدًا من خيارات عدة يمكن اللجوء اليها متى جرى تفاهم يؤدي إلى الخروج من الأزمة الراهنة.

ما أريده أو الفوضى

وتحت عنوان quot;14 آذار دم الحسن للعودة إلى الحكومةquot;، قالت صحيفة الأخبار إن الرئيس سعد الحريري أصر على أن يكون تشييع جثماني اللواء وسام الحسن والمؤهل أول احمد صهيوني، ذا طابع سياسي، يحمل صبغة ثورة الأرز. لكن الأمر لم يقتصر على هذا الأمر. فأنصار تيار المستقبل وحلفاؤه الجدد من الإسلاميين خرجوا بأسلحتهم وانتشروا في الشوارع في الشمال وبيروت وخط الساحل الجنوبي، وأقاموا حواجز على الهوية، وافتعلوا اشتباكات في معظم نقاط الاحتكاك المذهبي.

وبحسب الأخبار، بعدما باءت محاولة اقتحام السرايا الحكومية بالفشل، نتيجة الخطوط الحمراء التي رسمها الغرب ومفتي الجمهورية ومفتي الشمال، خرج مقاتلون مناصرون لتيار المستقبل من منطقة الطريق الجديدة، واشتبكوا مع الجيش اللبناني، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة في منطقة الكولا، بعيد منتصف الليل، قبل ان يتدخل الجيش بقوة لمحاولة ضبطها، لافتةً إلى ان القرار المستقبلي بدا أمس شبيهًا بيوم الغضب الشهير: ما أريده أو الفوضى.

ولفتت مصادر وزارية مقربة من ميقاتي في حديث لـلأخبار إلى أن قوى الأمن التي اتهم بمسؤوليته عن اغتيال رئيس شعبة المعلومات فيها، تحدث مديرها العام أشرف ريفي بكلام بعيد عن الانفعال، وهي التي صدّت محاولة اقتحام السرايا، قبل الاستعانة بالجيش، ومنعت الاقتراب من منزله في طرابلس، وأن ميقاتي أفاد من ضعف الحشد الشعبي لحزب المستقبل في الشارع ورفعِ اعلام المعارضة السورية عند أبواب السرايا من أجل تدعيم موقفه.

الرئيس يستكشف

أما أجواء قصر بعبدا، فقد نقلتها مصادر مقربة من رئيس الجمهورية ميشال سليمان لصحيفة الجمهورية، قائلة إن الرئيس يسعى اليوم لاستكشاف المرحلة التي تلت اغتيال الحسن وتداعياتها، وموقف ميقاتي الذي قرر عدم الحضور الى مكتبه في رئاسة الحكومة من دون ان يستقيل، والمخرج المتاح لمواجهة آثار عملية الاغتيال وانعكاساتها على الساحة السياسية والحكومية والأمنية في البلاد.

وأوضحت هذه المصادر للجمهورية أن الرئيس لم يسمع من رئيس الحكومة انه قد تقدم باستقالته الى اليوم، quot;لكنه دعاه الى التريث في اي خطوة من هذا النوع إلى حين البحث عن صيغة تقود إلى تفاهم حول عناوين مرحلة الاستقالة إذا حصلت، ويحدد الخطوات المقبلة لتأتي جامعة بين اللبنانيين بدل أن تعزز الانقسام في البلدquot;.

وأشارت هذه المصادر إلى أن quot;الوزير جنبلاط لا يزال عند موقفه المتمسك ببقاء الحكومة، ما لم يتم التفاهم على ما يلي هذه الخطوة، ولاستحالة تشكيل حكومة أخرى في ظل التوازنات القائمة بالسلاح وبغير السلاح، وان مطالبة قوى 14 آذار بالتغيير الحكومي لم تواكبها بعد أي صيغة بديلة، ما يجعل البلاد امام احتمال الدخول في نفق الأزمة نحو المجهولquot;.

خوف الشلل

وفاجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري في حديث للسفير اللبنانيين بتأييده تأليف حكومة وحدة وطنية، إذ قال: quot;إذا كانت خسارة لبنان رئيس شعبة المعلومات تنتج حكومة وحدة وطنية، فلا مانع في ذلك، أما إذا ذهبت باتجاه توسيع الشرخ والانقسام، فهذا أمر لا يخدم إلا الهدف الكامن خلف الاغتيالquot;.

ولا يخفي بري خوفه من غرق البلاد في الشلل بسبب تداعيات ما حصل بالأمس من تطورات، خصوصاً على الاقتصاد الوطني، إذ نجحت الحكومة برأيه في الأسابيع القليلة الماضية في تجاوز نقطة الجمود، quot;وانطلقت في ورشة عمل ايجابية، أنجزت فعلياً ملفات مهمة، أبرزها التشكيلات الدبلوماسية لملء الشواغر في السفارات اللبنانية في الخارج، وجرى التوافق عليها تقريباً بالكامل. وكذلك إن الأمور التي كانت عالقة، الخاصة بقطاع الغاز اللبناني في البحر، أُنجزت وجرى التوافق عليها، وكانت ستأخذ خلال أيام طريقها للتظهير في الحكومة، قبل عيد الأضحىquot;.