اتضح للمراقبين أن تصوير العمليات العسكرية في سوريا ليس وسيلة فصائل المعارضة لكسر معنويات جنود النظام، وإنما لتنال عبره حظوة الممولين، فتصيب الحصة الأكبر من المال والعتاد، ما حدا بفصائل لسرقة أفلام فصائل أخرى ونسبتها لنفسها.


يحتدم التنافس في صفوف المعارضة السورية على المكانة والسمعة والموارد، حتى تردد أن بعض الفصائل تسطو على أشرطة فيديو تصور عمليات فصائل أخرى لتنسبها لنفسها. فقد وقف ناشطٌ يصوّر دبابة غنمها مقاتلو المعارضة، وظل يمسك الكاميرا بيد ثابتة على الرغم من دوي القصف واطلاق النار في الخلفية. وبعد فترة وجيزة، صُدم الناشط باكتشاف شريطه مبثوثًا على الانترنت، بعد أن أُلصق عليه شعار فصيل عسكري آخر. قال: quot;خاطرتُ بحياتي لتصوير هذا الشريط، فأخذوه من دون أي عناءquot;.
ولاحظ مراقبون أن قصة هذا الناشط واحدة من قصص كثيرة تُشير إلى أن بعض فصائل المعارضة تسرق أشرطة فيديو صورها آخرون، لكي تبدو أوسع نشاطًا وأكثر نجاحًا مما هي عليه فعليًا، وبذلك تنال نصيبًا لا تستحقه من الموارد التي توزع على فصائل المعارضة، وتجعل من الصعب تقييم حجم القوى الفاعلة على الأرض تقييمًا دقيقًا.
كما تؤكد هذه القصص، بحسب المراقبين، تشظي فصائل المعارضة المسلحة في وقت يسعى الائتلاف الوطني الجديد إلى بسط سلطته على انتفاضة تتطور أسرع من التحركات الدبلوماسية التي أسهمت في ولادتها.

أشرطة مقابل العتاد

تشير التقارير إلى أن بعض الفصائل الصغيرة سمحت لفصائل كبيرة بمصادرة اشرطة الفيديو التي تصور عملياتها وتجييرها لصالحها، مقابل إمدادات بالعتاد والمؤن. لكنّ قصصًا أخرى تبين أن هناك فصائل تدعي لنفسها عمليات نفذتها أخرى من دون موافقتها.
ويأمل الائتلاف الوطني في استحداث آلية تمويل مركزية وتولي ادارتها بنفسه. ففي غياب مثل هذه الآلية، سيجد الائتلاف صعوبة بالغة في اقناع الفصائل المسلحة على الأرض بالتنازل عن استقلالها والانضواء تحت لوائه، حتى لو نجح في نيل دعم مالي أكبر من المجتمع الدولي.
ويجري حاليًا توحيد الموارد بدرجة ما، لكن ما زال يتعين على الفصائل المنفردة أن تؤمِّن مصادر دعم خاصة بها. فثمة فصائل متعددة تعتمد في تمويلها على شبكات من المغتربين السوريين الأثرياء الذين يقيمون في منطقة الخليج.

لا فيديو.. لا تمويل

يتذكر ناشط شاب أن أحد الفصائل طلب منه توثيق هجومه على موقع لقوات النظام في شمال سوريا. فالمانحون يريدون تمويل وحدات لها وجود حقيقي على الأرض، وأشرطة الفيديو التي تُحمَّل عبر قنوات الكتائب المختلفة على موقع يوتيوب وعلى صفحاتها على فايسبوك واحدة من أشد الطرق التي تستخدمها الفصائل المسلحة فاعلية لإقناع الممولين بجدوى الاستثمار في هذا الفصيل أو ذاك.
كما أن اشرطة الفيديو تعزز دعوى الفصيل بأحقيته في نصيب كبير من الامدادات المحدودة من السلاح التي تدخل سوريا، لتوزيعها على قوات المعارضة. ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن أبي طارق، الذي يقود وحدة من المقاتلين في محافظة حماة: quot;رأينا الكثير من اشرطة الفيديو المزيفة لمجرد الحصول على تمويلquot;. أضاف: quot;أصبح التنافس على مصادر التمويل شديدًا، فقد خفّض ممولو مجموعتي دعمهم إلى النصف، إذ ظنوا أن الأمر سينتهي في غضون أشهر قليلةquot;.
وفي بيئة تمويل ملغومة كهذه، حيث لا وجود للمحاسبة والتدقيق، يغدو الدليل الموثَّق على ما يُنفذ من عمليات المعيار الوحيد المعتمد، أو كما قال أبو طارق بصراحة: quot;لا تمويل من دون شريط فيديوquot;.

تحصين ضد السرقة

تكمن المشكلة في أن بعض الفصائل تستسهل تجيير انجازات الآخرين لحسابها. روى ضابط كبير منشق لصحيفة فايننشيال تايمز في جنوب تركيا، طلب عدم ذكر اسمه، أن فصيلًا وصل إلى قاعدة عسكرية في شمال سوريا بعد أيام على نجاح فصيل آخر في انتزاعها من قبضة قوات النظام، وشرع في التصوير كأنه هو الذي حرر الموقع. وقال الضابط: quot;كانوا يصورون من اجل المال فقط، فمَنْ لديه وقت للتصوير أثناء القتالquot;.
يقول الباحث ايشر بيرمان، الذي يرصد استخدام فصائل المعارضة شبكات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة: quot;من الشائع الآن أن تبث الفصائل الكبيرة أشرطة فيديو تصور عمليات عسكرية أخذتها من تنظيمات أخرى وألصقت عليها شعارهاquot;.
وفي حين أن فصائل المعارضة لم تواجه كلها هذه المشكلة، فقد بلغ القلق بالمجموعات التي تعرضت لمثل هذه السرقة إلى حد العمل على تحصين أشرطتها. فأبو انس، وهو ناشط مختص بتكنولوجيا المعلومات، يلعب دور المستشار الذي تلجأ اليه فصائل مسلحة لحماية ما تصوره من أشرطة فيديو ضد سطو الآخرين عليها. وأوضح أبو انس أنه يشيرعلى الفصائل أن تذكر المكان والوقت اثناء التصوير، quot;وأحيانًا أضع موسيقى في الخلفية، لكن من الأفضل أن تُصور العملية وتُبث مباشرةquot;.
ويقول إميل هوكايم، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، إن فوضى تمويل الفصائل المسلحة للمعارضة من دون قناة نظامية وآلية مركزية ومن دون احتراف في تخصيص الموارد المالية ودراسة الاحتياجات، ستؤدي حتمًا إلى مثل هذا التلاعب وإلى استغلال جهود الآخرين.

معارك وهمية للتصوير

في كل مجموعة مقاتلة تقريبًا شخص مهمته تصوير العمليات العسكرية. وتتوفر لبعض الوحدات كاميرات فيديو، فيما تستخدم أخرى الهواتف الخلوية للتصوير. ويتولى أبو أنس تدريب عناصر من وحدات مختلفة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. يقول: quot;أفلام الفيديو التي تصور العمليات وسيلة لجمع المال من اجل تنفيذ عمليات لاحقةquot;.
ويحذر أبو أنس من عرض اعمال القتل لدى تحرير الشريط، مشددًا على عرض النتيجة النهائية للعملية، وعلى مواصلة الكلام أثناء التصوير لمنع أي فصيل آخر من من إعادة بث الشريط وادعاء المسؤولية عن عملية لم ينفذها. يقول: quot;تعمد مجموعات محتالة، تتظاهر بأنها كتائب أو ألوية مقاتلة، إلى تمثيل معارك وهمية أمام الكاميرا فقطquot;.
وأعرب أبو طارق، القائد العسكري في حماة، عن غضبه من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، قائلًا إن بعض الممولين يريدون أن يروا اشرطة فيديو دليلًا على فاعلية الفصيل الذي يطلب دعمهم على الأرض، quot;وهذا هو أحد الاسباب التي اضعفت ثورتناquot;.

منافسة شريفة

يأسف الناشط أبو محمد في منطقة ريهانلي جنوب تركيا عن أسفه لضعف التمويل الذي يلقاه فصيله، لافتًا إلى أن لديه كاميرا سوني يتيمة لا تصور ليلًا، في حين أن لواء شهداء حلب ينفذ غالبية عملياته ليلًا. ويتعين على أبي محمد أن يسافر إلى تركيا لتحميل اشرطة الفيديو بسبب عدم توفر ارتباط فضائي في نطاق جهازه. وقال: quot;إنها منافسة شرسة، لكني استطيع القول إنها منافسة شريفة، فالجميع يريدون تحرير سورياquot;.
ويرى محللون أن الطابع المحلي والمفكك لقوات المعارضة يجعل من المتعذر أن يُعرف حجم التمويل والمعدات التي تلقاها هذا الفصيل أو ذاك من مانحيه، سواء عن طريق الشبكة العنكبوتية أو بوسائل أخرى.
ويستطيع الممولون أن يتصلوا بالكتائب مباشرة لأن لكل صفحة على موقع فايسبوك مسؤولًا عن ادارتها، يمكن التواصل معه بشأن وصول الأموال أو الامدادات للفصيل صاحب الصفحة. يقول الصحافي إليوت هيغينز، الذي تتابع مدونته مواقع التواصل الاجتماعي من سوريا: quot;من الأسباب التي تجعل هذا الفصيل أو ذاك محترمًا ويحظى بالاهتمام، سواء أكان هذا الاهتمام سياسيًا أو اعلاميًا أو ماليًا، هو أن يصنع الفصيل لنفسه اسمًا، وأن يستعرض قوته بافلام الفيديو ذات الانتاج عالي النوعية، فهذه الأفلام هي إحدى الطرق لصنع هذا الاسم، ومفيدة لاستدراج عروض مستثمرين محتملينquot;.