أعلنت الادارة الأميركية جبهة النصرة السورية منظمة إرهابية، فأعطاها الاتهام شهرة لم تحلم بها وجذب إليها المقاتلين. وهي لا تنفي نيتها إقامة دولة إسلامية، لكنها تعد الأقليات بحفظ حقوقها، إلا من تلطخت أيديهم بدم السوريين.


بيروت: أبو عدنان، عالم الدين والشريعة وأحد مسؤولي جبهة النصرة في مدينة حلب، يسخر من تسمية الولايات المتحدة للمجموعة بالمنظمة الإرهابية، ويقول إن الأمر لم يفاجئه إطلاقًا، مؤكدًا رغبة الجماعة في إقامة دولة إسلامية من دون التعرض للأقليات، إنما هذا لا يعني محاسبة المجرمين، إلى أي طائفة انتموا.
يقول ابو عدنان لصحيفة تايم الأميركية: quot;نعرف الغرب وأساليبه القمعية، واعتدنا بطش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأكاذيب المجتمع الدولي، ووضع جبهة النصرة على لائحة الإرهاب ليس مفاجئًا ولا يعني شيئًا بالنسبة إليناquot;.

معلومات قليلة

كان الرئيس الأميركي باراك أوباما أعلن في 11 كانون الأول(ديسمبر) عن وضع جبهة النصرة على لائحة الارهاب، بسبب ارتباطها بتنظيم القاعدة في العراق. واعتبرت الإدارة الأميركية أن المجموعة مسؤولة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 عن 600 هجوم إرهابي أسفر عن مقتل وجرح المئات من السوريين.

وكانت هذه المجموعة غير معروفة حتى نهاية شهر كانون الثاني (يناير) 2012، عندما أعلنت تشكيلها، على الرغم من أن أبو عدنان يقول إنها كانت نشطة لأشهر عدة قبل ذلك الوقت. وفي الأشهر التي تلت الإعلان، أصبحت جبهة النصرة واحدة من قوات القتال الأكثر فعالية ضد الرئيس بشار الأسد، ونفذت بعض الهجمات الأكثر جرأة ضد النظام.
المعلومات عن هذه المجموعة المحافظة دينيًا قليلة، ولا يعرف عنها سوى أن زعيمها رجل غامض يريد إقامة دولة إسلامية. لكن انضباط جبهة النصرة وقوة مقاتليها جعلها محط إعجاب ومصدر جذب للمقاتلين، حتى العلمانيين منهم، بسبب الجرأة في هجماتها، فسعى الكثير من الشباب للانضمام إلى صفوفها.

لسنا منهم

لا تختلف إيديولوجيا جبهة النصرة عن غيرها من الجماعات السلفية الإسلامية في سوريا، مثل أحرار الشام ولواء التوحيد. يقول أبو عدنان: quot;غالبية المجموعات المقاتلة من المسلمين السنة، ولذلك فلا فرق بيننا، باستثناء نقطة وحيدة وهي أن جبهة النصرة تستقبل نوعًا معينًا من المقاتلين في صفوفها، وتهتم بالنوعية وليس بالعددquot;.
يضيف: quot;مثلًا نحن لا نقبل بالرجال المدخنين، ويخضع المقاتل لعشرة أيام من التعليم الديني للتأكد من فهمه للدين والأخلاق والتحقق من سمعته الطيبة، يليها 15 إلى 20 يومًا من التدريب العسكري المكثفquot;.
ورأت تايم أن الولايات المتحدة جعلت من جبهة النصر عدوا علنيًا ما أدى إلى مفعول عكسي، إذ زادت شهرة المجموعة وجاذبيتها لكثير من الذين يشككون في نوايا الولايات المتحدة تجاه بلادهم.

من المعروف أن الحرب تفرض شراكات غريبة، لكن واشنطن أعلنت بوضوح أن هذه المجموعة أكثر خطورة من أن تتعامل معها. والمشكلة هي أن كثرًا في المعارضة السورية يعتقدون خلاف ذلك.
يقول زعيم المجموعة في حلب: quot;أميركا وصفتنا بالإرهابيين لأنها تقول إن بعض تكتيكاتنا يحمل بصمات تنظيم القاعدة في العراق، مثل القنابل والسيارات المزودة بالمتفجرات. لكننا لسنا مثل تنظيم القاعدة في العراق، نحن لسنا منهمquot;.

اتهام عزز الجبهة

تسعى جبهة النصرة، وجماعات إسلامية أخرى، إلى إقامة دولة إسلامية في سوريا. لكن هذا ليس بالأمر الجلل بالنسبة إلى الصحيفة التي اشارت إلى أن بعض الثوار ndash; حتى العلمانيين منهم ndash; يستخدمون عبارات منفرة بصبغة طائفية وحاقدة على الأقليات، لا سيما أفراد الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد.
وعلى الرغم من ذلك، لم تتهم الولايات المتحدة بالارهاب إلا جبهة النصرة، ما يدل على أن الإدارة الأميركية تحاول فهم العناصر المسلحة المختلفة في الصراع السوري.

وفيما كان المقصود من وصف الجماعة بالمنظمة الإرهابية عزلها عن الميدان وعن السياسة في سوريا، يبدو أن هذه المحاولة أتت بنتائج عكسية، إذ في الواقع عززت مكانتها وسمعتها بين بعض السوريين. والمثال على ذلك هو التظاهرات الشعبية التي قامت في سوريا يوم 14 كانون الأول (ديسمبر) الجاري تحت شعار quot;الإرهاب الوحيد في سوريا هو إرهاب الأسدquot;، فيما أعلنت عشرات من الجماعات المقاتلة على الملأ شعار quot;كلنا جبهة النصرةquot;، حتى أن قيادة المعارضة السياسية في المنفى أدانت التسمية الإرهابية.
أبو عدنان، مثله مثل عدد من المعارضين، يعتقد أن التسمية تكشف أن واشنطن ليست جادة بشأن إزالة الأسد. يقول: quot;أميركا تريد أن تقدم للنظام استراحة وفسحة من الوقت وفرصة للبقاء في السلطة طالما ما زال قادرًا على ذلكquot;.
يتساءل: quot;كان النظام السوري يمارس الإرهاب لمدة عامين وأميركا لم تفعل شيئًا، فلماذا تحركت بسرعة ضد قوة مقاتلة على الأرض في سوريا، ووصفتها بأنها ارهابية؟ هل نسيت ما يفعله النظام؟quot;

المصلحة الاسرائيلية

ثمة اعتقاد شائع في سوريا اليوم أن الغرب يريد الإبقاء على الوضع الاسرائيلي الراهن، بما في ذلك الحفاظ على قادة مثل الأسد بدلًا من وصول الاسلاميين إلى السلطة في دمشق. فالرئيس الأسد ووالده حافظا على الهدوء في مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل، بل كانت المنطقة الأكثر هدوءًا على خط الجبهة العربية - الإسرائيلية على مدى عقود.
يعتقد بعض الثوار أن هذا القرار كان يهدف لدرء الفتنة أو الانقسام الداخلي، في صفوف الثوار المجزأة بالفعل، فيما يعتقد بعضهم أن جبهة النصرة ستخيف أميركا والدول الغربية وتمنعها من تأمين السلاح للمقاتلين.
على أي حال، لا يبدو أن جبهة النصرة تنتظر السلاح من المجتمع الدولي، وفقًا لأبي عدنان، فالهجوم الأخير الذي شنته المجموعة على موقع النظام في ريف حلب أمّن لها سلاحًا quot;أكثر مما يمكن أن تؤمنه لنا أية دولة، كما نعتمد على المقاتلين الأجانب الذين يقدمون لنا الدعم، سواء في القتال أو في التمويلquot;.

حقوقهم محفوظة

يرأس جبهة النصرة رجل يستخدم اسمًا حركيًا هو محمد الجولاني. وفرضت وزارة الخزانة الاميركية عقوبات مالية ضد رجلين تعتقد انهما من كبار القادة في الجماعة، هما ميسر علي موسى عبد الله الجبوري وأنس حسن الخطاب.
وتشير التقارير الاعلامية الاخيرة إلى شخص إضافي، هو مصطفى عبد اللطيف، المعروف أيضًا باسم أبو أنس الصحابي، على انه الأمير الجديد للجبهة. وهذا أردني الجنسية وصهر أبو مصعب الزرقاوي، زعيم القاعدة السابق في العراق.

يرى أبو عدنان أن الأقليات ليس لديها ما تخشاه من الدولة الإسلامية، quot;فالنبي، صلى الله عليه وسلم، كان أحد جيرانه من اليهود، من لم يَظلُم أو يشارك في إيذاء الشعب سيتمتع بكل حقوقه، على أن يؤدي واجباته أيضًا، لكن أولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء، سواء أكانوا من الأقليات أم لا، فلن نرحمهمquot;.
ودافع أبو عدنان عن أشرطة الفيديو الأخيرة التي يظهر فيها أعضاء من جبهة النصرة يطلقون النار على موالين للنظام لا يحملون أي سلاح، فيقول: quot;قمنا باحتجازهم، ووضعناهم في صف واحد وقتلناهم. فعلنا ذلك لأنهم كانوا يقاتلوننا. وصفونا بالإرهابيين، لكن يبدو أنهم نسوا أن هناك نظامًا بأكمله روع الناس طوال 40 عامًاquot;.