الماء هو حلبة الصراع القادمة، لأن المصادر المائية ثابتة والطلب متزايد باطراد مع التزايد السكاني وتعاظم طموحات التنمية. ودول الخليج هي الأكثر تضررًا وتصحرًا، وينتظرها عجز مائي قدّره الخبراء بنحو 10 مليارات متر مكعب سنويًا بحلول العام 2025.


دبي: في ضوء ندرة المياه العذبة وثبات كمياتها وازدياد عدد السكان وتعاظم طموحات التنمية، تزداد حدة الصراع على موارد المياه على مستوى دول العالم، وخصوصًا الدول التي تقع في مناطق الجفاف، كمنطقة الشرق الأوسط ودول الخليج العربي تحديدًا. وتحصل مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي على 4.6 في المئة من إجمالي موارد مياه العالم العربي، التي تبلغ 274 مليار متر مكعب سنويًا.

وفي ضوء المعايير الدولية لاحتياجات الفرد من المياه العذبة، المقدرة بنحو 1000 متر معكب على الأقل (حد الفقر المائي)، فإن دول مجلس التعاون تعاني ندرة مائية ستعرض أمنها المائي للخطر بواقع أخطر من مناطق أخرى في العالم.

عجز مائي

ترجع أزمة المياه العذبة التي يشهدها العالم حاليًا، والتي ستتفاقم آثارها مستقبلاً، إلى زيادة عدد السكان في مقابل ثبات كمية المياه العذبة منذ ملايين السنين. ومن المعروف أن المياه على مستوى العالم تتوزع بين 97.6 في المئة مياه مالحة و2.4 في المئة مياه عذبة.

بسبب هذا التفاوت، نشأت أزمات مياه من المتوقع أن تتعمق أكثر فأكثر، مع ارتفاع تعداد السكان مستقبلًا مقابل ثبات كمية المياه. وتوضح الدراسات وجود تغييرات مؤثرة في موارد المياه المتجددة والأنهار، وفترات جفاف ستتعرض لها مناطق من العالم، بينما تشهد أخرى فترات مطيرة نتيجة التغيّرات المناخية المتوقعة.

يصرّح الدكتور مغاوري شحاتة دياب، رئيس رابطة الهيدروجيولوجيين العرب ورئيس جامعة المنوفية سابقًا، لـquot;إيلافquot; قائلًا: quot;إجمالي مصادر المياه العذبة في الخليج يبلغ حوالي 12.5 مليار متر مكعب من مصادر المياه غير التقليدية، كالمياه السطحية والمياه الجوفية، وتزامنًا مع ارتفاع تعداد السكان ومعدلات التنمية، ارتفعت احتياجات دول مجلس التعاون الخليجي من المياه العذبة لتصل إلى نحو 32 مليار متر مكعب سنويًا بحلول العام 2025، وهذا يعني أن أزمة مياه عذبة مستقبلية ستشهدها دول مجلس التعاون الخليجي، حيث من المتوقع أن يصل إجمالي ما يمكن توفيره في العام 2025 نحو 22 مليار متر مكعب سنويًا من جميع المصادر التقليدية وغير التقليدية، وبالتالي سيكون هناك عجز يقدر بنحو 10 مليارات متر مكعب بحلول العام 2025quot;.

شبح الجفاف

يشير دياب إلى أن جهود دول مجلس التعاون الخليجي لتوفير مصادر مياه تقابلها مشكلات تحتاج لعلاج حاسم وسريع، quot;من أبرزها زيادة تركيز الأملاح في خزانات المياه الجوفية في معظم الآبار، وانخفاض الضغوط، وتدهور كميات المياه المستخرجة من الآبار، وتداخل المياه المالحة في المناطق الساحلية، وتلوث المياه خاصة بالنيترات لتَركز الزراعة في مناطق تواجد الخزانات الجوفية، إلى جانب المشاكل الناتجة عن محطات التحلية وتصريف نواتج الصرف في مياه الخليج، بالإضافة إلى المشاكل الفنية الناتجة عن استخدام مياه الصرف المعالجquot;.

ويطرح دياب جملة من الترتيبات الإستراتيجية، يراها كفيلة بأن تشكّل ضامنًا للأمن المائي في دول الخليج، quot;منها تدعيم إنشاء السدود وحفظ مياهها وتطوير الإفلاج، وتنويع أساليب الزراعة واستخدام الري الحديث والزراعة المحمية وتطبيق مبادئ الهندسة الوراثية في الزراعة الملحية، وتكثيف إنشاء محطات التحلية، والتوسع في الدراسات الاستكشافية لخزانات المياه الجوفية وحسن إدارتها، وترشيد استخدام المياه بالحد من الإسراف وتقليل الفاقد من خلال برامج توعية إعلامية وتعليمية، ورفع الوعي لدى السيدات في المنازل والطلاب في المدارس والجامعات والمساجدquot;.

وعن الفوارق في موارد المياه العذبة في دول مجلس التعاون الخليجي، يقول دياب: quot;تتوزع إيرادات مصادر المياه بدول مجلس التعاون الخليجي من المياه الجوفية والصرف الصحي المعالج ومياه التحلية ومياه السيول كما يأتي: البحرين 295 مليون متر مكعب سنويًا، الكويت 0.9 مليار متر مكعب سنويًا، سلطنة عمان 1.4 مليار متر مكعب سنويًا، قطر 0.5 مليار متر مكعب سنويًا، السعودية 0.15 مليار متر مكعب سنويًا، الإمارات 3.0 مليارات متر مكعب سنويًا.

القادم خطِر

يستنتج دياب مما سبق أن الأوضاع ربما ستكون أشد قسوة مستقبلًا على دول الخليج، في ظل زيادة السكان وارتفاع الطلب على المياه، حيث يصل نصيب الفرد من المياه المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي سنويًا إلى 170 متراً مكعباً بالنسبة في البحرين، و100 متر مكعب في الكويت، و400 متر مكعب في سلطنة عمان، و100 متر مكعب في قطر، و300 متر مكعب في السعودية، و120 متراً مكعباً في الإمارات.

ويلفت دياب النظر إلى أن حفر الآبار هي الوسيلة الوحيدة للحصول على المياه من أهم مصادرها بدول مجلس التعاون الخليجي، لأن المياه الجوفية هي المصدر الرئيس للمياه العذبة في هذه الدول. يقول: quot;نظرًا للاعتماد الكبير على مخزون المياه الجوفية، فقد انخفض مستواها وزادت تكلفة حفر الآبار مع ازدياد العمق وارتفاع ملوحة المياه المستخرجة، والأملاح التي يتم الاعتماد عليها للحصول علىالمياه الجوفية في بعض دول الخليج، مثل الإمارات وسلطنة عمانquot;. يضيف: quot;أصبحت ظاهرة خفض المنسوب وازدياد عمق المياه الجوفية ظاهرة تكاد تكون عامة، ما يهدد مناطق كثيرة في دول مجلس التعاون بالجفاف والتصحر، بسبب زراعة مساحات واسعة بالقمح في فترات سابقة بالسعودية، وتركيز الزراعة في بعض المناطق بالإمارات على مصادر مياه جوفية من دون حساب الأثر السلبي لزيادة معدلات السَّحب على معدلات التغذيةquot;.

أما عن تجارب السدود، فيرى دياب أنها ظاهرة إيجابية، يجب التوسع فيها، من خلال دراسات متكاملة للظروف الجغرافية والمناخية والجيولوجية والهيدرولوجية، التي تؤدي إلى حسن اختيار موقع السدود، بما يؤدي إلى كفاءة حفظ مياهها والوقاية من أخطارها.

وبتناول دياب تحلية مياه البحر قائلًا: quot;من المعروف أن دول مجلس التعاون الخليجي هي أكثر دول العالم إنتاجًا للمياه المحلاة، وأن تحلية المياه المالحة تمثل أملًا كبيرًا لهذه الدول، بشرط ترشيد استخدام المياه والعمل على خفض تكلفة إنتاجهاquot;.

لا صيغة مثلى للتعاون

يتحدث دياب عن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لحروب المياه المرتقبة، موضحًا أن ما وضعته الأمم المتحدة في جمعيتها العمومية في العام 1997 من إطار سياسي لحل الأزمات المائية بين الدول quot;لا يؤدي بأي حال من الأحوال إلى حل هذه النزاعات، إذ أن المبدأ الذي قامت عليه هو التوزيع المنصف والعادل للمياه بين الدول، والالتزام بقاعدة عدم الضرر والتعاون بحسن النية والحفاظ على البيئة، وهو مبدأ مطاط وفضفاض وقابل لعشرات التأويلاتquot;. وأوضح أن ما يجري على سبيل المثال في حوض نهر النيل بين دول المنابع (أثيوبيا وكينيا وأوغندا وبوروندي ورواندا وتنزانيا) من ناحية، وبين كل من مصر والسودان كدول مصب من ناحية أخرى، وما تم إقراره سياسيًا في اتفاقية عنتيبي 2010، كان نموذجًا لاختلاف وجهات النظر حول هذه القواعد، وأدى ذلك إلى تعطيل مسألة استخدام الفواقد الكبيرة من مياه نهر النيل لصالح التنمية الاجتماعية والاقتصادية لشعوب دول حوض نهر النيل، من خلال مشروعات تنموية متعددة الأغراض.

أضاف دياب: quot;هناك العديد من النزاعات الأخرى، كحوض نهر مايكونج بين الصين وجيرانها، وحوض نهر دجلة والفرات بين تركيا وسوريا والعراق، ولهذه الصراعات ذات الطابع السياسي مردود فوري على خطط التنمية الاقتصادية للدول المشاركة في حوض مائي دولي، إذ تمثل المياه أهم عناصر التنمية، وتدهور خدمات المياه يعني تدهور خدمات الإنتاج الزراعي أو الكهربائي، ومن ثم تدني الخدمات بأنواعها، بما يهدد السلام الاجتماعي والاستقرار السياسي للدول المتنازعةquot;.

يحتاج العالم إلى المزيد من الضوابط الواضحة لحل النزاعات الحدودية على المياه، ويشير دياب إلى أن تعثر الأمم المتحدة في الحصول على توقيع أغلبية الدول على قانون دولي للأنهار والأحواض المائية دليل على صعوبة إيجاد صيغة مثلى للتعاون، لأن الاختلاف على مصادر المياه العذبة هو خلاف عميق والقادم سيكون أكثر تعقيدًا.