بغداد: بين مصدق وغير مصدق، وبين ساخر وجاد مؤيد، استقبل العراقيون قانون منع التدخين الذي اقره مجلس النواب العراقي يوم الخميس الماضي، كأنهم فوجئوا به على الرغم من ان الأخبار تطايرت قبل اشهر حول نية البرلمان مناقشة قانون لمكافحة التدخين.
لذلك وجد الكثيرون انفسهم ينظرون الى اصابعهم التي تحتضن السيكارة او يمدون ايديهم الى جيوبهم لتتحسس العلبة والولاعة، ويتأملون احوالهم في ظل المنع والعقاب الذي قد يطالهم، واكد عراقيون مدخنون انهم لم يهتموا للقانون وان العلاقة التي تربطهم بالسيكارة لن تتحول الى ازمة او ترك او طلاق، وان القانون سيزيدهم تمسكا بهذه اللفافة التي (تحنو) عليهم وتؤنسهم وحدتهم في لحظات الضيق والأسى والفراغ، وتهتم بأفكارهم اكثر من اي اهتمام للزوجة !! بل ان احدهم قال هازئا ومازحا طبعا انه قد يطلق زوجته ولا يترك السيكارة، وقال البعض انهم سيواصلون التدخين حتى لو اضطروا الى دفع غرامات، فيما شكك اخرون بتنفيذ القانون كون الذين ينفذونه مدخنين ولذلك سيكونون جميعا في نفس التيار وسيدخنون بمتعة واحدة !! فيما يرى غيرهم ان القرار صائب لأن الأمراض التي يسببها كثرت وان الوفيات تزايدت.
يذكر ان مشروع مكافحة التدخين حينما اعلن عنه قبل اشهر نال شيئا من السخرية والنقد من قبل جمهور المدخنين الذي وجدوا أن المشروع لم يأت في الوقت المناسب، معللين السبب في ذلك الى ان (الشعب ما زال يعيش في حالة تعيسة واصبحت السيجارة هي الوسيلة التي يتنشق من خلالها عبق مصيره المجهول ويعدّها وسيلة للتخفيف عن آلامه، وتنسيه بعض همومه في لحظتها)، واشار البعض الى انه (قانون غير موفق ولن يخدم الشعب وإنما سيحدث بعض الأزمات لأن السيطرة على تنفيذ هذا القانون لم تكن بالسهولة التي يتوقعها المجلس، فهو يحتاج الى زمن لمحاربة التدخين وفي ظروف تكون فيها نفسية المواطن مستقرة وغير مشوشة)، فيما رأى آخرون انه قانون يحد من حالة تلوث البيئة ومن قلة الذوق التي اصبحت رائجة فضلا عن الامراض التي يسببها التدخين بعد ان اكدت وزارة الصحة وجود اعداد كبيرة من انواع السجائر المسرطنة، اضافة الى انه سيحد من انتشار ظاهرة (الأركيلة) الخطيرة التي اصبحت لها مقاه خاصة في بغداد والمحافظات يرتادها الرجال والنساء.
يقول الدكتور كاظم المقدادي، الصحافي والكاتب وأستاذ الإعلام الدولي في جامعة بغداد: ربما نحن متأخرون في العراق نسبيا عن الدول التي اتخذت قرارات حاسمة في موضوع التدخين، في اسبانيا مثلا حتى في الشارع ممنوع التدخين بل وحتى في البيت، والقانون الذي صدر لم تتم المصادقة عليه وربما هناك بعض التعديلات عليه، لكنني اعتقد ان مدة ستة اشهر لدراسة هذا القانون ومراجعته ربما سيمرر بشكل نهائي.
واضاف: لايمكن الانكار أنه على المستوى الصحي التدخين يسبب مرض السرطان لكن المخيف في شركات التدخين العملاقة انها تكتب لك على غلاف علبة السكائر (التدخين يسبب السرطان) وانت تقرأ وتفتح وتدخن، ماذا يعني هذا؟ هذا بكل وضوح انها تضحك وتستهتر بمشاعر الناس وبوصايا الأطباء وبقرارات كثيرة صدرت من الجمعيات الطبية والصحية في العالم، هذه السخرية يجب ان ننتبه إليها، انت تقرأ هذا الاعلان البسيط ومن ثم تذهب وتدخن، اعتقد انه اخطر اعلان اذ ان هذه الشركات اجبرت على كتابته، ولكن خطورته في كون المدخن لا يستوعب ولا يندهش ولا يكترث بما يحمله من مضمون خطير .
اما لاعب كرة القدم الدولي السابق كريم صدام، فقال: انا اعتبره من القوانين الصائبة التي اتخذها البرلمان على الرغم من ان فيه بعض الفقرات التي كان من المفروض ان تراعي بعض خصوصيات الناس، ولكن من المؤكد ان القانون يراعي الحالة الصحية بصورة عامة، وكصورة خاصة رياضيا نحن نشجع مثل هذا القانون لأن الصحة مهمة بالنسبة إلينا وبالنسبة للمجتمعات، انا اعده من القرارات المهمة.
واضاف: وبغض النظر عما سيقوله البعض عن توقيته غير المناسب، ولكن لنعتبر تشريع القانون هو خط الشروع وبالتأكيد سيحتاج الى وقت لتنفيذه، كما ان بعض الناس ربما يعتبرونه شيئا كماليا وليس اساسيا، لكنني اعتبره اساسيا، وهذا ما سيشعر به الناس بعد مدة من الزمن .
ومن جهته قال السينمائي هادي ماهود: هذا قانون مهم جدا واتمنى ان يطبق اولا في البرلمان نفسه ومن ثم تفاجأ في الدوائر الصحية او مستشفيات الولادة او المستشفيات العامة تفاجأ ان التدخين يتم في الممرات، وفي الاماكن الضيقة من قبل الممرضين والمضمدين والعاملين في هذه المستشفيات وسط المرضى، وهذه حالة غير صحية بالطبع وهي تشعرنا بالحزن والأسى، لذلك ان القانون جيد تاما. كنت في احدى المرات في اليابان حيث يمنع التدخين حتى في الشارع، ومن يتم ضبطه يتعرض لدفع غرامة.
واضاف: اعتقد ان اغلب العراقيين يدخنون، ويعتقدون ان الحالة العراقية تتطلب التدخين لأن البعض يعتقد أنها وسيلة للهروب من هذا الواقع المر، لست ضد القانون بل معه، ولكن على البرلمانيين ان يصدروا قوانين اكثر جدوى يحتاجها المواطن، انا كنت مدخنا شرها ولكنني اكتشفت ان العملية لم تكن دخانا ونيكوتين بل هي تلذذ بامتاصاص السيكارة وطريقة مسكها، لانني عندما تركتها اكتشفت انني تخلصت من مشاكل كثيرة، وعندما مررت بحالات احباط فيما بعد لم ألجأ الى التدخين ثانية كحل.
وقال علي حسين، مدير تحرير جريدة المدى: انا اعتقد ان اولويات المواطن العراقي هي القوانين الكثيرة التي تعطلت لمدة ثمان سنوات، ولكن مجلس النواب احيانا يصدر قرارات انا اعتبرها جزءا من القرارات الكوميدية في هذا الوقت بالذات، صحيح انني لست مدخنا وضد التدخين واعتبره شيئا مضرا للصحة، ولكن هل تتمثل اولويات العراق اليوم في تدخين المواطن في الاماكن العامة، اولويات العراق الآن ان لا يسرق المال في الأماكن العامة، ان لا تسرق ثروة العراقي في الأماكن العامة، وفي مؤسسات الدولة، انا اعتقد لو ان هناك قانونا يمنع السرقة ويمنع استغلال المال العام ويمنع المحسوبية ويمنع الامتيازات السياسية، لكان استقبله العراقيون بشكل افضل وبحب وتشجيع واكبار لمجلس النواب، لكن المجلس يعجز عن زيادة رواتب المتقاعدين ويعجز عن مناقشة رواتب الموظفين لكنه يشغل الناس ويشغل نفسه بمثل هذه الاشياء.
واضاف: انا اعتقد ان توقيته غير صحيح، انا اعتقد ان قانونا كهذا يجب اقراره عندما تتحسن احوال العراقيين، عندما تقر قوانين مهمة، نحن نوصي بعدم التدخين في حين المؤسسات الصحية سيئة، وليست لدينا مستشفيات مهمة واختصاصية، وحتى في مجال مرض السل الذي انتشر في العراق بشكل خطير ليس لدينا ما نعالجه به، كان المفروض ان يركز البرلمان على الزام الدولة ببناء المؤسسات الصحية والقيام بتوعية الناس ومن ثم اصدار مثل هكذا قوانين.
وقال الاعلامي عماد جاسم، من قناة الحرة: اغرب شيء في برلماننا وفي بلدنا انهم يفكرون بطريقة وكأنهم في بلد منعم مترف بالعديد من القوانين والتشريعات التي تخدم الانسان بحيث وصل الترف الى البحث عن هذه الجوانب الكمالية، اعتقد انهم يريدون ان يقولوا (نحن نشرع)، والا اين الضمان الصحي واين القوانين التي تخص تحقيق العدالة الاجتماعية، اين قوانين الصحة، فأي مستشفى تدخله تجده يعاني من كل النواقص في الدنيا، والان يلتفتون الى موضوع التدخين .. يا للسخرية.
واضاف: لو اجريت احصائيات عن الأشخاص الذين يموتون بسبب امراض اخرى غير امراض التدخين والذين يموتون بسبب عدم تلقي العلاج او الاهمال او يذهبون الى بلدان غير متطورة ومستشفيات غير جيدة، لوجدنا ان الاعداد اكبر مما نتصور، وهناك فساد في اختيار الهند ودول اخرى للعلاج، هذا مما يجب ان يعاد النظر فيه، لذلك كان على البرلمان ان ينتبه الى الواقع الصحي في العراق والى المؤسسات الصحية .
اما الشاعر محمد جبار حسن فقال: انا مع هذا القانون جملة وتفصيلا وأضم صوتي الى من فكر ومن اصدر واوعز بتنفيذه لأن فيه انعكاسات رائعة جدا على البيئة وعلى صحة الانسان، فهناك بعض الناس، مع شديد الأسف، وبكل ما يملكون من ثقافة ووعي الا انهم لا يتورعون عن ايذاء الآخرين كأن يدخن في باص عام او في غرفة مغلقة، ولا يراعون حقوق الآخرين، فمن حقه ان يتمتع بحريته ولكنه ينسى ان حريته تنتهي حيث تبدأ حرية غيره، اتمنى ان تنتشر هذه الثقافة وان نكون واعين في تطبيقاتها.
واضاف: صحيح ان كل قانون يلاقي صعوبات في بداية تنفيذه الا اننا سنجد أنفسنا مع مرور الزمن مع الشيء الصحيح في الحياة، وما دام هذا القانون مجديا وبالاتجاه الصحيح لخدمة البيئة وخدمة الصحة فكلنا معه. انا اعتبر الاعتراض على توقيته مجرد هروب العاجزين، فأين نتكمن التسلية بالتدخين؟ هل تحل مشكلة؟ إن كانت السيكارة تحل مشكلتي فسوف ادخن 20 علبة، اعتقد إن هذا هروبا، ولكنني افسر ذلك بالادمان، كأي مادة اخرى يتعاطاها الانسان، اتمنى ان يتلقى الناس القانون والمدخنون بصورة خاصة برحابة صدر لأن انعكاساته ستكون عليهم اولا، لأنه أثبت علميا ان هناك مدخنا سلبيا يقع عليه الضرر من المدخن، فما ذنب هذا الانسان ليتعرض للايذاء من قبل غيره، وحين تحالجه يقول (حرية شخصية) واذن لماذا لا تحترم حريتي الشخصية انا الذي لا ادخن؟ اعتقد ان الناس الذين سيعترضون سيجدون ان النتائج الايجابية تلقي بظلالها عليهم قبل غيرهم ويتمتعون بصحة.
وتابع: معي مجموعة من زملاء يدخنون في داخل الدائرة التي نعمل فيها، فكان لي اقتراح ان نضع صندوقا خاصا بالمدخنين، وكل مدخن منهم يريد التدخين في الغرفة ان يضع مبلغ (250) الف دينار ونجمعها لنشتري معطرا للجو !!.
مسك الختام كانت وقفة مع الطبيب الدكتور مجيد كاظم حسن الذي قال: لو اردت ان اتحدث إليك عن مخاطر التدخين لما انتهينا، لان الاضرار التي يسببها التخين لا نهاية لها، لذلك انا مع القانون الذي شرعه مجلس النواب يوم الخميس عسى ان يقلل من هذه المخاطر وعسى ان يردع الناس وينبههم بشكل حقيقي الى هذا السلوك الذي يعد آفة العصر بامتياز بلا بمنازع، وكما يقال ان مخاطره تتجاوز القوة التدميرية لعدة قنابل ذرية، حيث تحتوي السكائر في تكوينها مادة النيكوتين وهي السم الزعاف القاتل ببطء، وهو الذي يعبد الطرقات إلى أنواع السرطانات المختلفة، فضلا عن الاضرار الكثيرة الاخرى، ويكفي دليلاً على قوة التدمير ان عدد ضحايا التدخين يصل إلى حوالي ثلاثة ملايين إنسان سنويا، وتؤكد مراكز الابحاث الطبية ان هذا العدد سيرتفع إلى إن يصبح عشرة ملايين سنويا في العالم عام 2020، اما تلك الشركات العالمية التي تصنع السكائر وتبيعها وتصدرها وتكسب الملايين منها ومن ثم تكتب على العلبة (التدخين ضار جدا بالصحة او انه يسبب امراض السرطان ) بكل لغات العالم، فليس ذلك لحرصها على صحة الانسان، بل من اجل ان تحفظ نفسها قانونيا.
واضاف: انا ارى ان قانون منع التدخين الذي اقره البرلمان صائب جدا، لأن التدخين اصبح عادة متوارثة بين الرجال والنساء بل ان هناك ابتكارات غريبة له مثل مقاهي النارجيلة، فضلا عن اختلال الذوق العام واصبح الجميع يدخنون دون الالتفات الى حرية الآخر بل ان الآباء والأمهات يدخنون في غرفهم التي تجمعهم بأطفالهم مما يؤثر سلبا على صحتهم.
وكان مجلس النواب العراقي قد شرّع قانون مكافحة التدخين الخميس الماضي حيث جاء في الأسباب الموجبة لهذا القانون انه (لغرض حماية المواطنين من الأخطار الصحية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية من جراء التدخين والتعرض لدخانه ولتجنب الآثار المدمرة له، ومن اجل تحقيق مجتمع صحي خال من التدخين).
ونص القانون في مادته الرابعة على منع التدخين داخل مباني الهيئات الرئاسية والوزارات والدوائر والمؤسسات التعليمية والتربوية والصحية والمطارات، والشركات، والمصانع في المحافظات كافة، إضافة إلى المسارح ودور العرض والفنادق والنوادي والمطاعم وقاعات الاجتماعات ووسائط النقل العام والخاص الجماعية البرية والبحرية والجوية في الرحلات الداخلية والخارجية، فضلا عن محطات الوقود كافة.
وأشارت المادة السادسة من القانون الى quot;منع الترويج للتدخين بصورة مباشرة أو غير مباشرة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والمؤسسات الثقافية والرياضية ودور النشر والتوزيع ومكاتب الدعاية والإعلانquot;، فضلا عن quot;منع الصغير والحدث من التدخين أو ممارسة مهنة بيع وشراء التبغ ومشتقاتهquot;.
كما أكد القانون في مادته التاسعة quot;حظر استيراد وتصنيع أي نوع من أنواع التبغ او منتجاته تزيد نسبة النيكوتين فيه عن (0.8) ملغم والقطران عن (12) ملغم بناء على تقرير صادر عن جهاز التقييس والسيطرة النوعيةquot;. وتشير المادة الـ17 من القانون على أن quot;يعاقب من يدخن في الأماكن العامة المحددة في المادة الرابعة من هذا القانون بغرامة قدرها عشرة آلاف دينارquot;.
التعليقات