منذ بداية الثورة السورية، صدرت أوامر مباشرة إلى رؤساء الجامعات لفصل ومعاقبة كل من تثبت مشاركته في المظاهرات الشعبية، وحرمانه من العام الدراسي.


دمشق: في الوقت الذي لا يفوت فيه نظام الأسد أي تجمع أو منظمة أو هيئة اجتماعية أو سياسية أو شبابية أو نقابية للتأكيد على دعمها المطلق واللامحدود لنظامه، والمباهاة بالانتماء الفكري لشخصه، بعد أن غاب رفع علم حزب البعث إلى جانب علم البلاد، إلى فترة وجيزة، لتعزيز الولاء للوطن، فأضحى العلم السوري الآن موشوماً بصورة بشار الأسد بين نجمتيه الخضراوين، وتحته كلمة (منحبك) التي تعني باللهجة الدمشقية (نحبك)، ورغم مساعي بعض أبناء الضباط وبعض الأقليات لممارسة التشبيح الإعلامي والالكتروني لدعم بشار الأسد، إلا أن النظام، الذي تغول على شعبه، لا يجد حرجاً من معاقبة كل من تسول له نفسه شق الطاعة والخروج عليه، ومعاقبة حتى المنظمات والهيئات نفسها!؟

وزارة التعليم العالي في سورية، وهي المسؤولة عن التعليم الجامعي وما بعده، كانت قبلة النظام الخفية لعقاب الشباب الثائر في مختلف المحافظات السورية، وبالذات تلك التي تشهد انتفاضات قوية ضد النظام. فمنذ بداية الثورة السورية، صدرت أوامر مباشرة إلى رؤساء الجامعات لفصل ومعاقبة كل من تثبت مشاركته في المظاهرات الشعبية، وحرمانه من العام الدراسي، وتكليف ما يسمى الاتحاد الوطني لطلبة سورية، وهو المنظمة البعثية المخصصة لشباب الجامعات، ويقودها ثلة من أكثر الفاسدين جموحاً ضمن أركان الدولة، وكان يترأسها حتى وقت قريب صديق بشار الأسد المقرب، عمار ساعاتي، أوكل إلى هذه المنظمة مهمة مراقبة جميع الطلاب وتحركاتهم ومنعهم من إجراء أي مظاهرة داخل الحرم الجامعي، وكانت جامعة حلب الاستثناء الوحيد الذي فشل الاتحاد البعثي بقمع التظاهر فيها، رغم تأخر المدينة ذاتها (حلب) عن الخروج في ركب الثورة السورية، إذ بدأت الاحتجاجات تخرج من الجامعة أولاً.

بعد الوشاية بأسماء الطلاب المتظاهرين وحرمانهم من دراستهم، تأتي الممارسات لحرمان طلاب المحافظات المشتعلة (حماة- حمص- إدلب) من التقدم إلى امتحانات العام، ومن ثم تأجيل الامتحان طوال العام بحجة عدم توفر الشروط الأمنية المناسبة، وبالتالي حرمان المؤيدين أيضاً، لكن وزارة التعليم العالي السورية سمحت للطلاب بالتقدم إلى الامتحانات في كل من جامعتي حلب ودمشق اللتين تشهدان حراكاً أقل، قبل أن تعود وتؤجل عدة مرات خلال فترة وجيزة، لذات السبب والذريعة، وبالتالي معاقبة عشرات آلاف الطلاب من النجاح إلى العام التالي؟!

ثالثة أثافي وزراة التعليم العالي التي ما عادت تعبأ بدورها المجتمعي، هو التأخير المتعمد في إنجاز المعاملات الإدارية والطلابية التي من المفروض تمريرها إليها من قبل بقية الجامعات، فعلى سبيل المثال، ورغم عدم ابتعاد موقع جامعة دمشق عن الوزارة أكثر من خمس دقائق بالسيارة للوصول إليها، فإن أي معاملة، وبشهادة العديد من موظفي جامعة دمشق الذين يواجهون تذمر الطلاب الحانقين، تستغرق ما بين أسبوعين إلى شهر كامل، وهي تحتاج أصلاً إلى مجرد توقيع شكلي أو روتيني، ويعترف موظفو الوزارة وجامعة دمشق، على استحياء، أن من يقوم بعرقلة معاملات الطلاب ومعاقبتهم، هو معاون وزير التعليم العالي الحالي الدكتور ماهر قباقيبي، المخول حالياً بالنظر في بريد الوزارة، وتعطيل ما يمكن تعطيله من قرارات، وإلغاء ما يلزم منها أو إعادته إلى الجامعة صاحبة العلاقة، في ظل ظروف أمنية صعبة ومعروفة.

حتى مسابقة اختيار المعيدين لتعيينهم في ملاك الوزارة وإيفادهم للدراسة على نفقتها تم إلغاؤها عدة مرات وتأجيل موعدها منذ أكثر من عام، دون إبداء أي سبب أو مبرر، وهو الأمر الذي فهمه طلاب الجامعات على أنه quot;عقاب جماعيquot; تمارسه الوزارة باسم النظام لشعب كل ذنبه مطالبته بالحرية والديمقرطية، في بلد الحزب الواحد.. والقائد الأحد!