يرى محللون سياسيون أن تهديد الأكراد في إقليم كردستان العراق بإقامة دولة مستقلة ليس سوى تهديد من أجل ممارسة ضغوطات على الحكومة في بغداد لتحقيق مصالحهم، مشيرين في الآن ذاته إلى أن هذا الأمر حلم صعب المنال.


أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق

بغداد: استبعد محللون سياسيون عراقيون أن يقدم الأكراد على إقامة دولة لهم في إقليم كردستان العراق على الرغم من التصريحات التي تطلق من بعضهم بين الآونة والأخرى. مؤكدين أن الحلم الكردي بإقامة دولة مستقلة عن العراق ما زال قائماً، ولكنّ تنفيذه مستحيل، وهو أمر يدركه السياسيون الأكراد الذين يحاولون مغازلة الشارع لأسباب انتخابية أولا ومن ثم ممارسة نوع من الضغط على الحكومة المركزية في بغداد لتحقيق مصالحهم.

ومؤخرا قال كوسرت رسول، النائب الأول للامين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني في تصريحات لصحيفة كردية: quot;لقد حان الوقت لإعلان الدولة الكردية .. يجب على الأكراد أن يتحدوا بهدف إنشاء وإعلان الدولة الكردية .. وأن لا ننتظر أي أحد ليساعدنا، لأن إعلان الدولة هو الحق الشرعي للشعب الكردي .. وهذا القول جاء بعد (شائعات) أطلقت مؤخرا مفادها أن الأكراد سيعلنون دولتهم في أعياد نوروز الكردية، أي في 21 آذار/ مارس المقبل، وان ما يطلقه الأكراد بين حين وآخر هو لتأكيد مشروعية هذا الحلم واعتبار تحقيقه قريباً على الرغم من أن الواقع العالمي لا يسمح بذلك.

لا مؤشرات للانفصال

ويقول النائب عن التحالف الوطني، عبد المهدي الخفاجي: quot;إن الأكراد يرغبون في البقاء في العراق الواحد الفيدرالي، ولا توجد هناك أي مؤشرات لانفصالهم عن العراق، ولو كانت هناك رغبة لدى الأكراد في الانفصال سنعلن عنها، لكننا لم نلاحظ أي مؤشرات لانفصال الأكرادquot;.

من جانبه قال جمال كريم، مدير وكالة الأنباء الكردستانية (اكانيوز): quot;الكلام عار عن الصحة تماما لان الكرد كما أتابع في تاريخهم القديم والحديث، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن العشرين، الكرد اختاروا الانضمام إلى العراق، كان معروضا عليهم الانضمام إلى تركيا لكنهم رفضوا ذلك وانضموا إلى العراق، وحتى بعد هذا التحول السياسي الذي حصل في العراق عام 2003، في كل المحافل والمواقع يؤكدون أنهم جزء من العراق.. واختاروا العراق الفيدرالي التعددي الديمقراطي، بل اذهب أكثر من ذلك أن الكثير من السياسيين والمثقفين الكرد يقولون نحن والشعب العربي توأم، توأم في التاريخ والاقتصاد والدين وفي الحياة، لكن الكرد لهم لغة خاصة، كعرق، ولهم تراث كردي خاصquot;.

وأضاف: quot;هذا ليس تهديداً، فمن حق الشعوب تقرير مصيرها، وهذا الحق كفله الدستور العراقي أيضاً، لكن الكرد الآن لا يفكرون بالانفصال مطلقاً.

التحولات تعزز الحلم

أما الدكتور سعيد عبد الهادي، المحلل السياسي وأستاذ التاريخ في جامعة بغداد، فيقول: quot;اعتقد أن الحلم الكردي الأساسي منذ تأسيس الدولة العراقية على الأقل في ما يخص أكراد العراق هو تأسيس دولة كردية، وهذا لم يكن خفيا على الساسة العراقيين في العهد الملكي أو في العهود الأخرى التي تلت العهد الملكي وربما ما شاهدناه من اقتتال داخلي في العراق منذ لحظات تشكل الدولة العراقية إلى يومنا هذا يعزز هذا الرأي، لكن ما جعل الكرد في العراق يتوانون عن هذا الحلم هو الضغوط العالمية الدولية التي شاءت أن يتوزع الأكراد بين ما يقرب من خمس دول متجاورةquot;.

ويضيف: quot;ومن ثم التحولات في الشارع العربي على الأقل والعراق وسورية أتاحت للكرد في البلدين الحلم في تأسيس دولة كردية، وهذه شعارات مطروحة وحتى في الحملة الانتخابية الأخيرة في الإقليم وانتخابات تشكيل البرلمان العراقي كانت قضية الدولة الكردية مطروحة كشعار انتخابي للقوائم الكردية الرئيسة لأنها تعرف أنها من خلال هذا الشعار ستكسب صوت الكردي القومي، حيث الهاجس القومي مسيطر على الأغلبية العظمى من الكرد في مناطقهمquot;.

ويقول عبد الهادي: quot;وهذا لا يختلف فيه الكردي القومي عن الكردي الإسلامي الذي هو الآخر يحلم بتأسيس دولة كردية، إذاً .. على مستوى الحلم هذه القضية مطروحة منذ تأسيس الدولة العراقية، أما على مستوى الواقع فإن المعادلات الدولية هي التي منعت تأسيس دولة كردية، ومن ثم نحن كعرب عراقيين ليست لدينا مشكلة مع تأسيس دولة كردية، ولكن المشكلة لدى الكرد أنفسهم، أي أن العراق لن يخسر كثيراً بتأسيس دولة كردية مجاورة له طالما أن هذا التأسيس يأتي استجابة لرغبات ومشاعر أبناء الشارع الكردي، وهي بالتالي رغبات ومشاعر محترمة مثلما لنا الحق في الدفاع عن حقوقنا بتأسيس دولة على أساس قومي، فللكرد حقهم وهو حق مشروعquot;.

ويتابع: quot;ولكن هل يستطيع الكرد تأسيس هذه الدولة؟ وهذا هو السؤال المركزي، هل يستطيع الكرد إقناع العالم بضرورة أن تكون لهم دولة قومية تنطلق في كردستان؟، لقد تشكلت كما نعلم كردية وكانت عاصمتها في إيران، ولكن سرعان ما تلاشت هذه الدولة الكردية تحت تأثير المجريات العالمية وليس بسبب الطرفين العراقي والإيراني، الآن المعادلة أصعب بكثير، ثمة مصالح لروسيا وتركيا فضلاً عن إيران في عدم إقامة كيان كردي في هذه المنطقةquot;.

وأضاف: quot;الكرد ومنذ سقوط نظام صدام حسين هم الطرف الأكثر قوة والأكثر إفادة من الوضع العراقي الحالي، ومن ثم إن بقاءهم في الدولة العراقية هو بقاء جزء منه لإفادة كردستان، وقد استفاد الكرد وعوضوا كثيرا من خسائرهم التي تسبب بها النظام السابق وكانت فائدتهم في أحيان كثيرة على حساب القوميات الأخرى، إن كانوا التركمان أو العرب، فبقاؤهم في الدولة العراقية مفيد لهم الآن، لكن الزعماء السياسيين يلعبون، وهي لعبة مشروعة، بورقة الدولة الكردية لإرضاء الشارع الكرديquot;.

ومضى: quot;ولا أتوقع أن الزعماء السياسيين الكرد غير مدركين لعبة التوازنات التي تمنع تشكيل هذه الدولة الكردية، العراق الآن اضعف من ان يضغط باتجاه تشكيل او عدم تشكيل الدولة الكردية، إنما القرار يعود للزعماء الكرد أنفسهم واعتقد أنهم يدركون أن العالم المجاور على المستوى الإقليمي والعالم الأوسع يرفض تأسيس كيان كردي في هذه المرحلة، وربما في أزمنة أخرى يستطيع الكرد الوصول إلى هذا الحلم الذي أستطيع أن أقول إنه حلم فيه الكثير من السذاجةquot;.

بالونات الإستقلال

ومن جهته، قال الدكتور كاظم المقدادي، الصحافي وأستاذ الإعلام الدولي في جامعة بغداد: quot;أنا أتذكر أن السيد فؤاد معصوم قال ذات مرة (إن هذا حلم)، أن يكون هناك استقلال وان يكون هناك إقليم كردي مستقل أو وطن للأكراد، هذا حلم، وهذا الحلم ربما هكذا يفهمه الأخوة في (الاتحاد الوطني) لكن ربما في (الحزب الديمقراطي الكردستاني) الذي يرأسه مسعود البارازاني، غير ذلك، فهم يفكرون أن هذا الحلم ربما يتحقق في يوم من الأيام، أنا اعتقد أن هناك من يطلق بالونات الاستقلال، على أساس أن يوم عيد نوروز (21 اذار/ مارس) سيكون إعلانا للاستقلال كما سمعنا في الأخبار وربما هي شائعات يطلقونها متعمدينquot;.

وأسهب المقدادي: quot;اعتقد أنها نوع من الضغوط السياسية على الدولة الاتحادية كي تتساهل في موضوعات كثيرة خاصة بما يتعلق بموضوع النفط وحرية تصديره، لاني اعتقد الآن انه ليس من السهولة جدا أن تعلن دولة كردية في هذا الوضع المتأزم في سورية وتركيا وإيران وفي العراق أيضا، الدولة عندما تعلن، لابد أن تعلن في مناخ صحي ومناخ طبيعي ومناخ مستقر، وهذه العوامل غير موجودة، فكيف تولد دولة بهذا المناخ المتأزم، اعتقد أن هذا ليس حلما وإنما هو الآن يبدو لي كارثة إذا ما أعلنت هذه الدولة، كارثة على الأكراد قبل ان تكون على العراق وعلى المنطقةquot;.

واضاف: quot;اعتقد أن شائعات الانفصال هي نوع من الضغوط السياسية على الحكومة الاتحادية كي تذعن لبعض المطالب الكردية خاصة في ما يتعلق بموضوع المادة (140) وقضية كركوك والمناطق المختلف عليها، وهم يقولون المتنازع عليها، وكأن دولة تنازع دولة، وهذا خطأ طبعا، اعتقد أنها نوع من الضغوط، والأخوة الأكراد دائما يمارسون ضغوطا على الدولة الاتحادية كي ينعموا بما كانوا ينعمون به في زمن النظام السابق، حيث إنهم منذ العام 1991 إلى العام 2003 كانوا بعيدين عن السلطة، هم يريدون الآن أن يكونوا بعيدين أيضا أو أحيانا يريدون ان يستفيدوا من هذه الدولة المركزية، وفي الوقت نفسه يريدون الانعتاق منهاquot;.

عملية ضغط وخارطة كبيرة

أما الكاتب والمحلل السياسي عبد الامير المجر فقد قال: quot;لاشك أن حلم الدولة الكردية موجود عند الأكراد منذ بعيد، منذ تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في مهاباد عام 1946 عندما كانت الخارطة الكردية القومية موجودة والعلم موجود الذي هو نفسه الآن، ولكن في اعتقادي أنا كقارئ سياسي أن ما يقوم به الأكراد هو عملية ضغط وطرح خارطة كبيرة كي يحصلوا على الخارطة الممكنة، أي أن الخارطة الحالية هي وسيلة ضغط لخارطة ممكنة باستخدام مختلف أدوات الضغط، لأنه طالما الولايات المتحدة الأميركية خرجت من العراق دون أن تعطيهم (كركوك) فأعتقد أن من الصعب بل من المستحيل أن تكون كركوك ضمن كردستان، لاسيما أن عملية التوازن الدولي والموقف التركي والموقف الإيراني، بالإضافة إلى الموقف العراقي، لذلك لا اعتقد ان الامر قابل للتنفيذquot;.

وأضاف: quot;الأكراد يقولون نحن ما لم نكن شركاء، وفق طريقتهم طبعا وهم لديهم تطلعات بالانفصال ، ولبكن الواقع الدولي لايسمح لهم، والتهديد نوع من أنواع الضغط، لكن الحكومة العراقية والقادة السياسيين العراقيين يدركون جيدا أن التهديدات الكردية غير واقعية، لأن معطيات الواقع السياسي للمنطقة لا يسمح بتنفيذ هذه التهديداتquot;.