تحركات إيران الأخيرة تبيّن مدى الضغوط التي يتعرّض لها قادتها

تشير الأدلة والأحداث التي وقعت في الفترة الأخيرة إلى غياب القدرة لدى القادة الايرانيين على التنبؤ حول السياسة التي ينتهجها الغرب في العقوبات المفروضة عليهم. وكان الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد قد أعلن أن بلاده تشهد أحدث تطور نووي.


القاهرة: تشير سلسلة الإيماءات العدائية التي قامت بها ايران هذا الأسبوع، كمحاولات الاغتيال التي استهدفت مواطنين إسرائيليين يعيشون في الخارج ونسبت إلى طهران وتجدد الموقف بشأن برنامجها النووي والتهديدات الأخيرة بالانتقام على الصعيد الاقتصادي، إلى أن القادة الإيرانيين يردون بشكل محموم، وبعدم قدرة متزايدة على التنبؤ، حول سياسة التشديد التي ينتهجها الغرب في العقوبات التي يفرضها على الجمهورية الإسلامية.

وفي الوقت الذي كشف فيه محققون عن أدلة جديدة تثبت تورط ايران في الهجمات التي وقعت هذا الأسبوع في تايلاند والهند وجورجيا، أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ما قال إنه أحدث تطور نووي تشهده بلاده، كما هدد وزير النفط الإيراني بأن يبادروا إلى فرض حظر على النفط لأوروبا من خلال قطع المبيعات لست دول هناك.

وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن محمد سهيمي، المحلل والأستاذ في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، قوله: quot;هذه جميعها أوجه للرسالة نفسها. وإيران تقول (إن قمتم بمهاجمتنا، فإننا سنرد، ونحن لن نضحي ببرنامجنا النووي)quot;.

وجاءت تلك التصرفات والتصريحات الإيرانية في الوقت الذي تراقب فيه الحكومات الغربية عن كثب الإشارات الدالة على ردة فعل ايران تجاه العقوبات المغلظة التي فرضتها. بيد أن نوايا قيادة ايران المنقسمة، من المعروف أنها من الصعب أن تكون دينية، وحتى في الوقت الذي أعلن فيه نجاد أن quot;حقبة الدول المستأسدة قد ولّتquot;، فإن مسؤولا إيرانيا آخر قال إن طهران مستعدة لإجراء محادثات جديدة بشأن القضية النووية.

وأكدت من جانبها، الأربعاء، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاترين أشتون، أنها تلقت رداً من مسؤول إيراني كبير بخصوص دعوتها للتفاوض بشأن مستقبل البلاد النووي. وذكرت محطة quot;العالمquot; التلفزيونية الإيرانية في هذا السياق أن طهران quot;عرضت إجراء محادثات جديدة بشأن برنامجها النووي بصورة بناءةquot;.

وقد تعامل المسؤولون الأميركيون بحذر مع ذلك العرض، وقالوا إنهم لم يلمسوا جدوى تذكر سواء في تهديدات النفط أو في إعلان نجاد أن بلاده تملّكت أجهزة طرد مركزي جديدة قادرة على تخصيب اليورانيوم على نحو أسرع. وقالت فيكتوريا نولاند، متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، إن التعليقات التي أدلى بها الرئيس أحمدي نجاد بدت وكأنها موجهة في معظمها إلى الجمهور المحلي. وتابعت حديثها بالقول: quot;يضع الإيرانيون منذ عدة أشهر جداول زمنية للأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، ووفقاً لجداولهم الزمنية، فإنهم ما زالوا بعيدين بمدة تقدر بعدة أشهرquot;.

كما لفتت الصحيفة إلى أن التهديد بوقف مبيعات النفط الإيراني لستّ دول أوروبية لن تحظى بتأثير كبير. فيما أشار جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض، إلى أن الاتحاد الأوروبي فرض حظراً على تعاقدات النفط الجديدة مع إيران الشهر الماضي، وقال إنه سيوقف جميع وراداته اعتباراً من أول تموز/ يوليو المقبل.

وأوضح كريم سجادبور، الخبير المتخصص في الشأن الإيراني بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن التحركات العدائية التي تقوم بها إيران تؤكد بالفعل ضعف موقفها. وأضاف: quot;إن جاز لي أن أشبه الأمر، فإني سأقول إن إيران تميل للتحدث بصوت عال، لكنها تحمل عصا صغيرة. فالهجمات الإرهابية التي نسبت لها أظهرت عجزاً أكثر من خوف، وما أعلنوه بخصوص تقدمهم النووي ربما كان مبالغاً فيه، وتهديدهم بأن يبادروا بخطوة وقف صادرات النفط لأوروبا اتضح أيضاً أنها خدعة أخرىquot;.

هذا وبدأت تشير أدلة متزايدة إلى أن التفجير الذي وقع هذا الأسبوع وأصاب أربعة أشخاص في نيودلهي، بمن فيهم زوجة دبلوماسي إسرائيلي، وكذلك القنابل التي تم اكتشافها في تبييليسي في جورجيا وبانكوك كانت جزءا من مؤامرة واحدة، حمَّلتها إسرائيل لإيران. فيما نفى المسؤولون الإيرانيون ضلوعهم في أي شكل من الأشكال في تلك الهجمات.

وفي إسرائيل، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن الحوادث أظهرت السبب وراء ضرورة وضع جميع الدول quot;خطوطا حمراء ضد الاعتداء الإيرانيquot;. وتابعت النيويورك تايمز بقولها إن تلك التطورات الأخيرة تعني لبعض المحللين أن القائد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، يحمل عمداً بشدة على الغرب، رغم عدم وضوح الرؤية بشأن ما إن كان ينوي الانتقام أو شن هجوم محدود مع إسرائيل.

كما حذر بعض المحللين من التعامل مع التطورات الأخيرة على أنها إشارات دالة على حدوث تغير جديد في الموقف الإيراني، موضحين أن إيران مجزأة سياسياً الآن أكثر مما سبق، وأن قادة البلاد يتعمدون في الغالب إرسال رسائل مقسمة. وقال هنا كيلي غولنوش نيكنيجاد، رئيس تحرير موقع quot;طهران بيروquot; الإخباري: quot;إن كان سيقوم الإيرانيون بتنازل، فإنهم سيفعلون ذلك وراء الكواليس. فالحكومة الإيرانية غالباً ما تقول ثمة شيء في العلن وتقوم بشيء مختلف تماماً في القنوات الدبلوماسيةquot;.

وبينما بدا أن إيران تشير إلى وجود نية لديها في بدء مزيد من المحادثات بشأن ملفها النووي، كما ورد في الخطاب الذي بعث به سعيد جليلي، كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، لأشتون، رفض بعض المحللين والدبلوماسيين تلك النبرة، مضيفين quot;معروف عن جليلي تقدمه بعروض تتمسك بالعموميات وتجنب أي مناقشات محددةquot;.