الرئيس بشار الأسد يستمر بالقمع من أجل البقاء

رغم وعود بإجراء استفتاء الأسبوع المقبل على الدستور الجديد، يبدو أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد قد اتخذ قراراً واضحا في الاستمرار باللجوء إلى القمع من أجل البقاء، واعتبر محللون أن الخيار الوحيد أمامه هو الخيار العسكري للتقدم إلى الأمام.


بيروت: الهجوم العسكري الذي شنّه الرئيس السوري بشار الأسد ضد مناطق يسيطر عليها المعارضون، يوحي بأن بقاء نظامه يرتكز على القمع بدلا من الإصلاح، على الرغم من وعده بإجراء استفتاء الأسبوع المقبل على دستور جديد يمكن أن يعيد تشكيل السياسة الداخلية، كما يقول المحللون.

في هذا السياق، نقلت الـ quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; عن بلال صعب، خبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد مونتيري للدراسات الدولية في كاليفورنيا، قوله إن quot;الأسد لا يملك طريقاً آخر سوى أن يتجه إلى الأمام، فالحل العسكري هو خياره الوحيدquot;. وأضاف: quot;قد لا يربح في نهاية المطاف، لكنه لا يريد الذهاب من دون قتالquot;.

تشهد سوريا هذه الفترة أسوأ مراحل من العنف منذ اندلاع الثورة الشعبية قبل نحو 11 شهرا، إذ عمد النظام السوري إلى قصف معقل الثوار في مدينة حمص، ثالث أكبر المدن السورية، وغيرها من البلدات في محافظة ادلب الشمالية، بالقرب من دمشق، وذلك باستخدام الأسلحة الثقيلة كالدبابات وقذائف الهاون.

ارتفعت أعداد الضحايا بشكل هائل، إذ تشير بعض الأرقام إلى أن عدد القتلى يصل إلى أكثر من 100 في يوم واحد، الأمر الذي أدى إلى ردة فعل من المعارضة التي بدأت بشن الهجمات المضادة والكمائن، تحديداً الجيش السوري الحر، ما أدى إلى اتجاه الثورة نحو العنف، وبدأت أعمال القتال تطغى على مسيرات الاحتجاج السلمي، وتهمّش إلى حد ما، الجماعات السياسية المعارضة في الخارج.

توقيت تكثيف الحملة الأمنية للنظام يتزامن مع الأزمة الدبلوماسية بعد الفشل الأخير لمجلس الأمن في الأمم المتحدة في التوصل إلى اتفاق على قرار يدين أعمال العنف في سوريا. وقد اعترض على القرار، الذي حصل على 13 صوتاً من أصل 15 في مجلس الأمن، كلّ من روسيا والصين.

من جهته، يقول أندرو تابلر، خبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن quot;الأسد يعتقد أن لديه الدعم الروسي لما يسميه النظام السوري (الحل الأمني)، جنباً إلى جنب مع سلسلة من التغييرات الإجرائية للدستور التي يهدف النظام إلى تقديمها للشعب على أساس أنها إصلاحاتquot;.

استفتاء 26 شباط (فبراير)

أعلنت سوريا أمس انه سيتم إجراء استفتاء يوم 26 شباط (فبراير) لوضع دستور جديد للبلاد، من شأنه أن يقدم بعض التغييرات الجذرية في حال تمت الموافقة عليها وتنفيذها بالكامل.

يقترح الدستور الجديد إلغاء المادة 8، التي تكرس حزب البعث حاكماً في سوريا، ما يفتح الطريق أمام سياسة التعددية الحزبية.

لكن الأحزاب السياسية المبنية على أساس العرق والدين ممنوعة في سوريا، ما يعني أن الجماعات الكردية أو جماعة الإخوان المسلمين لن يسمح لهم بالترشح للانتخابات. وسوف يتم الإبقاء على شروط كرسي الرئاسة الذي يتطلب مرشحاً quot;يكون رجلاً مسلماً، يشغل المنصب لمدة سنتين إلى سبع سنواتquot;.

ونقلت الصحيفة عن الأسد قوله ان الدستور الجديد هو quot;أهم مرحلة من الإصلاحات ويعد بمستقبل باهر للأجيال المقبلةquot;.

يشار إلى أن الاستفتاء هو الأحدث في سلسلة من الإصلاحات الموعودة التي أعلنت عنها الحكومة السورية منذ بدء الاضطرابات في آذار (مارس) الماضي. وتشمل مبادرات الإصلاح السابقة إلغاء محاكم أمن الدولة ورفع قانون الطوارئ الصارم المفروض منذ العام 1963، عندما استولى حزب البعث على السلطة عبر تنفيذ انقلاب.

تنظر جماعات المعارضة باحتقار إلى وعد الأسد بوضع دستور جديد، وتعهدت مقاطعة الاستفتاء معلنة عن أن الأوان قد فات لعملية الإصلاح في سوريا.

دعت لجان التنسيق المحلية، وهي مجموعة نشطاء معارضة، السوريين إلى quot;رفض ومقاطعة الاستفتاء المزعوم للتأكد من عدم وجود دعم شعبي لهذا النظام الاجراميquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أنه من غير الواضح أيضاً كيف يمكن تنظيم استفتاء وسط الاضطرابات التي تجتاح معظم أنحاء البلاد.


الدفع لنشر قوة حفظ السلام التابعة للامم المتحدة

على الرغم من انتهاج الأسد حملة مكثفة ضد مراكز المعارضة في سوريا، إلا انه لا يستطيع تجاهل العزلة الدبلوماسية شبه التامة التي تعاني منها سوريا، ومخاوف أنصاره على مستقبل الاستقرار في البلاد. ولهذا يأتي الاعلان عن الاستفتاء في محاولة لإبقاء النظام على قيد الحياة في ما يشبه عملية سياسية لانهاء الأزمة، كما يساعد في الحفاظ على دعم حلفاء سوريا مثل روسيا والصين.

رحّب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالاستفتاء، وقال quot;نعتقد بالتأكيد ان وضع دستور جديد لإنهاء حكم الحزب الواحد في سوريا هو خطوة الى الامامquot;.

لكن روسيا والصين هما الأصوات المنفردة التي تدعم الأسد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ومنذ الاعتراض على قرار مجلس الامن الدولي يوم 4 شباط (فبراير)، بدأ البحث في سبل تطوير برامج الغرب والحلفاء العرب، من أجل التوصل إلى مجموعة من الإجراءات البديلة للمساعدة في حل الأزمة.

يوم الاحد الماضي، اعترفت جامعة الدول العربية رسمياً بالمعارضة السورية، وطلبت من مجلس الأمن الدولي نشر قوة لحفظ السلام في سوريا. لكن من غير المرجح أن يقبل نظام الأسد وجود قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة على الاراضي السورية.

وتشمل الخيارات الأخرى توفير الدعم اللوجستي للجيش السوري الحر، مثل المعلومات الاستخبارية، معدات الاتصالات، والأسلحة والذخائر لمساعدة هذه القوة الوليدة على شنّ حملة استنزاف لإنهاك الجيش السوري.

لكن مجموعة الجيش السوري الحر تعمل بطريقة مستقلة ومحلية الى حد كبير، كما انها تفتقر إلى نظام مسيطر وقيادة متماسكة. وعلاوة على ذلك، يقول الدبلوماسيون إن تهريب كميات كبيرة من الأسلحة ومعدات الاتصالات إلى سوريا للوصول إلى كتائب الجيش السوري الحر سيكون مهمة صعبة للغاية.

quot;أصدقاء سورياquot; يجتمعون الأسبوع المقبل

في هذه الأثناء، يعلق المجتمع الدولي آمالاً كبيرة على أفكار جديدة ستطرح خلال اجتماع quot;أصدقاء سورياquot; يوم 24 شباط (فبراير) الذي تستضيفه تونس. وسيضم الاجتماع مجموعات المعارضة المتباينة، والأفراد، والدول العربية وتركيا والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة. لكن سوريا تواجه مخاطر انزلاق أعمق في العنف كلما طال تردد العالم حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة.

في هذا السياق، يقول تابلر: quot;رهان الأسد هو أن تمل المعارضة من أعمال القتل التي يمارسها النظام ضدها وتستسلم للتغيرات بصفتها أفضل صفقةquot;. ويضيف: quot;المشكلة الوحيدة التي تواجه الأسد هي أن المتظاهرين يستمرون في الخروج إلى الشوارع لأنهم يعرفون ان quot;الاصلاحاتquot; هذه لن تغير من الطريقة التي يعتمدها نظام الأقلية في حكم البلادquot;.