المجلس الوطني السوري يعاني انقسامات كثيرة |
بات من الواضح أن المجلس الوطني السوري، الذي يضم 270 عضواً، يواجه صعوبة في إخفاء الانقسامات التي يعيشها، والتي تظهر يومياً إلى العلن بأشكال مختلفة، في حين أعلنت وزارة الداخلية السورية عن موافقة غالبية ساحقة من السوريين، بلغت 89.4 %، على الدستور الجديد.
لندن: يلاقي المجلس الوطني السوري صعوبة متزايدة في التستر على انقساماته العديدة، حتى في وقت يلحّ فيه المجتمع الدولي على ضرورة بناء جبهة موحدة ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
وبات من الأسرار المكشوفة أن المجلس، الذي يضم 270 عضواً يمثلون خليطاً من الإخوان المسلمين والمثقفين العلمانيين والناشطين الشباب واتجاهات أخرى، لم يكن متماسكاً ذات يوم، رغم محاولات تصويره على أنه جبهة متلاحمة. وبدأت الخلافات مجدداً يوم الاثنين بالإعلان عن تشكيل مجموعة العمل الوطني السوري برئاسة المعارض السوري المخضرم هيثم المالح، وهو قاضٍ سابق، ظل ينتقل بين السجون السورية طوال عقود.
وسيركّز التنظيم الجديد جهوده على دعم المجموعات المشتتة، التي يتألف منها الجيش السوريّ الحرّ، والسعي إلى تسليحها مباشرة. ويحظى هذا التوجّه بدعم قوى إقليمية من العيار الثقيل، مثل المملكة العربية السعودية وقطر، ولكن المجلس الوطني السوري نأى بنفسه عن هذه الخطوة.
وأصدرت مجموعة العمل الوطني السوري بياناً قالت فيه: quot;إن طريقة العمل السابقة غير مجدية، لذلك قررنا تشكيل مجموعة عمل وطني، تهدف إلى تعزيز الجهد الوطني المتكامل لإسقاط النظام بكل الوسائل النضالية المتاحة، بما فيها دعم الجيش السوري الحرquot;.
ولكن بعد ساعات على ذلك قال وليد البني، عضو المجلس الوطني السوري، وأحد مؤسسي المجموعة الجديدة في تصريح لمجلة quot;تايمquot;، إن التنظيم الجديد ليس جديداً، وأكد quot;أنه ليس انشقاقًا، وليس فصيلاً جديداًquot;.
وأضاف في اتصال هاتفي من القاهرة، أن المجلس الوطني السوري يضم أعضاء من الإخوان المسلمين ومن إعلان دمشق، وهو يضم الآن مجموعة العمل الوطني، quot;فما هي المشكلة؟quot;.
تضم مجموعة العمل الوطني السوري نحو 20 عضواً، بينهم المعارض كمال لبواني، الذي أمضى الشطر الأعظم من العقد الماضي في السجن.
وأكد لبواني مجدداً أن تشكيل مجموعة العمل الوطني ليس انشقاقاً في صفوف المعارضة، ولكنه أشار إلى أن المجلس الوطني السوري لم يحقق الكثير. ونقلت مجلة تايم عن لبواني قوله:quot;إننا لن ننتظر، وشعبنا يموت، بل علينا أن نسلح الجيش الحرquot;. وكرر القول إن إعلان تأسيس مجموعة العمل الوطني ليس انشقاقاً، بل إن المجلس الوطني السوري quot;مجلسنا، ولكننا لن نقف متفرجينquot;.
وقال رئيس المجلس برهان غليون من جهته لقناة الجزيرة، إن هذا ليس وقت الانقساماتquot;، وإنه من غير المقبول أن تنخر الانقسامات صفوفناquot; في وقت يقوم شباب سوريا بثورة، والشعب السوري يواجه مجازر حقيقية.
وشدد غليون على ضرورة أن تكون المعارضة صوتاً واحداً، ولكنها ليست كذلك. فبعد11 شهراً من النزاع اللا متناظر، لم يفلح المجلس بوصفه أكبر الجماعات المعارضة في ترتيب بيته، فيما أصبح مقتل العشرات كل يوم هو القاعدة، وتردي الوضع إلى حد غير مسبوق بقصف أحياء من حمص، مثل حي بابا عمرو، طيلة أسابيع بلا توقف، وعزله عن العالم الخارجي، في إطار حملة من العقاب الجماعي، لأن المدينة تحدَّت عقوداً من حكم عائلة الأسد.
في غمرة هذه المعاناة، يقترب المجلس الوطني على نحو خطر من فقدان أي مصداقية له بين الناشطين والمحتجين والمقاتلين في الداخل، ليس لأن موقفه متعنت من النظام، بل لأنه ليس حازماً بما فيه الكفاية. ونقلت مجلة quot;تايمquot; عن الخبير في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إميل هوكايم، أن الناشطين في الشوارع جميعهم أشد نضالا من المجلس، quot;وهذه هي المفارقة، فهم يريدون عملاً أقوىquot;.
وكان هوكايم يشير إلى ناشطين، مثل الحمصي خالد أبو صلاح، الذي بثّأخيرًا رسالة مؤثرة على الانترنت موجّهة إلى المعارضة في الخارج، يقول فيها إنها لم تفعل شيئاً مجدياً منذ بداية قصف المدينة. وحذر أبو صلاح، الذي سجل الرسالة وهو واقف وسط الأنقاض، قائلاً: quot;نحن منحناكم الشرعية، ونستطيع أن نأخذها منكمquot;.
ورغم أن المجلس الوطني السوري أخذ في وقت متأخر يعرب عن تأييده اللفظي للجيش السوري الحر، متعهداً دعمه مالياً، فإنه لم يذهب إلى حد دعمه بالسلاح. وتقول عناصر في الجيش الحر، تنشط في منطقة الحدود بين سوريا وتركيا، إنها لمتر شيئاً ملموساً حتى الآن.
ونقلت مجلة تايم عن عمر، وهو عضو مدني في الجيش السوري الحر، يقيم في مخيم للاجئين داخل الأراضي التركية، أن أعضاء مجموعة العمل الوطني الجديدة quot;شرفاء، سيقدمون العون بتسليح الجيش الحرquot;. وأضاف في حديث لمجلة تايم عن طريق سكايب quot;إن الآخرين يكذبون، فهم يريدون ترويج أسمائهم، ولا يهتمون بالشعب، أو بالدم في الشوارع أو بنا نحن في الخيامquot;.
كما إنه من المستبعد أن يُطمئِن المجلس الوطني السوري بانقساماته الكثير من السوريين، الذين يخافون مما قد يأتي بعد الأسد، إن هم انفضوا عن الشيطان الذي يعرفونه. وأعلنت وزارة الداخلية السورية يوم الاثنين عن موافقة غالبية ساحقة من السوريين، بلغت نسبتها89.4 في المئة، على الدستور الجديد.
ويبدو أن الدستور الجديد على الورق وثيقة نموذجية ومشروع تنويري لبناء دولة ديمقراطية، تكفل الحرية بوصفها quot;حقاً مقدساًquot;، وتضمن quot;حرمةquot; الحياة الإنسانية. ولكن هذا على الورق. أما على الأرض، فالدبابات ما زالت تقتحم المدن المنتفضة، وأشرطة الفيديو تعرض جثث القتلى من الرجال والنساء والأطفال على الانترنت يوماًبعد آخر.
ورفض الغرب عملية الاستفتاء بوصفها مسرحية سياسية، فيما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على نظام الأسد يوم الاثنين. ويواصل المجتمع الدولي بحثه عن مخرج من الأزمة يتجاوز موقف روسيا والصين. ويمكن لتشكيل حكومة موقتة على غرار المجلس الانتقالي الليبي، الذي أُنشئ في غضون أسبوع من اندلاع الانتفاضة الليبية أن يحشد التأييد للمعارضة السورية، ولكن الاعتراف بها ما زال شحيحاً.
وأضفى مؤتمر أصدقاء سوريا، الذي عُقد في تونس أخيرًا، بعض الشرعية على المجلس الوطني السوري، معترفاً به ممثلاً شرعياً للشعب السوري، ولكنه ليس الممثل الوحيد.
وقال الخبير هوكايم عن الانقسامات في صفوف المجلس إنها تنمّ عن quot;عدم نضج مطلقquot;، مشيراً إلى أن هناك quot;قضية تتعلق بسوء الإدارة وسوء التنظيم، تكاد تكون مستقلة عن قضايا القيادة. فهم لا يمتلكون المهارات اللازمة لإدارة تنظيم كهذا في مثل هذا الوقتquot;.
ويقول مراقبون آخرون إنه من غير الواقعي توقع الكثير من المعارضة السياسية السورية بعد خمسة عقود من حكم الحزب الواحد، الذي كان يسحق أي شكل من أشكال المعارضة. ويذهب آخرون، إلى أن انقسام المعارضة ظاهرة صحية ومثال على الممارسة الديمقراطية، ومؤشر إلى النظام الذي يأملون في إقامته. ولكنّ فريقاً ثالثاً يرى أنه إزاء الدم الذي يُراق في الشوارع، فإن أقل ما يمكن أن تفعله المعارضة السياسية في الخارج هو تقديم جبهة موحدة إلى العالم.
وقالرئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي عن المجموعات المسلحة، التي تقاوم النظام على الأرض، إنه من السابق لأوانه التفكير في تسليح الثوار بسبب تشظي هذه المجموعات، قد يصحّ على المعارضة السياسية. وفي هذا الشأن قال المحلل هوكايم quot;إن دبلوماسيين غربيين يسألونني quot;مع مَنْ نتعامل في نهاية المطاف؟quot;. وأضاف quot;إن هذا أمر يدعو إلى القلق، وأنا لا أقول إن المجلس الوطني السوري مريض يحتضر، لكنه في وضع سيّئ جدًاquot;.
التعليقات