إعلان يوم الثلاثاء بأن قيادة حماس قد انتقلت رسمياً من دمشق، والتصريحات العلنية بدعمها للمعارضين في سوريا، يشيران إلى تحوّل جذري سياسي مع إيران، وضع حداً لأي أمل كانت تملكه طهران من شأنه التأثير على التيار العربي الثوري.


تظاهرة ضد النظام السوري في غزة

لميس فرحات: لطالما اعتبرت واشنطن أن الجمع بين الحوافز والعقوبات قد ينجح في quot;نزعquot; الرئيس السوري بشار الأسد عن محور المقاومة الإيراني، لكنّ أحداً لم يتوقع أن تكون حركة quot;حماس الفلسطينيةquot; الحلقة الأضعف في هذا التحالف.

استقر زعيم حماس خالد مشعل الآن في العاصمة القطرية، الدوحة، في حين انتقل نائب رئيس المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق إلى القاهرة. وخلال صلاة الظهر يوم الجمعة الماضي، أعلن اسماعيل هنية علناً عن احترامه ودعمه لـ quot;الشعب السوري البطل، الذي يسعى بجهد إلى الحرية والديموقراطية والإصلاحquot;.

في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;تايمquot; أن حماس على علم بأن إيران لن ترحّب بهذا الإعلان، إلا أن الحركة لا تكترث كثيراً لذلك. وبدأت العلاقة بالتوتر بين حماس والأسد، حليف طهران الرئيسي، عندما أعلنت المجموعة الفلسطينية عن رفضها تنظيم تظاهرات موالية للأسد في المخيمات الفلسطينية في سوريا.

وقال المرزوقي في حديث لوكالة الـ quot;أسوشيتد برسquot;: quot;موقفنا في سوريا هو أننا لسنا مع الحل الأمني الذي ينتهجه النظام، ونحن نحترم إرادة الشعبquot;، معترفاً بأن quot;الإيرانيين ليسوا سعداء بموقفنا من سوريا، وعندما تكون طهران غير مسرورة تغيّر معاملتهاquot;.

quot;طريقة معاملتهاquot; في هذا السياق تعني quot;الدعم الماليquot;، وعلى الرغم من أن إسرائيل تعتبر حماس واحدة من أذرع إيران في المنطقة، إلا أن لمحة في تاريخ المنظمة الأيديولوجي والاجتماعي والسياسي تشير إلى أن علاقة الحركة بطهران كانت عبارة عن quot;زواج قناعةquot; بالنسبة إلى حماس، التي كانت تعاني اليأس قبل 6 سنوات من اليوم.

وعدلت حماس خياراتها السياسية في ضوء انعكاسات المد الثوري، الذي اجتاح بعض الأنظمة الاستبدادية العربية الرئيسية، ووضع المجموعات الإسلامية في سدة الحكم، مثل quot;الإخوان المسلمينquot;، وغيرها من المجموعات القريبة إيديولوجياً من حماس.

يقف الجمهور الفلسطيني بقوة وراء الثورة السورية، التي يعتبر الإخوان المسلمون العنصر الرئيسي فيها. وفازت مجموعات إسلامية مشابهة في الانتخابات، التي جرت في تونس ومصر، ويبدو أن هذه المنظمات ستكون المستفيد الرئيسي من موجة الديموقراطية في أنحاء العالم العربي كافة.

وفي الوقت الذي تمكن فيه الربيع العربي من إسكات إيران بصفتها quot;المتحدثة باسم الجمهور العربي المقموعquot;، فقد تمكنت الثورات من وضع حد للمخطط، الذي رُسم في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، بهدف توحيد الأنظمة العربية المعتدلة (بما في ذلك السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس) في تحالف ضد إيران ومحورها.

نجح الربيع العربي في إسقاط بعض هذه الأنظمة، من ضمنها النظام المصري في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، فيما يشنّ ملوك الخليج حرباً إقليمية باردة ضد إيران، التي تقسم المنطقة على أسس طائفية، بدلاً من وضع الخطوط المعتدلة في مقابل الحركات الراديكالية.

كما أن الحلفاء العرب للولايات المتحدة لا يتبعون التعليمات الأميركية، لاسيما وأن قطر وتركيا تبرزان كلاعبين إقليميين، لا يشاركان الولايات المتحدة وإسرائيل في نفورهما من حماس، ولا يؤيدان استراتيجية واشنطن لعزل إيران، على الرغم من أنها بمثابة منافس سياسي لهما في كل أنحاء المنطقة.

ذهبت قطر في عكس جهود الولايات المتحدة وإسرائيل لسحق حماس، بعدما توصلت إلى اتفاق وحدة وطنية بين حركة حماس وحركة فتح المنافسة، على الرغم من أن تنفيذ هذه المصالحة ما زال بطيئاً في ظل المنافسات العميقة والانقسامات الداخلية في حماس.

وتعتقد حماس أنها لم تعد حركة معزولة بين حكومات المنطقة، وبالتالي لم تعد تعتمد على الدعم الإيراني، ومن المرجّح أن قطر سوف تعمل على سد العجز المالي الذي سينتج من ابتعاد الحركة عن طهران.

وعلى الرغم من أن جهود الإخوان المسلمين ستنصبّ على محاولة بسط سلطتها في المجتمعات المعقدة والصعبة، الأمر الذي سيشغلها عن شنّ حرب على إسرائيل، إلا أنها لن تقوم بفرض ضغوط على غزة، كما فعل الرئيس السابق حسني مبارك، وفقاً للصحيفة.

وقد يكون ثمن انضمام حماس إلى هذا التيار السياسي هو احتضان شروطه، التي تدعو إلى وضع استراتيجيات سياسية، وليست عسكرية، لإحراز تقدم في القضية الفلسطينية. ويبدو مشعل مستعداً لهذه الخطوة، إذ أعطى تلميحات في أكثر من مرة إلى التحوّل من الأسلحة نحو quot;المقاومة الشعبيةquot;، على الرغم من أن مثل هذه الأمور قد تكون مسألة خلاف داخل حماس.

أما من ناحية إسرائيل، فمن غير المتوقع أن يلقى رحيل حماس هتافات ترحيب من تل أبيب، وذلك لأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اعتمد منذ فترة طويلة على الإدعاء بأن حماس هي وكيل إيران، حتى لا يتوقع أحد من إسرائيل أن تقدم تنازلات إقليمية مع الفلسطينيين في أي وقت قريب.

كما أن حماس، التي تتحرك نحو التيار الإسلامي المعتدل، قد لا تفرض تهديداً عسكرياً على إسرائيل، إلا أنها يمكن أن تشكل تحديًا سياسيًا لها، على الرغم من عدم وجود أي مؤشر إلى أن حركة حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر سيقدم رؤية استراتيجية متماسكة في الوقت الحاضر.

من خلال قفزها ببراعة في سفينة الثورة السورية، تضمن حماس ndash; وإن كانت ستعاني أزمة مالية على المدى القصير ndash; أنها ستستطيع في نهاية المطاف أن تقدم أداءً أفضل بعد الثورات العربية، مقارنة بحركة فتح المنافسة لها. وهذا هو الاحتمال الذي لن يرضي إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء.