لندن: ظلت البوابة السوداء التي تغلق الحدود بين مصر وقطاع غزة طيلة السنوات الماضية رمزا لمعاناة اهل غزة وعزلتهم بسبب عقود من النزاع وخاصة بعد سيطرة حركة حماس على القطاع.

ولكن البوابة نفسها أصبحت في الآونة الأخيرة تمثل انعطافة جديدة بنظر قيادة حماس التي تزداد ثقة بقدراتها. وانفتح القوسان التوأمان للمعبر الحدودي مرتين في الأسابيع الأخيرة لاستقبال مئات المعتقلين الفلسطينيين من سجون اسرائيل ورحيل جندي اسرائيلي واحد بالاتجاه المعاكس، والمرة الثانية لقيام ممثلين عن جماعة الاخوان المسلمين بزيارة غزة لأول مرة منذ عقود.

ويرى مراقبون ان الواقعتين عززتا حظوظ الاسلاميين في مرحلة دقيقة قبل المفاوضات المقرر اجراؤها هذا الاسبوع في القاهرة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس زعيم حركة فتح.

ويأتي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الى هذه المحادثات وهو يدرك ان الرياح الاقليمية تهب لصالحه. فان حكاما مستبدين سقطوا وحركات وحكومات صعدت تضم جماعات اسلامية قمعها اولئك الحكام. ولم تفوت حماس فرصة لتأكيد هذا التطور مشيرة الى تنامي الثقل الاقليمي للحركة التي انبثقت حماس من رحمها، أي حركة الاخوان المسلمين التي يعتبرها محللون أقدم وأقوى حركة اسلامية في العالم.

وعلى النقيض من ذلك يصل الرئيس عباس بنجاح ناقص لمشروعه في نيل اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين. فهو كسب شعبية واسعة حيث اظهرت استطلاعات تمتعه بتأييد 80 في المئة من الفلسطينيين، ولكن محاولته في الأمم المتحدة باءت بالفشل وكلفته حليفا بالغ الأهمية في واشنطن.

وتزهو حماس من جهتها بنجاحها في مبادلة الجندي الاسرائيل جلعاد شاليط بأكثر من 1000 سجين فلسطيني. وتأمل الحركة بأن تمحو هذه المبادلة التي جرت بوساطة مصرية ذكريات العزلة والحصار الذي عانته غزة خلال احتجاز الجندي الاسرائيلي.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المحلل الأمني الاسرائيلي بواز غانور مؤسس معهد السياسة الدولية لمكافحة الارهاب ان حماس الآن quot;اقوى بكثيرquot; من ذي قبل. ويرى غانور ان اتفاق تبادل الأسرى جاء في اطار quot;خطة معقدةquot; أعدتها حماس لكسر الحصار وتأمين قدر اكبر من الشرعية quot;على الساحة الدولية على أقل تقدير إن لم يكن بنظر اسرائيلquot; قبل الانتخابات الفلسطينية المقررة في ايار/مايو.

واضاف المحلل غانور ان حماس ما كانت لتعتبر مرشحا شرعيا طالما كان الجندي شاليط في قبضتها على الضد من اتفاقيات جنيف، بحسب تعبيره.
ويؤكد زعماء حماس وفتح ان محادثات القاهرة ستركز على تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية من التكنوقراط حتى اجراء الانتخابات التي تأخرت طويلا عن موعدها.

وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث ان هناك الآن فرصة افضل بكثير للاتفاق مشيرا الى نجاح حماس بتبادل الأسرى ونيل فتح تأييدا شعبيا في الداخل لتحركها من اجل الاعتراف الدولي بفلسطين مؤكدا ان quot;النجاح يقلل الحاجة الى المنافسةquot;.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن شعث ان التحرك من اجل الاعتراف الدولي بفلسطين سيخدم عملية المصالحة لأن من الانتقادات التي وجهت الى عباس في الأمم المتحدة ان السلطة الفلسطينية لا تسيطر على قطاع غزة.

ولا يقتصر الزخم الذي اكتسبته حماس على مصر بل هناك بوادر تحسن في العلاقات بين حماس والاردن الذي سحب مؤخرا اعتراضه على السماح لمشعل بزيارة عمان من مقره في العاصمة السورية دمشق. واعلن رئيس الوزراء الاردني عون خصاونة ان قرار الاردن غلق مكتب حماس في عمان عام 1999 كان quot;خطأ سياسيا ودستورياquot;.

ولكن لحركة حماس مصاعبها ايضا. ويشير مراقبون الى ان انفتاح الاردن يبقى هشا. وتأتي زيارة العاهل الاردني الملك عبد الله لمدينة رام الله هذا الاسبوع تأكيدا بأنه ما زال يعتبر عباس اللاعب الرئيسي في السياسة الفلسطينية.

كما يلفت خصوم حماس الى انها حركة عربية سنية تلقت دعما ماليا وسياسيا من ايران الشيعية. وان وجود مقر الحركة في دمشق يضعها في موقف محرج. فان سوريا وحماس تحظيان بدعم ايران ولكن حملة الرئيس بشار الأسد ضد المحتجين اسفرت عن مقتل اكثر من 3500 سوري بينهم العديد من الاخوان المسلمين، رفاق حماس.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المحلل السياسي في غزة وليد المدلل ان ايران ستكون سعيدة إذا دعمت حماس نظام الأسد quot;ولكني لا اعتقد ان حماس تستطيع ذلك لأنهم يعتبرون أنفسهم مناضلين من أجل الحرية وبالتالي لا يمكن ان يقفوا مع الأسد ضد مناضلين من اجل الحريةquot;.

ولكن المحلل المختص بشؤون الشرق الأوسط نيثان ثرول من مجموعة الأزمات الدولية في القدس يرى فرصة في حقيقة ان حماس وفتح تختلفان مع حليفيهما. وقال ثرول ان المصالحة الفلسطينية كانت طيلة سنوات مثقلة بدعاوى فتح القائلة ان قيادة حماس أسيرة quot;فيتو ايرانيquot; ودعاوى حماس القائلة ان قيادة فتح أسيرة quot;فيتو اميركيquot;. وشهدت الأشهر الماضية ترديا خطيرا في علاقات كل منهما براعيه. وهذا يعطي أملا بالتغلب على الفئوية، بحسب تعبير ثرول.

في الشارع الفلسطيني نال تبادل الأسرى الذي حققته حماس ومبادرة عباس في الأمم المتحدة شعبية واسعة سعى الاثنان الى استثمارها. ولكن ليس معروفا ما إذا كان أي من هذين الحدثين كافيا لدفع الفلسطينيين الى تغيير ولاءاتهم.