مع استمرار الحملة القمعية التي تنتهجها الحكومة السورية ضد المتظاهرين الذين يعتزمون إسقاط نظام حكم الرئيس بشار الأسد، تواجه تركيا صعوبات في مواجهة أزمة متصاعدة على حدودها، تكشف عن حدود دورها القيادي في المنطقة. إلا أن أنقرة وجدت نفسها في وضع حرج بعد عجزها عن تحويل أي شيء مما كانت تقوله إلى شيء ملموس.


لاجئون سوريون في مظاهرة ضد الأسد في تركيا

أشرف أبوجلالة من القاهرة: طوال العام الذي تواصلت فيه الانتفاضة، سعت الحكومة التركية إلى أن تلعب دوراً رائداً في سبيل إنهاء الأزمة، وانتهجت دبلوماسية صارمة في جامعة الدول العربية، وطالبت أخيراً بإنشاء ممرات إنسانية في سوريا من أجل المساعدة في حماية المدنيين.

وسبق لوزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، أن شبَّه الرئيس بشار الأسد برجل صربيا القوي، سلوبودان ميلوسيفيتش، الذي أقحم بلاده في حرب أهلية مدفوعة عرقياً.

لكن، وبالرغم من لغة التهديد والوعيد التي استعانت بها في تصريحاتها الرسمية، إلا أن تركيا وجدت نفسها في وضع حرج بعد عجزها عن تحويل أي شيء مما كانت تقوله إلى شيء ملموس. وأشار مسؤولون ومحللون إلى أن تركيا تلتزم الحذر الشديد في ما يتعلق بالانخراط في أي أعمال عسكرية أحادية الجانب، وذلك من منطلق إدراكها لمخاطر إثارة صراع طائفي على حدودها، أو تنفير الرأي العام في العالم العربي، أو في أسوأ الحالات، تحريضها عن غير قصد على نشوب حرب إقليمية.

لهذا، أكدت اليوم صحيفة quot;النيويورك تايمزquot; الأميركية، في سياق تقرير مطول لها في هذا الخصوص، أن الصراع في سوريا قدَّم إلى تركيا فرصة واعدة ومحفوفة بالمخاطر على حد سواء.

ونوهت في هذا الشأن بما قاله سولي أوزيل، كاتب العمود في صحيفة هابرترك واسعة الانتشار في تركيا quot;الأخطار كبيرة للغاية بالنسبة إلى تركيا في سوريا. وإن لم تثبت تركيا فعاليتها في حلّ الصراع السوري، فإن كل الأحاديث التي سبق وأن أشارت إلى براعتها وتفوقها الإقليمي ستتعرّض لهجوم شديدquot;.

كما لفتت الصحيفة إلى أن المسؤولين الأتراك سبق لهم أن قالوا إنهم لا يستبعدون مشاركة جيشهم في خطة دولية لإنشاء منطقة عازلة في حال مواصلة الأسد قتل أفراد شعبه واستمرار تدفق أعداد اللاجئين بشكل كبير. وهي الاحتمالية التي ألمح إليها رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، يوم أمس الجمعة، بإخباره الصحافيين في العاصمة أنقرة، أنهم يدرسون أمورًا، من بينها فرض منطقة عازلة أو منطقة أمنية.

غير أن الصحيفة مضت تقول إن تلك الفكرة تتم مناقشتها منذ الأيام الأولى للصراع من دون اتخاذ أي خطوات ملموسة من جانب تركيا أو غيرها من الدول. لكن ما كان يحدث بإيقاع متسارع هو استمرار نزوح اللاجئين على الرغم من تواجد القوات السورية على طول الحدود مع تركيا.

وقال مسؤولون أتراك يوم الخميس الماضي إن أكثر من ألف سوري عبروا الحدود خلال الأربعة وعشرين ساعة الماضية، في الوقت الذي يستقر فيه الآن أكثر من 14700 سوريًا في خمس معسكرات في محافظة هاتاي.

لاجئون سوريون قرب الحدود بين سوريا وتركيا

وأضاف المسؤولون الأتراك أنهم يعدّون خطط طوارئ تحسباً لاحتمالية حدوث تدفق أكبر في أعداد اللاجئين، في ظل استمرار المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين. وأشارت الصحيفة إلى أن تركيا تستعد لفتح مخيم للاجئين قرب مدينة كيليس الجنوبية في الشهر المقبل لاستضافة 10 آلاف سوري آخر. كما يتم الآن بناء مخيم آخر في سيلانبينار قرب الطرف الشرقي من الحدود، لاستقبال 20 ألف شخص.

مع هذا، أوردت الصحيفة عن محللين تأكيدهم أن تركيا لا يبدو وأنها تريد أن تمضي في طريق الخطوات أو التصرفات أحادية الجانب. وأضافوا أنها لن تعمل بمفردها من أجل إقامة منطقة عازلة في سوريا، لأن روسيا وإيران سيدعمان سوريا، وتركيا لا تريد من جانبها أن تجازف بالدخول في مواجهة. ورغم محدودية مساحة المناورة بالنسبة إليها، إلا أن تركيا تناور لتحظى بتأثير في سوريا ما بعد الأسد.

ومع استمرار تشبّث الأسد بالسلطة، وتزايد حدة الانقسامات في صفوف المعارضة السورية الهشّة، بدأت تجد تركيا نفسها راعياً لقوى معارضة ضعيفة، رغم أنها تلعب دوراً رائداً في تنظيم تحالف، من شأنه وضع ضغوط دولية على سوريا. وفي الوقت نفسه، قال مسؤولون أميركيون وأتراك إن الأزمة السورية جعلت من أردوغان حليفاً لا غنى عنه بالنسبة إلى الرئيس باراك أوباما، لمساعدته في تجاوز بعض التوترات التي نجمت من حالة الانهيار التي طالت العلاقات بين تركيا وإسرائيل.

وأكدت الصحيفة أن ذلك الصراع السوري جاء ليكشف عن حقيقة حدود القوة التي تحظي بها تركيا في المنطقة. ورغم استمرار التواصل على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي، إلا أن تركيا لم تستطع أن تقنع الأسد بأن يتوقف عن ممارسة العنف، وأن يمضي ببلاده نحو الأمام من خلال إقراره حزمة من الإصلاحات السياسية.

وتابعت الصحيفة بقولها إن الصراع في سوريا يُنظَر إليه الآن باعتباره اختباراً حاسماً لتركيا، في الوقت الذي تصارع فيه من أجل تنفيذ سياستها الخارجية المتنامية في المنطقة. كما تخشى تركيا، التي تقطنها غالبية سنية، وتحدها بلدان سوريا والعراق وإيران، من أن تحدث فيها انقسامات طائفية كتلك الحاصلة في دول الجوار.