تصاعدت أزمة اللجنة التأسيسية لوضع الدستور المصري، بسبب سيطرة الإسلاميين عليها، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، واستبعاد رموز مجتمعية منها، ما أدى إلى إثارة غضب فئات متعددة، وانسحاب بعض الأعضاء.


نشبت حرب إعلامية بين الإسلاميين من جهة وباقي التيارات السياسية من جهة أخرى بسبب سيطرة الاسلاميين على اللجنة التأسيسية لوضع الدستور المصري. وشن المرشد العام للإخوان هجومًا على وسائل الإعلام والتيارات السياسية الأخرى، واصفاً الإعلاميين بأنهم quot;سحرة فرعونquot;، والأخرى بأنهم يتعاملون مع الدولة بمنطق quot;فيها لا أخفيهاquot;.

وانطلقت الإعتراضات من سيطرة حزبي الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين والنور الذراع السياسية للتيار السلفي على نحو 77% من أعضاء اللجنة المكونة من 100 عضو بمعدل 50 عضواً من داخل البرلمان و50 عضواً من خارجه، كما أن رموزاً من الإخوان والسلفيين تقاسموا العضوية مع 50% من خارج البرلمان، وما زاد الطين بلة أن الطالب الوحيد الذي وقع عليه الإختيار ليكون ممثلاً للطلاب في اللجنة، إتضح أنه ابن شقيقة محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة، ووالده رئيس الحزب في محافظة دمياط، ما أدى إلى إثارة غضب طلاب الجامعات أيضاً، بالإضافة إلى التيار الليبرالي، وغالبية فئات المجتمع، لا سيما الأقباط الذين لم يزد تمثيلهم عن 6 مقاعد، والمرأة التي جاء نصيبها 6 مقاعد أيضاً، فيما غاب تمثيل الكنيسة والأزهر بشكل رسمي.

المرأة غاضبة

وأعلنت منظمات نسوية رفضها تشكيل اللجنة التأسيسية، ووصف مركز قضايا المرأة عدم تمثيل المرأة بشكل كاف في اللجنة بأنه quot;محطة أخرى في الممارسات التمييزية ضد المرأة التي ينادي بها ويمارسها التيار الديني في البرلمانquot;.

وقرر المركز تكوين لجنة تأسيسية نسوية، من مرشحات مجلسي الشعب والشورى، بالإضافة إلى قانونيات وحقوقيات وإعلاميات، وناشطات في جمعيات أهلية، لوضع وثيقة تتضمن حقوق ومطالب المرأة، لتقديمها إلى الجمعية التأسيسية للدستور القادم، وذلك من خلال استطلاعات الرأي.

وقالت ناهد شحاتة مديرة البرامج في المركز المصري للدفاع عن حقوق المرأة لـquot;إيلافquot; إن تمثيل المرأة في اللجنة جاء صادماً، مشيرة إلى أنه أعاد للأذهان ممارسات الحزب الوطني المنحل ضد المرأة، ولفتت إلى أن المرأة نصف المجتمع وشاركت بقوة في الثورة التي أطاحت بالنظام السابق، وكانت تتطلع إلى مشاركة أكبر في صياغة دستور ومستقبل البلاد، ونبهت إلى أن ممارسات الأغلبية في البرلمان تتشابه إلى حد بعيد مع ممارسات الأغلبية في عهد النظام السابق، من حيث استبعاد المعارضين وعدم منح المرأة حقوقها.

وأعربت شحاتة عن حزنها لما آلت إليه حقوق المرأة بعد الثورة، ودعت المجلس العسكري والحكومة إلى اتخاذ مواقف واضحة وسريعة بشأن لجنة الدستور، لاسيما أنها غير دستورية بالأساس، وأوضحت أن طريقة تشكيلها تخالف لنص المادة 60 من الإعلان الدستوري، التي تنص على انتخاب البرلمان أعضاءها، وليس أن ينتخب نفسه، بالإضافة إلى إخلال التشكيل بمبدأ المساواة بين المواطنين.

الأقباط غاضبون أيضاً

من جانبه، قال نجيب جبرائيل الناشط القبطي ومحامي الكنيسة إن استئثار الاسلاميين بعضوية اللجنة مخالف للدستور، مشيراً إلى أن الدستور لابد أن يكون توافقياً وأن تمثل فيه كافة أطياف المجتمع المصري.

وأضاف جبرائيل لـquot;إيلافquot; أن البرلمان ذا الأغلبية الإسلامية أقصى عمداً المرأة والأقباط وشباب الثورة عن اللجنة، واعتمد في اختياراته لأعضائها سواء من داخل أو خارج البرلمان على مبدأ أهل الثقة وليس أهل الخبرة.

وانتقد جبرائيل طريقة اختيار الأعضاء من الأقباط وقلة عددهم، وقال إن الإخوان إختاروا القبطي الدكتور رفيق حبيب، وهو يشغل منصب نائب رئيسحزبهم الحرية والعدالة الاسلامي، كما اختار أيضاً ماجريت عازر النائبة في البرلمان عن حزب الوفد الذي كان منطوياً من حزبهم في تحالف أثناء الإنتخابات، فضلاً عن شخصيات أخرى بعيدة عن هموم ومشاكل الأٌقباط.

وقال جبرائيل إن قيادات الكنيسة غابت عن تشكيل اللجنة، كما أن الأمر نفسه مع قيادات الأزهر، ولفت إلى أن الأقباط يتخذون الإجراءات القانونية مع إخوانهم المسلمين المعترضين على اللجنة، لاسيما في ظل وجود شبهات عدم دستورية بعض مواد قانون الإنتخابات البرلمانية وقانون اللجنة التأسيسية.

الكنيسة تطالب بدولة مدنية

وفي الوقت نفسه، نأت الكنيسة بنفسها عن الجدل بشأن عدم اختيارها أيا من قياداتها في عضوية اللجنة، لكنها طالبت بأن ينص الدستور على حقوق الأقباط، وأصدر المجمع المقدس بياناً قال فيه: إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترى ضرورة النص في دستور مصر الحديثة على أن تكون مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة، تقوم على تداول السلطة واحترام المواطنة لجميع المصريين دون تمييز بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو اللون أو اللغة، وتحترم حقوق الإنسان والمرأة والطفل.

وطالب المجمع المقدس بـquot;ضرورة النص في الدستور على أنه quot;بالنسبة لغير المسلمين من أهل الكتاب تسري في شأن أحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية، مبادئ شرائعهم التي يدينون بها، وطبقاً للأعراف والتقاليد الدينية المعمول بها لديهمquot;. وأشار إلى أنه في حالة إنعقاد دائم لمتابعة الأحداث. ووقع على بيان الكنيسة الأنبا باخوميوس القائم مقام البطريرك، والأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس.

شباب الثورة يرفض

أما شباب الثورة، فكان موفقهم رافضاً للجنة الدستور شكلاً وموضوعاً، وقالت حركة 6 أبريل إن quot;اختيار لجنة الدستور مرفوض شكلا وموضوعا سواء فى آلية اختيارها أو فى الأشخاص المختارينquot;، معتبرة أنه quot;تصرف شاذ يعبر عن عقلية الوصاية على الشعب من عقول متحجرة تريد فرض ارادتها وحدها على كل المواطنين ولا تتفهم المعنى الحقيقى للدولة أو للدستورquot;.

وقال محمود عفيفي عضو المكتب السياسي للحركة لquot;إيلافquot; إن أعضاء اللجنة معظمهم من الاخوان والسلفيين، ولا تتضمن أي تمثيل حقيقي لكافة فئات وطوائف المجتمع، مشيراً إلى أن هؤلاء تعاملوا بعقلية الصفقات والغرق المغلقة نفسها كما تعاملوا مع طرح الرئيس التوافقي، في حين نسوا أن الدستور هو التوافقي، وليس الرئيس. وأشار عفيفي إلى أن شباب الثورة ليس ممثلاً بشكل جيد في اللجنة.

المرشد يهاجم

وفي الجانب الآخر، هاجم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع الإعلام والتيارات السياسية المعترضة على تشكيل لجنة الدستور، ووصف بعض وسائل الإعلام بأنها quot;سحرة فرعون، الذين جمعهم لسحر أعين الناسquot;.

وأضاف أثناء افتتاح مقر جديد للجماعة: quot;الشيطان الذي أوحى للسحرة، هو الذي يوحي للإعلاميين الآن، بأن يصور للشعب أن الإخوان هم بديل الحزب الوطني المنحل وسيدمرون البلادquot;، وهاجم التيارات السياسية أيضاً وقال: quot;لسنا مثل بعض القوى التي شاركت في الثورة، والتي رفعت شعار quot;فيها لاخفيهاquot;، وعندما لم تجد لها تمثيلا مناسبا في الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور أو الوزارة أو البرلمان تعمدت الضجيج ومحاولة الإفشال تحت شعار كرسي في الكلوبquot;.