القصف الجوي على جنوب السودان يوقع عشرات القتلى

يستمر التوتر الحاصل بين السودان وجنوب السودان منذ أشهر، ويؤدي الى سقوط القتلى والجرحى يوميًا، فيظلالاتهامات المتبادلة بين الطرفين حول الأحداث القائمة. فيما أمهل الاتحاد الأفريقي ثلاثة أشهر لحل الخلافات القائمة بين الدولتين قبل اتخاذ الاجراءات المناسبة.


لا تزال الحدود المشتركة بين السودان وجنوب السودان، التي شهدت معارك ضارية منذ نهاية اذار (مارس) بعد اكثر من تسعة أشهر على استقلال جنوب السودان، موضع خلاف ومصدر توتر مستمر بين البلدين الجارين.
واعلنت سفيرة الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة سوزان رايس الثلاثاء أن القصف الجوي السوداني على جنوب السودان اوقع مؤخرًا 16 قتيلاً و34 جريحًا في ولاية الوحدة الحدودية.

وقالت إنها ارتكزت على حصيلة قدمتها بعثة الامم المتحدة في السودان خلال اجتماع مجلس الامن الذي خصص لهذا البلد، واضافت أن القصف تسبب ايضًا بـquot;خسائر جسيمةquot; في البنى التحتية خصوصًا المنشآت النفطية.

واوضحت رايس التي تترأس مجلس الأمن في شهر نيسان (ابريل) أن الدول الاعضاء في مجلس الأمن طالبتبـquot;وقف فوري للغارات الجويةquot; من قبل الخرطوم، كما شددت على quot;وقف فوري لاطلاق النار وعودة (البلدين) الى طاولة المفاوضاتquot;.
وقالت ايضًا إن مجلس الامن quot;دان بقوةquot; الهجوم على دورية لبعثة حفظ السلام التابعة للامم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور، واوقع هذا الهجوم قتيلاً هو جندي توغولي كان جرح وقضى متأثرًا بجروحه، بالاضافة الى ثلاثة جرحى.

وامهل الاتحاد الافريقي السودان وجنوب السودان ثلاثة أشهر لحل خلافاتهما تحت طائلة اتخاذ quot;اجراءات مناسبةquot; بحقهما، حسب ما اعلن مفوض الاتحاد الافريقي للسلام والامن رمضان العمامرة.
وقال العمامرة للصحافيين اثر اجتماع في اديس ابابا خصص للوسائل الكفيلة بتحاشي نزاع مفتوح شامل بين السودانين، إن مجلس السلام والامن في الاتحاد الافريقي quot;حث لهذه الغاية الطرفين لاستئناف المفاوضات خلال اسبوعين برعاية الاتحاد الافريقيquot;. ولم يوضح العمامرة quot;الاجراءات المناسبةquot; التي تحدث عنها.

ويجب أن تكلل المفاوضات التي دعا اليها العمامرة بالنجاح خلال فترة ثلاثة أشهر وعلى أن تتناول جميع المسائل العالقة منذ استقلال جنوب السودان في تموز/يوليو الماضي أي تقاسم العائدات النفطية وتحديد المواطنة وترسيم الحدود ووضع منطقة ابيي التي يتنازع البلدان على سيادتها.
واكد العمامرة أن quot;أي فشل من قبل أحد الطرفين في تطبيق بنود خارطة الطريق التي وضعت هنا أو في التعاون بحسن نية مع الاتحاد الافريقي فمن شأنه أن يحث المجلس (مجلس السلام والامن في الاتحاد الافريقي) على اتخاذ الاجراءات المناسبة مثل تلك التي ينص عليها بروتوكولهquot;.
واشار الى أن فريق الوساطة التابع للاتحاد الأفريقي في النزاع بين السودانين بقيادة الرئيس الجنوب أفريقي السابق ثابو مبيكي سينهي في كل الاحوال مهمته خلال ثلاثة اشهر.

وقال العمامرة ايضًا quot;إنه خلال ثلاثة اشهر، سوف تنهي بعثة الاتحاد الأفريقي مهمتها إما بالتوصل الى حمل الاطراف على التوقيع وتطبيق كل ما هو مطلوب لحل خلافاتها وإما بتقديم تقرير مفصل الى مجلس السلام والامنquot; الذي سيستخلص العبر.

البيت الأبيض يندد بالضربات الجوية

ونددت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الثلاثاء بالضربات الجوية السودانية في جنوب السودان واصفة اياها بأنها quot;غير مقبولة واستفزازيةquot; ودعت البلدين الى استئناف مفاوضاتهما من اجل السلام في اسرع وقت ممكن.
واعتبرت كلينتون أن انسحاب جنوب السودان من منطقة هجليج النفطية المتنازع عليها بعد ضغوط دولية كان يجب أن يشكل مناسبة للخرطوم لاستئناف الحوار.

واضافت وزيرة الخارجية الاميركية خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها الاسترالي بوب كار أن الضربات الجوية السودانية على جنوب السودان هي quot;استفزازية وغير مقبولةquot;.
واوضحت أن quot;جنوب السودان انسحب من هجليج. وكانت مناسبة للخرطوم لاستئناف المفاوضات (السلام) وتحقيق تقدم ملموس بين الشمال والجنوبquot;.

وقالت ايضا quot;نحثّ الطرفين على البدء بالمفاوضات في اقرب وقت ممكنquot;. وكان البيت الابيض قد دان quot;بشدةquot; الثلاثاء الغارات الجوية السودانية في اراضي جنوب السودان داعيًا الجانبين الى وقف فوري لاطلاق النار والى استئناف المفاوضات بينهما.

وقال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني: quot;ندين بشدة العمليات العسكرية السودانية في جنوب السودان. على السودان أن يوقف فورًا القصف الجوي والمدفعي لجنوب السودانquot;.
واضاف كارني الذي كان يتحدث الى الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية التي كانت تقل باراك اوباما الى كارولاينا الشمالية (جنوب شرق) quot;على الحكومتين (في الخرطوم وجوبا) ان تتوافقا على وقف الاعمال الحربية من دون شروط وان تسلكا مجددًا طريق المفاوضاتquot;.

وتابع: quot;كما قال الرئيس في رسالته الى سكان السودان وجنوب السودان، على جميع الاطراف المتنازعين ان يقروا بأن لا حل عسكريquot; للنزاع.

وكان تبادل الاتهامات جارياً حول مسؤولية ما يحصل في السودان حيث اتهم رئيس جنوب السودان سلفا كير الذي يزور بكين الثلاثاء السودان بـquot;اعلان الحربquot; على بلاده التي استهدفت بغارات ليلية من جانب الطيران السوداني على مقربة من الحدود.
من جانبه، اتهم السودان جوبا بأنها تريد quot;زعزعة استقرارهquot; من خلال استمرارها في دعم المتمردين على اراضيه، وذلك غداة رفض الرئيس السوداني عمر البشير العودة الى طاولة المفاوضات.

وفي بكين، قال رئيس جنوب السودان سلفا كير في بداية لقاء مع نظيره الصيني هو جينتاو إن quot;زيارتي تأتي في وقت حرج بالنسبة الى جمهورية جنوب السودان لأن جارنا في الخرطوم اعلن الحربquot; على الجنوب.
وقد تنجم عن زيارة سالفا كير الى الصين انعكاسات ايجابية لما لبكين من استثمارات في المنطقة تدفعها الى السعي إلى تهدئة الاجواء بين الطرفين.

وبكين هي المستورد الاول للنفط السوداني الذي يشكل رهانًا كبيرًا في الصراع المسلح بين الخرطوم وجوبا.
وبدت الحدود بين البلدين هادئة الثلاثاء، لكنّ السودانين عمدا الى تعزيز عديد قواتهما على طول الحدود المتنازع عليها والتي شهدت منذ نهاية اذار/مارس مواجهات بينهما وخصوصًا في منطقة هجليج النفطية على بعد ستين كلم شمال بنتيو.

وفي عاصمة ولاية الوحدة التي تعرضت الاثنين إلى قصف من الطيران السوداني، اعلن مساعد رئيس اجهزة الاستخبارات العسكرية في جنوب السودان ماك بول أنه تلقى معلومات تفيد بأن الجيش السوداني يستعد لشن هجوم على بنتيو.
وكانت وزارة الخارجية السودانية اعلنت في بيان لهاليل الاثنين أن quot;مناشدات حكومة السودان ومحاولات المجتمع الدولي المتكررة لحث دولة جنوب السودان على وقف سلوكها العدواني باءت جميعها بالفشل بسبب الاصرار الاعمى على زعزعة استقرار وامن السودانquot;.

وتتهم الخرطوم باستمرار جوبا بدعم حركات التمرد الناشطة في منطقة دارفور (غرب) التي تشهد حربًا اهلية، وفي ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان الحدوديتين، الامر الذي ينفيه جنوب السودان.
وفي بنتيو، هددت سلطات ولاية الوحدة الثلاثاء بـquot;الردquot; على القصف السوداني فيما يخيم شبح الحرب الشاملة بين البلدين اللذين خاضا حربًا اهلية استمرت عقودًا حتى العام 2005.

وقصف الطيران السوداني ليل الاثنين الثلاثاء عددًا من المواقع النفطية الحدودية في جنوب السودان، كما اعلن حاكم ولاية الوحدة الجنوبية المحاذية للسودان تعبان دينق.
واستهدفت الطائرات السودانية بلدتي باناكواش ولالوب الواقعتين داخل اراضي جنوب السودان، اضافة الى مركز تشوين الحدودي، المنطقة المتنازع عليها، الذي شهد معارك شديدة بين قوات البلدين في الايام الاخيرة، كما اوضح الحاكم دينق.

واضاف ان عمليات القصف تواصلت حتى quot;الساعات الاولىquot; من صباح الثلاثاء، موضحًا أن الضربات الجوية الاكثر عمقًا داخل الاراضي سجلت على بعد حوالي 25 كلم من خط الجبهة.
وقال: quot;طلب منا اخلاء هجليج، فقمنا بذلك. وطلب من السودان وقف عمليات القصف الجوي والتوغل في جنوب السودان فلم يمتثلquot;.

وتابع محذرًا: quot;نحن قادرون على الدفاع عن انفسنا، والعودة خصوصًا الى هجليج ... واعتقد أن على الجميع التفكير في هذا الامر جديًاquot;.
وتنفي الخرطوم في شكل منهجي أي قصف جوي لأراضي جنوب السودان، علمًا ان الامم المتحدة وصحافيين تمكنوا من تأكيد بعضها.
lrm;
تدهور العلاقات بين السودان وجنوب السودان

وتدهورت العلاقات بين الخرطوم وجوبا التي تشهد توترًا منذ استقلال جنوب السودان الصيف الفائت، بعدما سيطرت قوات جنوب السودان في العاشر من نيسان/ابريل على هجليج التي يطالب بها الطرفان.
واستعاد الجيش السوداني في نهاية الاسبوع الفائت السيطرة على هذه المنطقة التي تؤمن نصف انتاج النفط الخام للسودان. وفي حين اكدت الخرطوم انها طردت منها قوات جنوب السودان قالت جوبا إنها انسحبت من المنطقة طوعًا تلبية لدعوات المجتمع الدولي.

وينص اتفاق السلام المبرم سنة 2005 الذي وضع حدًا لحرب اهلية استمرت 22 سنة، وافسح المجال لاستقلال جنوب السودان في تموز/يوليو الماضي، على أن تكون الحدود بين الشمال والجنوب كما كانت عليه في الاول من كانون الثاني/يناير 1956 عندما استقل السودان عن بريطانيا.
وكان السودان في عهد الاستعمار البريطاني مقسمًا الى قسمين، وكان النظام الاداري مختلفًا في الشمال عن الجنوب.

مطالبات بوقف العمليات العسكرية بين السودان وجنوب السودان

لكن العديد من خرائط تلك الفترة متناقضة ولم يجرِ ابدًا أي ترسيم للحدود على الارض لذلك تتنازع الخرطوم وجوبا السيطرة على ما لا يقل عن خمس مساحة ال1800 كلم من الحدود المشتركة ومن بينها مناطق زراعية خصبة وأخرى تزخر بالنفط والمعادن.
ومن بين تلك المناطق المتنازع عليها ابيي وهجليج اللتان يتمسك بهما الطرفان لأسباب عاطفية في الاساس اذ ينتمي العديد من قادة الشمال والجنوب الى قبائل من سكان هاتين المنطقتين.

وكانت منطقة هجليج في قلب المعارك الاخيرة وقد انسحبت منها جوبا بعدما سيطرت عليها لفترة قصيرة بناء على دعوات ملحة اطلقها المجتمع الدولي. وتنتج هذه المنطقة نصف النفط السوداني.
وهي تعتبر منطقة استراتيجية ولا سيما أن الخرطوم فقدت في تموز/يوليو 2011 ثلاثة ارباع احتياطها من النفط الذي كانت تملكه قبل انفصال الجنوب.

وفي 2005 كانت ابيي التي تتمتع بوضع خاص في اتفاق السلام، تشمل ايضا هجليج لكن محكمة التحكيم الدولي في لاهاي حدت من مساحتها في 2009 وفصلت عنها هجليج.
لكن ذلك لم يحسم الامر اذ ما زال الطرفان يتنازعان على هجليج وتؤكد جوبا أن المنطقة وحقولها النفطية كانت في الجنوب بحسب خرائط 1956.

كما لم تحسم المحكمة مسألة ضم ابيي الى شمال أو جنوب السودان.
وفي كانون الثاني/يناير 2011 كان يفترض أن يتم استفتاء في تلك المنطقة التي تعادل مساحتها مساحة لبنان لكن الاستفتاء لم يحصل بسبب عدم التوافق حول من لهم حق الانتخاب.
وفي ايار/مايو 2011، استولى الجيش السوداني على المنطقة التي كانت حتى ذلك الحين تسيطر عليها وحدات خاصة مشتركة من الشمال والجنوب، ما ادى الى فرار نحو 110 آلاف شخص نزحوا الى مخيمات جنوب السودان.

والخلاف الحدودي بين البلدين الجارين ليس المصدر الوحيد للتوتر بين البلدين، فالسودان وجنوب السودان اللذان يبدوان اقرب من اي وقت مضى الى اندلاع حرب جديدة بينهما، يتنازعان خصوصا حول الرسوم التي تفرضها الخرطوم على جوبا لتصدير النفط عبر انابيبها.