الأكراد يعملون على تحقيق استقلالهم على مختلف المستويات

في حين تصاعد صراع القوى في بغداد الى مستويات تبعث على القلق منذ رحيل القوات الاميركية في كانون الأول 2011 بتنكر رئيس الوزراء نوري المالكي لمبدأ الشراكة الوطنية، يعمل الأكراد على تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية بهدف تحقيق استقلالهم.


لندن: تعتبر الدويلة الكردية في شمال العراق تجسيدا لقدرة القيادة القومية الكردية العراقية على توظيف الصراع بين قوى إقليمية أكبر منها لصالحها الى أقصى الحدود. ولعل الصراع على السلطة في بغداد، مرتبط بالصراع الاقليمي المحتدم بين ايران وتركيا ودول الخليج على الساحة السورية، ويمنح القيادة الكردية في اربيل فرصا جديدة لترسيخ أسس الاستقلال عن بغداد، كما أفادت مجلة تايم في تقرير عن الوضع السياسي في العراق.

وقد تكون هذه لعبة تحالفات مصلحية عابرة لكنها محفوفة بالمخاطر بين قوى لا تجمعها بالضرورة رؤية مشتركة. ولكن هذه على وجه التحديد هي لعبة التوازن التي أوجدت الكيان الكردي في شمال العراق، بسماته العديدة المميزة للاستقلال، من علم وإدارة وأجهزة أمنية، ويسعى الآن الى توسيع قاعدته الاقتصادية المستقلة أيضا.

وتصاعد صراع القوى في بغداد الى مستويات تبعث على القلق في الأشهر التي مضت منذ رحيل القوات الاميركية في كانون الأول (ديسمبر) 2011 بتنكر رئيس الوزراء نوري المالكي لمبدأ الشراكة الوطنية، الذي يمنح كل الفرقاء ذوي العلاقة نصيبا من السلطة ليركز السلطة بدلا من ذلك في يده، بحسب مجلة تايم، مشيرة الى انه حتى رجل الدين الشيعي الراديكالي مقتدى الصدر الذي كان دعمه حاسما في اعادة انتخاب المالكي، أخذ يسميه quot;الدكتاتورquot;.

وما زالت اعمال العنف التي ترتكبها جماعات مسلحة سنية مستمرة في حين ان القادة السياسيين السنة أبعدهم المالكي عن الحكم. وشهدت الأيام الأخيرة توجه المالكي الى طهران للتباحث مع حلفائه الاقليميين الرئيسين فيما يصعد الحرب الكلامية مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي يتهمه المالكي بالتدخل في شؤون العراق. ولا تخفي تركيا دعمها كتلة العراقية منددة بالمالكي على نهجه الطائفي quot;الأنانيquot; في الحكم. واستقبلت انقرة مؤخرا نائب الرئيس العراقي المطلوب طارق الهاشمي الذي أُجبر على الفرار من بغداد، هربا من الملاحقة الجنائية التي يقول انصاره انها تستند الى تهمة ملفقة هدفها إضعاف القيادة السياسية السنية. وانتقل الهاشمي الى اربيل عاصمة اقليم كردستان الذي ليس لقوى الأمن العراقية صلاحية الدخول الى أراضيه، على حد قول مجلة تايم.

وأياً كانت حدة اللغة والمناورات التي يستخدمها اللاعبون الرئيسون، فان سياسة المحسوبية كرّست نمطا معينا في الطبقة السياسية العراقية لا يبدو أنه زائل في اندفاع متسارع نحو حرب أهلية. ولكن كل أزمة جديدة وكل واقعة، توصل الوضع الى حافة الانفجار تتيح فرصاً جديدة لفرض القضية الكردية.

وكانت للأكراد الذين يشكلون نحو 20 في المئة من سكان العراق، علاقات طيبة مع ايران قبل سقوط صدام حسين، وجرت كالعادة محاولات لكسب ودّهم في الوضع السياسي، بعد صدام عندما احتاجهم اللاعبون السياسيون الشيعة والسنة الكبار لترجيح كفة الميزان لصالح هذا الطرف أو ذاك.
وأتاح ثقلهم الحاسم عمليا بحكم حصتهم من التمثيل النسبي في البرلمان، لقادة الحزبين الرئيسين، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس جلال طالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الاقليم مسعود بارزاني، ان ينتزعوا تنازلات أكثر مما لو كان السياسيون العرب سيقدمونه في وضع آخر.

وهذه الأيام، فإن السياسيين العرب ليسوا وحدهم الذين يغازلون الأكراد. فإن تركيا احتفت مؤخرا برئيس الاقليم مسعود بارزاني في انقرة حيث مدّت له البساط الأحمر واستقبله الرئيس التركي عبد الله غُل. وعاد بارزاني مؤخرا من زيارة الى واشنطن حيث اجتمع مع كبار المسؤولين في ادارة اوباما.

وبدا أن هذه الزيارات تضخّم تحدي بارزاني لبغداد في نزاعهما حول عائدات النفط. واتهمت حكومة الاقليم، المالكي بتمهيد طريق العودة الى الدكتاتورية، محذرة من أنها ستلجأ الى قرارات أخرى في حال عدم التوصل الى حلول جذرية وإطار زمني محدد لمعالجة الأزمة الحالية. وهو تهديد مكشوف بإعلان الاستقلال عن بغداد، على حدّ تعبير مجلة تايم مضيفة أن الاستقلال يبقى الهدف التاريخي لأكراد العراق، وان استفتاء أُجري في عام 2005 أظهر ان 98 في المئة صوتوا لصالح الانفصال عن العراق.

ولكن الحقائق الجيوسياسية، اقتضت تحجيم هذه المشاعر الشعبية. فإن كردستان العراق رقعة صغيرة بلا منفذ على البحر، وفي حين ان فيها ثروات نفطية كبيرة فانها ستحتاج الى تعاون واحد من جيرانها الأقوياء تركيا أو ايران أو العراق، لإيصال النفط الى الأسواق. كما ان اقليم كردستان نشأ أساسا لأن الولايات المتحدة ساعدت بعد إسقاط صدام حسين مباشرة على قيامه ولكنها أوضحت انها ليست مستعدة لدعم تقسيم العراق، بحسب مجلة تايم.

ولخّصت مجموعة الأزمات الدولية اللعبة السياسية الكردية بالقول إن الأكراد انتظروا طويلا للحظة الخلاص من قيود الدولة المركزية الثقيلة التي كانت أحيانا تبطش بهم. وهم يعرفون انه عندما تكون بغداد ضعيفة يستطيعون اتخاذ خطوات لتقريب حلمهم بالدولة، ولكن عندما يكون المركز قويا فانه يستخدم موارده المتفوقة لإعادتهم الى وضعهم أو اسوأ. ومن هنا قلق الأكراد من محاولات رئيس الوزراء نوري المالكي تركيز السلطة على حساب خصومه واعادة بناء دولة قوية مجهزة بأسلحة أميركية تكون تحت سيطرته بلا منازع، كما تقول مجموعة الأزمات الدولية في عرضها لموقف الأكراد.

وكان الاعتقاد السائد قبل الغزو الأميركي، ان تركيا ستقف بشدة ضد انبثاق كيان كردي يتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق، خشية ان يشجع ذلك الميول الانفصالية بين اقليتها الكردية. ولكن تركيا بدلا من ذلك برزت بوصفها حليفا أساسيا وشريكا اقتصاديا كبيرا للكيان الكردي الناشئ. ويبلغ حجم تجارة تركيا مع اقليم كردستان العراق، نصف اجمالي تجارتها مع العراق. وهي صيغة برغماتية ذات منافع متبادلة، على حد وصف مجلة تايم، مشيرة الى ان الأكراد عمدوا مؤخرا الى توسيع صناعتهم النفطية بتوقيع عقود مع شركة اكسون موبل، تنص التنقيب في حقول تقع في مناطق متنازع عليها، ولكن الأكراد يعتبرونها جزءا من ثروة دولته قيد الانشاء، على حد تعبير مجلة تايم. وأثارت هذه العقود حفيظة بغداد وقامت اربيل بوقف تصدير النفط المستخرج من اراض تقع تحت سيطرة بغداد في نزاع مالي مع الحكمة المركزية. وتأمل الحكومة الكردية باستخدام انبوب يمر عبر الأراضي التركية، كطريق بديل حين يُنجز بناؤه وبذلك تقليل الاعتماد على بغداد.

ويبدو ان تركيا مستعدة الآن لدعم الانفصاليين الأكراد العراقيين لا في اطار تنافسها مع ايران على النفوذ الاقليمي فحسب، بل لأن تركيا ترى ان حكومة اقليم كردستان يمكن ان تكون حليفا مهما في صراعها هي ضد حزب العمال الكردستاني. ويفترض هذا الدعم التركي أن سلطات الاقليم مستعدة للتصدي بقوة لعمليات حزب العمال الكردستاني في الأراضي التي تقع تحت سيطرتها. وطالب بارزاني في أنقرة الأسبوع الماضي بأن يلقي حزب العمال الكردستاني السلاح محذرا من انه لن يسمح باستخدام اراضي كردستان العراق طالما أصرّ الحزب على نهج الكفاح المسلح. ولكن مجلة تايم تنقل عن المحلل ام. كي. بادراكومار أن الأمر قد لا يكون بتلك البساطة.
وفي حين ان القيادة الكردية تدرك الضرورة الجيوسياسية للتعاون مع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، فان رجال البشمركة الذين ستعتمد عليهم لمنع عمليات الحزب انطلاقا من اراضيها، يتعاطفون عموما مع محنة أشقائهم في السلاح على الجانب التركي من الحدود.

وتزداد مخاوف تركيا من نشاط حزب العمال الكردستاني بتأثير الأزمة في سوريا حيث دعمها للمعارضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد دفع دمشق الى التهديد بالرد من خلال استئناف الدعم لحزب العمال الكردستاني، وهي خطوة يمكن ان تعني مزيدا من المتاعب داخل تركيا التي لها حدود مشتركة مع المنطقة الكردية في سوريا. ويرى البعض ان كسب تأييد قادة مثل بارزاني يمكن ان يشكل صمام أمان ضد مثل هذه المتاعب، وربما يقنع مزيدا من اكراد سوريا بالكف عن اتخاذ موقف المتفرج ودعم الانتفاضة ضد الأسد.

قد يكون الأكراد أحد الشعوب التي أغفلها البريطانيون والفرنسيون عندما أعادوا رسم حدود الشرق الأوسط في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ولكن أكراد العراق اليوم اتعظوا على ما يبدو من دروس التاريخ، وفي المقدمة منها القول المأثور إن كل أزمة هي أيضا فرصة، كما تذهب مجلة تايم.