بعد أكثر من عام على الانتفاضة السورية يقول محتجون ومقاتلون إن خلايا معارضة من صنوف شتى تنبثق داخل سوريا وتعمل بمفردها في جمع المال والسلاح وإن ذلك يثير خطر نشوء ولاءات متضاربة للجهة التي تمولها أو تسلحها.


يعترف المقاتلون المعارضون لنظام الرئيس السوري بشار الأسد بعدم وجود هيكل قيادة موحد ينسق العمليات ويضخ إمدادات السلاح في وقت يستصرخون ضمير العالم لمساعدتهم.

وأثبتت هذه الشبكة اللامركزية من مقاتلي المعارضة وناشطيها مع ذلك قدرة على الصمود بوجه حملة النظام الوحشية التي أسفرت عن مقتل آلاف وإحالة أحياء كاملة ركاما من الأنقاض. ولكن هذه المعارضة لم تتمكن حتى الآن من الالتحام في قوة موحدة أو الالتفاف حول قائد وطني أو طرح ايديولوجيا واضحة أو اهداف محدَّدة، ما عدا الاتفاق على اسقاط الرئيس بشار الأسد.

ويخشى كثيرون أن هذا التشظي يمكن أن يحول سوريا الى quot;امارات منقسمةquot; بدلا من نظام جديد متماسك، كما قال الناشط ابو عمر لصحيفة نيويورك تايمز في احدى ضواحي دمشق شاكيا من بعض المجموعات التي تختزن السلاح وما يقترن به من سطوة. وقال ابو عمر إن quot;الذين يستحقون لا يُموَّلون بل يذهب كل التمويل الى اشخاص لا يستحقونهquot;.

وتضم المعارضة خليطا من المقاتلين والمحتجين العزل، بينهم رجال دين ومعارضون يعترفون بأنهم نادرا ما يؤدون الصلاة، عسكريون متمرسون ومجندون سابقون بالكاد تلقوا تدريبا، اطباء اثرياء وشباب عاطلون. البعض يقول إنه يريد حكما يطبق الشريعة الاسلامية فيما يؤكد آخرون أن القانون المدني وحده الذي يجب ان يسود. ولكن اهدافهم المتباينة تستدعي التوقف في وقت تبحث الولايات المتحدة وقوى أخرى في ما إذا كان عليها ان تدعم معارضة الداخل وسبل إيصال هذا الدعم. وحين يُسأل المعارضون أنفسهم يمكن ان تكون الاجابات شائكة معقدة.

عناصر من الجيش السوري الحر

وتنقل صحيفة نيويورك تايمز عن ابو فهد (30 عاما) ان المحتجين الذين يتولى تنظيمهم في ضاحية سقبا في ريف دمشق quot;متدينون وعلمانيون واشخاص يتعاطون الخمرة ويدخنون الافيونquot; ولكن معظمهم من الأغلبية السنية. واضاف ابو فهد ان اعضاء خليته لا يبحثون عن كسب اقتصادي ولا يريدون انتقاما طائفيا أو دولة اسلامية بل الكرامة وحرية اختيار رئيسهم بأنفسهم quot;وليس ابله تسلم السلطة هدية من والدهquot;.

وإزاء فشل معارضة الخارج وخطة المبعوث الدولي كوفي انان المدعومة من الأمم المتحدة في وضع حد لسفك الدماء يتركز الاهتمام في واشنطن بصورة متزايدة على معارضة الداخل مع تساؤلات ملحة عن الدوافع والقيادات والجهات المؤازرة.

ولكن سوريا تبقى صندوقا اسود، على حد تعبير صحيفة نيويورك تايمز مشيرة الى انه في غمرة العنف وقيود النظام على الصحافيين يعمل المقاتلون والمحتجون بمفردهم من حيث الأساس وبعيدا عن أنظار المراقبين المستقلين. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يصور الناشطون أنفسهم ديمقراطيين يرفضون الاستبعاد والاقصاء ولديهم قواعد جماهيرية فيما ينعت النظام خصومه بالعمالة لجهات أجنبية ويصفهم بالاسلاميين المتطرفين.

ولكن الواقع أشد تعقيدا، في ضوء المقابلات التي اجرتها صحيفة نيويورك تايمز مع أكثر من 20 ناشطا ومقاتلا عبر سكايب والهاتف واللقاءات المباشرة وجها لوجه داخل سوريا وفي بلدان مجاورة.

والصورة التي تتكون من أحاديثهم هي صورة حركة لا مركزية، محلية باعتزاز، ولا تثق بمعارضة الخارج. وقال العديد من الناشطين إنهم يريدون السلطة للسنة وحقوق متساوية للجميع في آن واحد. وإذا كان هناك اجماع فهو الايمان الراسخ بأن قادة الغد يجب أن يأتوا من صفوفهم، quot;من الحركة الشعبية حصراquot;، بحسب ابو عمر وليس من فصائل الخارج مثل جماعة الاخوان المسلمين والحركات العلمانية المنتشرة في عواصم العالم.

وكان المقاتلون والناشطون يعرفون انهم يتحدثون لصحافيين أجانب وحرصوا على ألا يبدوا أمامهم طائفيين او متطرفين ولكن كثيرين تحدثوا بصراحة عن وجود ثغرات في الانتفاضة وتحديات تواجهها، واعترف واحد منهم يعمل مصمم ديكورات داخلية، بإعدام ثلاثة اشخاص.

وقال مصمم الديكور الذي قدم نفسه باسم ابو مؤيد انه ترك عمله في شركة معمارية في بيروت العام الماضي وعاد الى بلدته قرب مدينة ادلب حيث انضم الى منشقين عن الجيش النظامي في كتيبة quot;الثأر لحي بابا عمروquot;.

وتابع ابو مؤيد ان نحو 35 جنديا وشبيحا وقعوا في أسر الكتيبة التي اعدمت 10 منهم بعد ان رفضت السلطات مبادلتهم بمعتقلين. واضاف انه اعدم ثلاثة رميا بالرصاص اثنين من السنة والثالث علوي بعد ادانتهم بقتل مئات.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن ابو مؤيد قوله quot;لا تسألوا عن الأسباب فان هذا من حقناquot;. ولكنه اعترف بأنه اعدم الثلاثة بدافع الغضب بعدما قتلت قوات النظام اثنين من اعمامه. وقال ان والده مفقود وزوجته واطفاله مختفون. وكشف ابو مؤيد ان كتيبته كانت تشتري السلاح من امدادات النظام المخزونة في معمل للالبان، وان صاحب العمل شبيحة يبيع الكلاشنكوفات وقاذفات الصواريخ في لهفة على جمع المال تحسبا ليوم الهروب.

وأكد ابو مؤيد انه ابتاع على منطقة الحدود العراقية مؤخرا اسلحة دفع مقابلها 35 الف دولار تبرع بها مغتربون سوريون اغنياء ولكنه لا يتلقى اوامر من الخارج.

وفي غياب قيادات معروفة أخفقت معارضة الداخل في نيل معونة يُعتد بها من البلدان الغربية التي لا تريد ان تقدم مساعدات من دون مراقبة أو محاسبة. ولكن المفارقة، كما يؤكد ناشطون، أن هذا الضعف أبقى الحركة حية ومستقلة، بلا رأس يُقطع ومن الصعب استيعابها. ويقول محتجون ان التبرعات المحلية توفر احتياجاتهم المتواضعة من مكبرات صوت ولافتات وهواتف خلوية.

وقال الشيخ احمد، وهو خطيب مسجد سني في دمشق، ان مؤيدين لجماعة الاخوان المسلمين حاولوا ان يجيروا لحسابهم تعبئة الألوف الذين يتظاهرون بعد صلاة الجمعة قائلا ان المساجد هي المكان الوحيد الذي يستطيع المواطنون ان يتجمعوا فيه بصورة اعتيادية وان الحشود التي تخرج ايام الجمعة تضم مسلمين وغير مسلمين، علمانيين واسلاميين متطرفين. واوضح الشيخ احمد لصحيفة نيويورك تايمز quot;ان سوريا ليست مصر أو تونس، وأنا ادعو الى دولة مدنية ديمقراطية وحينذاك سينال كل مواطن حقه أو حقهاquot;.

واعرب عامر الذي يتولى تنظيم خلية في ضاحية دوما قرب دمشق عن نوازع تتجاذبه بشأن الاسلام قائلا quot;أنا شخصيا لا أُصلي ولكني احترم دينيquot; ودور الاسلام في السياسة. واضاف ان الشريعة الاسلامية يجب ان تُطبق على المسلمين مثل منع بيع الكحول في الأحياء السنية، واتهم النظام بمحاربة مبادئ الأخلاق الاسلامية ولكنه قال quot;نحن لا نستطيع ان نفرض الشريعة على جميع المواطنينquot;.

واشارت صحيفة نيويورك تايمز الى ان المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى جيفري وايت درس مئات من اشرطة الفيديو والبيانات الصادرة عن 68 كتيبة تتحدث باسم الثوار. وقال وايت الذي يؤيد تسليح المعارضة ان كثيرين من اصحاب هذه الأشرطة يبدأون كلامهم بالبسلمة، وهو أمر طبيعي في بلد متدين، ولكن سبعة جاهروا بكونهم اسلاميين رافعين رايات سوداء كُتبت عليها آيات قرآنية. وتحدثت تقارير ذات مصادر مختلفة عن عمل جماعات اصولية في شمال سوريا.

وقال مقاتل من خلية ابو عمر انه وصديقه باعا سيارتيهما واستأجرا شقة منتحلين صفة عمال لرصد مسؤول حكومي. وعندما نفذا هجومهما تغلبت عليهما قوى الأمن وقتلت صديقه. واضاف هذا المقاتل quot;كنا نعرف اننا سنموتquot; مؤكدا quot;انا لستُ متدينا بل يساري ولكن السوريين كلهم اصبحوا انتحاريينquot;.