الزيادة من حدة العقوبات على ايران لم تأت بنتيجة، فهذه الدولة تعتبر أن المخاوف الايديولوجية أكثر أهمية من المخاوف الاقتصادية.


تدخل أحدث موجة من العقوبات ضد إيران حيّز التنفيذ اليوم. وتستند هذه التدابير إلى حد كبير، إلى quot;نموذج الفاعل العقلانيquot; في الغرب الذي يأمل أن قادة إيران سيجدون في نهاية المطاف أن من مصلحتهم التخلي عن برنامجهم النووي.

علي الخامنئيالمرشد الاعلى للثورة الإيرانية

المشكلة مع مثل هذه الاستراتيجية ليست بأن قادة إيران غير عقلانيين، بل لأن الغرب لا يعرف كيف تقيّم إيران التكاليف والخيارات المتاحة.

بعد فشل العقوبات السابقة، فرض الغرب مجموعة جديدة من العقوبات أكثر صرامة على ايران التي تبنت موقفاً أكثر حزماً في مواجهة الغرب، مشيرة إلى أنها سترد على التهديدات الاقتصادية والعسكرية بـ quot;التهديدات الخاصةquot; بها.

في هذا السياق، تساءلت صحيفة الـ quot;غارديانquot; البريطانية: لماذا فشلت ايران حتى الساعة في الرد على الضغوط الدولية؟

وفقا لنموذج العقوبات الأساسية، فإن الهدف من العقوبات تغير سلوك طهران في الاتجاه المطلوب، وذلك عندما يصبح ثمن التحدي أكثر بكثير من التكاليف المتصورة للامتثال. لكن على الرغم من اعتماد ايران على النفط، وضعف الهيكلية لاقتصادها، والتكاليف الاقتصادية الهائلة مثل الارتفاع الحاد في معدلات التضخم، والنمو الاقتصادي السلبي وارتفاع نسبة البطالة، إلا أن العقوبات فشلت في ثني إرادة طهران.

بناء على ذلك، ينبغي أن يسأل مهندسو السياسات كيف تقيّم ايران تكاليف العقوبات في تحديها للغرب؟

أولا، بالنسبة إلى قادة إيران، تعتبر الايديولوجيا والهواجس الأمنية أهم بكثير من الأرباح الاقتصادية، وتحديداً أمن الطبقة الحاكمة والتي ينظر إليها على أنها quot;حامي المبادئ التي أسست الجمهورية الإسلاميةquot;.

يشدد النظام الايراني على ثلاثة مبادئ مركزية منذ أنشئت الجمهورية عام 1979: quot;العدالة الإسلاميةquot;، quot;الحكم الإلهيquot; وquot;النضال ضد الامبرياليةquot; وكلها ضرورية للحفاظ على قوة النظام وشرعيته. وبالتالي، في نظر القيادة الإيرانية، فإن أي أضرار تلحق بهذه الركائز تعتبر ذات أهمية أكبر بكثير من خسارة مليارات الدولارات.

ثانياً، الغرب وإيران لا يتشاركان فهم أهداف العقوبات الحقيقية. هدف الغرب هو منع إيران من أن تصبح قوة نووية، ولكن ذلك لن ينجح إلا إذا تحول قادتها الحاليون إلى سياسات جديدة أو يحل محلهم قادة جدد، أكثر ملاءمة نتيجة لضغوط داخلية.

في الحالة الأخيرة، فإن العقوبات الاقتصادية تؤدي إلى ارتفاع الغضب العام لدى المواطنين من الطبقة الوسطى وبالتالي تؤجج النشاط الاحتجاجي المعارض.

من جانبها، تعتقد ايران أن الهدف من العقوبات هو منع انتشار النموذج الإيراني في المنطقة، وأن تثبت للعالم ان الجمهورية الاسلامية هي نموذج فاشل لا يحتذى من قبل الثوريين العرب. وبالتالي، وفقا للتفكير الاستراتيجي للغرب، يتم دفع إيران إلى الزاوية حيث عليها أن تختار بين المحافظة على النظام واستمرار برنامجها النووي مع طموحاتها الإقليمية.

بعقلانية، وسوف تختار ايران الحفاظ على النظام.

لكن المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، يرى أن استمرار برنامج طهران النووي وتحقيق طموحاتها الاقليمية هو الدعامة التي تحافظ على النظام. ويعتقد أن الترويج للنموذج الإيراني في الشرق الأوسط، هو المفتاح لأمن النظام على المدى الطويل، ولذلك يعتبر أن العقوبات أمر يمكن احتماله على المدى القصير.

ونظرا لهذا الرأي، تعتقد طهران أنه يجب الانتظار بصبر حتى التوصل إلى مجموعة مترابطة من التغييرات التي تصب في صالحها. وتعتقد أن الأزمة الاقتصادية ستشل الغرب أيضاً. كما أنها ستكون قريبة بما فيه الكفاية للانضمام إلى النادي النووي وعندها تتحول الظروف تحولا جذريا في صالحها.

بناء على ذلك، فإن العقوبات الاقتصادية هي بمثابة quot;استثمار قصير الأجلquot; بتكاليف ستؤتي ثماراً كبيرة على المدى الطويل. إيران لا تلعب الشطرنج مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. انها تنتهج لعبة مختلفة تجعل التوصل إلى حل سلمي في المستقبل القريب يبدو مستبعداً جداً.