سيطرة الجيش الحر على بعض المناطق لا تدوم طويلا

تدور معارك متبادلة في أكثر من مدينة سورية بين الجيش الحر وقوات الرئيس بشار الأسد، لكن هذه المعارك تبدو غير محسومة لأي من الطرفين حتى الآن، ويمكن لمقاتلي المعارضة ذوي التسليح والتنظيم المتواضعين أن يخوضوا حرب استنزاف مع قوات النظام ولكنهم في غياب القيادة والهيكلة العسكرية لا يستطيعون تنظيم هجوم مركَّز.


شقت المجموعة المؤلفة من ثمانية مقاتلين طريقها على طول الشارع في مدينة دير الزور شرقي سوريا عند الغروب. وسار المقاتلون بحذر بين أنقاض الزجاج المهشمخافضي الرؤوس ومنحني الظهور تحت ثقل البنادق والصواريخ التي يحملونها.

ساروا على الطريق المطرز بالحفر مارّين بمبانٍ مخرمة بالرصاص وشقق ومتاجر تناثرت محتوياتها على الاسفلت الحار: فرش وأرائك محترقة وثلاجة.

وعلى مقربة كانت الهاونات والقنابل تدك بايقاع. توقف الرجال أمام مبنى منهار ،اتشح ما تبقى من جدرانه بسواد الدخان. كانت هناك رائحة جثث متفسخة. وقال قائد المجموعة لمراسل صحيفة الغارديان quot;فقدنا ثلاثة رجال هنا قبل يومينquot; مشيرا الى ثلاث برك من الدم المتخثر حيث quot;وقعوا بجانب احدهم الآخرquot;.

التقط أحد الرجال نعلا مطاطيا أسود صهرته النار والتقط آخر ما تبقى من دشداشة متفحمة. شمَّها وقال quot;هذه دشداشة ابو قتادة وهذه رائحة شهيدquot;. ثم دس قطعة القماش التي كانت تعط منها رائحة كريهة في جعبته.

مضى الرجال الثمانية في طريقهم مسرعين عبر الساحة المحترقة التي أُعيدت تسميتها الى ساحة الحرية وسط دير الزور ، ملتفين عبر الأقواس التي كانت ذات يوم تضم متاجر تبيع الذهب والتوابل واللوازم الكهربائية لكنها الآن موطن قطعان من الكلاب التي كاد القصف يقضي عليها.

في دير الزور تبدو المعركة في دوامة لا تنتهي. ففي كل يوم يحاول جنود النظام ودباباته انتزاع المدينة من الثوار. وفي كل يوم يصدهم الثوار فيرد الجيش بقصف المدينة بقذائف الهاون والصواريخ.

يبدأ القصف صباحا ويتوقف في المساء. ولكن هدف القصف اعتباطي إذ يمكن ان تسقط القذائف في أي مكان تقريبا من المدينة.

توزع الرجال على ثلاث فرق.وتسلق قناص داخل بناية عالية تطل على ارض حرام يتقاسمها قناصة النظام وقناصة المعارضة. وطوق الآخرون حاجز تفتيش لقوات النظام. أُطلقت اولا قاذفة آر بي جي بهدير وسحابة من الغبار ثم أصوات زجاج ومعدن وحجارة تتكسر. ولكن جنود الحكومة لم ينجروا الى المعركة.
ركض مقاتل مربوع الى وسط الشارع وهو يطلق زخة من الرصاص. ورد جنود النظام بنيران رشاش ثقيل ، وتفجرت المباني والشارع من حول المقاتل بشرارات صفراء. هرب المقاتلون داخل زقاق وأمر قائد المجموعة قوي البنية رجاله بالانتقال الى الجانب الآخر من الشارع وراح يطلق النار على الجنود البعيدين لتوفير غطاء حتى يعبر الرجال الى الجانب الآخر. واحتمى المقاتلون في سوق خضار بين بسطات مكدسة بالبطاطس والبصل المتعفن حيث اختلطت رائحة الخضروات العطنة والحيوانات النافقة مع رائحة البارود.

وعندما ارخى الليل سدوله انسحب المقاتلون وانضم اليهم القناص في زقاق مظلم. كان بشوشا وقال انهم تمكنوا من قتل خمسة جنود.
اتكأ احد الرجال على حائط قريب وبدأ يتقيأ.

قوات الأسد تواصل عملياتها في عدة مدن سورية

حتى الآونة الأخيرة عندما بدأت اسلحة أكثر تطورا تتدفق من تركيا ، كانت محافظة دير الزور طريق الامداد الرئيس لأسلحة المقاتلين واعتدتهم القادمة عبر الحدود من العراق. ويسيطر الثوار الآن على غالبية الريف البائس للمحافظة ، بما في ذلك المخفر الحدودي.

وقال ابو عمر وهو رائد منشق من الجيش ذو لحية كثة يرأس احد المجلسين العسكريين اللذين يقودان المعركة ، لصحيفة الغارديان quot;نحن نسيطر على 90 في المئة من المحافظةquot;. ثم اضاف quot;هل هذه المحافظة محررة؟ ليس بعد ، فنحن لدينا رجال أكثر ولكن لديهم قواعد ولا نستطيع القبض عليهم من دون ذخيرةquot;.

ويقول المقاتلون ان شهرا من الاشتباكات العنيفة والقصف المدفعي في مدينة دير الزور اسفر عن مقتل مئات المدنيين والمعارضين المسلحين وجنود النظام وتدمير 86 دبابة وعربة مصفحة.

ولكن رغم وصول الحرب الأهلية الى داخل دمشق فإن قوى الأمن واصلت القتال في هذا الطرف من البلاد. وتمكنت قوات النظام مؤخرا من السيطرة على تقاطعين رئيسين في المدينة احتلتهما بالدبابات وأقامت مرابض قنص. ويقرب مقاتلون كثر من حالة الإعياء والإنهاك. فالمقاتلون يُطعَمون مرة في اليوم والامدادات نضبت حتى باتت تصلهم بالقطارة. ويحتاج المقاتلون الى اربع ساعات لقطع طريق وعرة عبر خطوط النظام.

ولكن وضع المقاتلين افضل من حال المدنيين لأن أغذية مهربة تأتي مع الأعتدة المهربة. ودُفع المدنيون الى استجداء الغذاء من المقاتلين. وذات يوم اقتربت امرأة من مجموعة المقاتلين التي رافقها مراسل صحيفة الغارديان قائلة إنها تحتاج الى غذاء لإطعام أطفالها الأربعة. وقال المقاتل بصوت بدا عليه التعب انه سيرسل لها معلبات في وقت لاحق. فردت المرأة قبل ان تبتعد quot;سألتُ ثلاث وحدات من قبل ولم يعطني احد شيئاquot;.

ويمكن لمقاتلي المعارضة ذوي التسليح والتنظيم المتواضعين ان يخوضوا حرب استنزاف مع قوات النظام ولكنهم في غياب القيادة والهيكلة العسكرية لا يستطيعون تنظيم هجوم مركَّز على قواعدها.

وتتوزع قوات المعارضة في دير الزور على نحو 20 كتيبة. وتضم وحدات المقاتلين علمانيين وسلفيين ، حضريين وأبناء عشائر ، مدنيين وجنودا منشقين. وهم كثيرا ما يختصمون في ما بينهم ويتهمون بعضهم البعض باكتناز السلاح.

فقدت بعض الوحدات 70 في المئة من رجالها بسبب الخسائر والهروب ، ونضب العتاد في بعض الحالات حتى ان المقاتلين يتوجهون احيانا الى المعركة بمخزن رصاص واحد. ولكن لدى آخرين أكداس من قاذفات آر بي جي ومدافع رشاشة وقنابل يدوية نمساوية الصنع جاءت مع شحنة يقول مقاتلون إنهم دفعوا ثمنها من متبرعين سوريين وأوصلتها الاستخبارات العسكرية التركية عبر الحدود.

وهناك أعداد أكثر من الرجال وكميات أكبر من السلاح في ريف دير الزور ولكن العديد من القادة الميدانيين يفضلون حماية قراهم على إرسال رجالهم وأسلحتهم للقتال في المدينة.

في هذه الأثناء، ينظر المدنيون الذين يشكلون غالبية المقاتلين وتحملوا عبء القتال خلال الأشهر الستة الماضية ، بعين الشك والرفض الى الضباط المنشقين.

خليل البرداني معلم لغة انكليزية سابق يقود الكتائب الرئيسة في المدنية. وفي صباح اليوم الذي قابلته صحيفة الغارديان حاول رتل من دبابات الأسد وجنوده دخول القاطع الذي تسيطر عليه كتيبته في حي العمال جنوبي المدينة. وحُشد مئة مقاتل على عجل توجهوا الى الخطوط الأمامية لمساعدة وحدة خليل الصغيرة. ولكن عندما بدأ جنود النظام يطلقون قذائف الهاون والدبابات تراجع نصف الرجال. ولم يصل الجبهة من التعزيزات التي أُرسلت إلا 15 مقاتلا وقفوا وراء ركن طيلة ساعة بانتظار أمر الانسحاب.

وقال خليل quot;ان بعض الكتائب لا تفعل سوى الجلوس والأكل والشرب وبعضها الآخر يقاتلquot;. واضاف quot;كان لدي 50 رجلا في هذا القاطع والآن لدي 23. والباقون أمواتquot;.

واشار خليل الى رائد قوي البنية امامه انشق قبل اسبوع مواصلا حديثه باللغة الانكليزية quot;هذا الضابط يأتي الآن ويريد أن يصبح القائد الأعلى. فهم ما زالوا يفكرون بعقلية بشار ولم ينشقوا إلا لأنهم أدركوا أننا منتصرونquot;.

وبعد أن اخفق خليل في الحصول على مزيد من الرجال لوحدته من الضابط غادر الاجتماع غاضبا للانضمام الى رجاله. ولحقه مقاتل شاب قصير. وعندما اقتربا من خط الجبهة احتميا وراء ركن واستطلعا الطريق الممتد امامهما.
كانت دبابة تتمركز هناك تطلق قذيفة كل خمس دقائق.وانتظر خليل لإطلاق القذيفة التالية التي أعقبها انفجار قوي ثم ركض خليل عبر الشارع حاملا كلاشنكوفه على ذراع واحدة. وأُطلقت رشقة من نيران مدفع رشاش اثارت الغبار في وسط الطريق.

عبر الرجلان شارعين آخرين فيما كانت الطلقات تتطاير من حولهما قبل أن ينضما الى الآخرين ، الذين كانوا 12 مقاتلا يحتمون من دبابة النظام.وتحرك المقاتلون عبر حفر فُتحت بين الجدران وأطلقوا نيران أسلحتهم على جنود النظام فيما أطلقت الدبابة التي لا تستطيع المناورة في الطريق الضيق قذيفة تلو اخرى بلا هدف على ما يبدو ، واحيانا قرب الرجلين بما يكفي لرشهما بشظايا الزجاج والحجارة.ولكن غالبية القذائف كات تسقط بعيدا.
وفي وسط الطريق امام الدبابة كان حطام شاحنة بك آب مشتعلة.وكانت الشاحنة تحاول إخلاء اثنين من مقاتلي خليل عندما أُصيبت. وكان احدهما ممددا في الشارع بنصف رأس وجثة منتفخة في حرارة الشمس. وكان الرجل الآخر جثة متفحمة بلا ساقين مازال في الشاحنة.

زحف خليل عائدا وتوجه معه المقاتل الآخر الى بيت على حافة الطريق. وفي باحة البيت وقف مقاتل على كرسي صغير وبدأ يقطف العنب من كرمة.
وقال خليل لمراسل صحيفة الغارديان quot;إذا فقدنا هذه المنطقة سنفقد دير الزور. وما فائدة السلاح المخزون في الريف حينذاك؟quot;

وعلى جانب الطريق تسلل خمسة من رجال خليل وراء مجموعة من جنود النظام وفتحوا النار. تراجع الجنود الى منزل حاملين جريحين. وطوق الرجال الخمسة المبنى لكنهم لم يتمكنوا من الاقتراب بسبب نيران القنص من موقع حكومي.
أطلقت الدبابة قذيفة بعد أخرى محاولة ان تساعد الجنود المحاصرين ولكنها لم تتقدم خوفا من العبوات الناسفة التي زرعها خليل ورجاله. وانتظر المقاتلون حتى غروب الشمس ثم طوقوا البيت واضرموا فيه النار مع من في داخله من جنود.