قلق في الصومال من الجماعات المتطرفة

يستمر الصوماليون بالعمل على إيجاد حل للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، من بعد محاولات عديدة لتشكيل حكومة صامدة، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل. وتقدم الولايات المتحدة الدعم لبعض الدول الأفريقية خوفًا من وصول الاسلاميين الى مراكز الحكم في القرن الأفريقي.


لندن:كان من المقرر أن تقوم الصومال الاثنين بمحاولة أخرى بعد محاولات لا تحصى لتشكيل حكومة لعلها تصمد هذه المرة.ولكن البرلمان الجديد الذي ينعقد في محاولة لانهاء عقدين من انعدام الاستقرار قرر إرجاء انتخاب رئيس الى يوم آخر.وبالاضافة الى تأجيل انتخاب الرئيس، فإن محاولة تشكيل حكومة جديدة تجري في اجواء مألوفة سمتها زعماء حرب أيديهم ملطخة بدماء الصوماليين يعودون الى الساحة وقادة محليون يستغلون السياسة وحواجز تفتيش تُقام لتحديد المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات.

لكنّ عامًا من الهدوء النسبي في مقديشو ، عاصمة فوضى العالم لزمن طويل ، واقرار دستور جديد ، بعثا بصيص أمل بأن المحاولة الجديدة للتخلص من يافطة quot;الدولة الفاشلةquot; قد تتكلل بالنجاح. والسؤال هو هل يمكن أن تتكلل بالنجاح؟

بدلاً من التفاؤل اعتاد الصوماليون على ابداء الحذر المعجون بالمرارة متمنين لو ينجح السياسيون مرة واحدة فتتحسن ظروف حياتهم.

وقال جبريل عبد الله مدير مركز الابحاث والحوار ، وهو منظمة غير حكومية في مقديشو ، لصحيفة لوس انجيلوس تايمز quot;إن شيئًا ايجابيًا يحدث. وأنا خائف. هل نخسر مرة أخرى؟quot;

كثيرون يرون أن محاولة تشكيل حكومة وانتخاب رئيس لاحقًا هي الفرصة الأخيرة. لكنّ الصوماليين الاعتياديين ليس لهم كلمة في اختياره. وبدلاً من ذلك سيكون اختيار الرئيس حين يجري بتصويت البرلمان الجديد الذي انتخبه وجهاء البلد ممن لديهم زعماء حرب يتحملون مسؤولية الفوضى التي تعيشها الصومال منذ 20 عامًا، وذلك في عملية يقول منتقدون إنها مثقلة بالفساد وشراء الأصوات.

ويرى الصوماليون أنفسهم الذين قادوا العملية الانتخابية واللاعبون الدوليون الكبار، ومنهم الولايات المتحدة ، بأن الصومال ليست جاهزة لديمقراطية حقيقية بل يخشون أنها قد تخل بميزان القوى الدقيق بين الجماعات القبلية المحلية وتؤدي الى المزيد من سفك الدماء.

لكنّ كثيرًا من الصوماليين يقولون إنه إذا لم تسفر المحاولة الجديدة عن قيادة من نمط يختلف عمن أساؤوا حكم الصومال خلال السنوات الخمس الماضية فلن تكون لها مصداقية ولا شرعية ولن تحقق التغيير الذي يصبون اليه.

ويحذر محللون من عودة الوجوه القديمة مثل الرئيس شيخ شريف شيخ احمد أو اسوأ من ذلك لجوء الخاسرين الى رفع السلاح مجددًا.

ونقلت صحيفة لوس انجيلوس تايمز عن محلل امني طلب عدم ذكر اسمه بسبب طبيعة عمله في الصومال أن البلد يعود الى حقبة زعماء الحرب quot;وهذا ما يقوله جميع الصوماليين الذين أثق بهمquot;. واضاف أن غالبية قادة الشرطة في مناطق مقديشو زعماء حرب quot;ولدى احدهم ميليشيا من 400 رجل ، ولا احد يحرك ساكنًاquot;.

وتأتي العملية الانتقالية التي انطلقت بانعقاد البرلمان الاثنين بعد عام على انتزاع السيطرة على مقديشو من جماعة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة ، وتقهقرها الى معاقلها في جنوب البلاد.

ولدى الولايات المتحدة مصلحة كبيرة في ما يؤول اليه الوضع. وهي ، بدافع القلق من أن يقيم تنظيم القاعدة موطئ قدم له في القرن الأفريقي ، تساهم في تمويل قوات الاتحاد الأفريقي التي تتمركز في الصومال بأمل ان تتمكن من انزال الهزيمة بجماعة الشباب. وتقدم الولايات المتحدة مساعدات كبيرة للدول المجاورة كينيا واثيوبيا واوغندا التي تقاتل كلها جماعات اسلامية متطرفة ، واستخدمت الطائرات بدون طيار لتنفيذ هجمات في الصومال.

واتاح رحيل جماعة الشباب التي فقدت شعبيتها بسبب الاعدامات الجماعية وتجنيد قاصرين واعتماد ايديولوجيا متطرفة ، اول فرصة حقيقية لإشاعة الاستقرار. وبدأت اموال الصوماليين في الشتات تتدفق على البلاد وأقلعت حركة اعمار صغرى في العاصمة مقديشو.

وقال عبد الله رئيس مركز الابحاث والحوار إن الصوماليين يقولون quot;كفى يعني كفى وحتى جماعة الشباب لا تستطيع أن تتحدى التطلع العارم الى الاستقرارquot;.

وتعاظمت مخاوف الصوماليين بعد موجة الاغتيالات الأخيرة في مقديشو حيث قُتل صحفيان خلال الأيام الماضية ومدير مطار في الاسبوع الماضي وفنان كوميدي انتقد جماعة الشباب في الاسبوع السابق عليه.

وقال عبد الله شيروا مدير منظمة quot;خط السلام الصوماليquot; لحقوق الانسان إن الرأي العام الصومالي ينظر بريبة عميقة الى العملية الانتقالية. واضاف أن الصوماليين يرون quot;أن أي تجربة سياسية ستبوء على الأرجح بالفشل بعد خبرتهم مع هذه التجارب على امتداد الأعوام العشرين الماضية. وفي السنوات الخمس القادمة قد نعود الى دوامة العنف نفسها وقد تزداد جماعة الشباب قوةquot;.

وكانت الانتخابات البرلمانية في الصومال استندت الى صيغة قديمة تقيم، على ما يُفترض ، توازنًا بين المجموعات القبلية الأربع الكبرى في الصومال التي ابتلى البلد بنزاعاتها منذ انهيار النظام وانزلاق الصومال الى الفوضى بعد سقوط الدكتاتور محمد سياد بري.

وقال عمدة مقديشو محمد احمد نور وهو بريطاني صومالي عاد في عام 2010 quot;إن السؤال هو ما إذا كان بمقدورنا ان نحافظ على سلامة العملية. فنحن نريد أفضل برلمان ولا نريد البرلمان السابق ، نريد اشخاصًا نزيهين ، اشخاصًا يشعرون بمعاناة الصوماليينquot;.

وتؤكد الحكومة الانتقالية المنتهية ولايتها أن قوة زعماء الحرب الذين اثروا في سنوات الفوضى وتفكك البلاد ، كُسرت ، ويبدو أن رجال الأعمال المغتربين الذين توافدوا منافسين تجاريين للحرس القديم يريدون تصديق ذلك.

وقال الاميركي ليبان ايغال المولود في مقديشو لصحيفة لوس انجيلوس انه لم يعد لزعماء الحرب وجود مشيراً الى أنه فتح مؤخرًا ما سماه اول مصرف تجاري في الصومال. وأكد ايغال أن اسلحة زعماء الحرب صودرت والعديد منهم اختفوا quot;وحتى إذا كانوا موجودين فإن المرء لا يسمع بهمquot;.

لكنّ محللين يقولون إن الصراعات بين زعماء المجموعات القبلية ما زالت على حدتها. ولاحظ شيروا من منظمة quot;خط السلام الصوماليquot; وجود 39 حاجز تفتيش في مقديشو الشهر الماضي ، في مؤشر الى النزاع المتزايد بين هذه المجموعات من اجل السيطرة.

واصبحت خطوط المواجهة هذه أشد وضوحًا بعد نجاح القوات الافريقية في طرد مقاتلي جماعة الشباب وسيطرتها على مزيد من الأرض وانتشارها على رقعة اوسع من العاصمة ، وبذلك اضعاف قدرتها على لجم الميليشيات المتنازعة في مقديشو.

وقال محلل امني quot;إن هؤلاء الجنود الاوغنديين المساكين يُقتَلون لإيجاد فضاء ولكن لا أحد يعرف على وجه التأكيد من اجل ماذا يُوجد هذا الفضاء. فهو لا يُملأ بشيوخ أخيار يجلسون تحت شجرة لحل المشاكل ديمقراطيًا بل بمن كانوا اسياداً قبل عام 2006quot; في اشارة الى زعماء الحرب.

ولكن رئيس الوزراء عبد الولي محمد علي الذي تولى رئاسة الحكومة العام الماضي يرى أن لا أساس للمخاوف من تمكن اولئك الذين أثروا في سنوات الفوضى والحرب من تخريب عملية الانتقال. ونقلت صحيفة لوس انجيلوس عن رئيس الوزراء تساؤله ما فائدة المال الذي كدسه هؤلاء من دون سلام واستقرار. وقال quot;انهم سيكونون اكبر الخاسرين إذا كانت هناك فوضى وعدم استقرار. وأكبر المستفيدين من الاستقرار هم من لديهم بعض المالquot;.

ويذهب المحلل مايكل واينشتاين من جامعة بارديو في ولاية انديانا الى أن النزاعات المناطقية والجهوية والقبلية التي قوضت الصومال لم تتغير. وقال في اتصال هاتفي مع صحيفة لوس انجيلوس إن اختيار البرلمان الجديد جاء بالطريقة نفسها التي انتُخب بها البرلمان السابق. واضاف quot;انها حكاية الامبراطور العاري مرة أخرى. المرة الأولى كانت مأساة والمرة الثانية مهزلةquot;.