النيران تشتعل في بعض المحال التجارية في حلب

يشعر تجار مدينة حلب السورية بألم كبير وهم يشاهدون محالهم التجارية تحترق أمام أعينهم بما فيها من بضائع وذكريات لا يمكن أن تنسى، ووصف أحد التجار الحرب الدائرة في المدينة بـquot;القذرةquot; لأنها تلتهم كل شيء.


حلب:استبدلت الحركة اليومية طوال ساعات النهار وحتى الليل في اسواق حلب القديمة، بمناظر الحرائق والسحب السوداء، بعدما حولت الاشتباكات بعضاً من هذه الاسواق ركاماً والتهمت نيرانها الابواب الخشبية الجديدة والبضائع والذكريات.

على احد مداخل هذه الاسواق ذات الطابع الشرقي والممتدة بطول نحو 12 كلم، تجمع عدد من اصحاب المحال يراقبون الدخان المتصاعد، محاولين تحديد مصدر النيران للاطمئنان الى محالهم. يقول احمد ن. تاجر الأدوات المنزلية في مدخل السوق الشمالية: quot;الحمد لله محلي لم يصب بأذى، لطف الله بنا وسبق الاطفاء النيران التي التهمت محل جاريquot;.
يعمل احمد في محل أبيه الذي ورثه بدوره عن والده، وهو احد المحظوظين الذين تمكنت فرق الدفاع المدني من الوصول الى محالهم وإطفاء النيران المندلعة فيها quot;فنجا المحل والبضاعة التي فيه والمقدرة قيمتها بأكثر من ثلاثة ملايين ليرة سورية (نحو 40 الف دولار اميركي)quot;.
يضيف أحمد: quot;رغم سعادتي إلا أنني لست مطمئن القلب، فالاشتباكات ما زالت مستمرة، وقد تندلع الحرائق في احد المحال المجاورة في أية لحظة، ومحالنا ليست في امان بعدquot;.
في سوق العواميد الخاضع لسيطرة القوات النظامية، يراقب تاجر الصوف الخمسيني محمد ب. ونجلاه الحريق. ورث محمد المحل عن ابيه وعمل فيه اكثر من اربعين عامًا، ولم يتخيّل يومًا أن يغدو quot;عاجزًا عن الدخول إلى محلي. إنها حرب قذرة ونحن من يخسر فيها، خسرنا أعمالنا ومصالحنا والآن نخسر محالنا التي تحترق أمام أعينناquot;.
محمد واحد من 30 تاجرًا فقدوا محالهم في سوق القطن quot;الذي احترق بالكامل بحسب ما علموا من جيران لهم في اسواق أخرىquot;، مع عدم امكانية وصول سيارات الاطفاء بعد اندلاع الحرائق ليل الخميس الجمعة جراء اشتباكات بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين، واستمرت بوتيرة متقطعة السبت والاحد.
ويزيد عدد محال الاسواق القديمة عن 1550 حانوتًا تؤلف 39 سوقاً تعد من أطول الاسواق المسقوفة في العالم، وسميت غالبيتها نسبة الى المنتج الذي تبيعه كالحبال والعباءات والعطارة، في حين اكتسب بعضها اسم مسقط زواره فعُرف باسم سوق اسطنبول أو عمان او الشام وغيرها.
ويشير الباحث في تاريخ حلب القديم علاء السيد الى غياب تحديد علمي لتاريخ بناء اسواق المدينة، علمًا أن المستشرق الفرنسي جان سوفاجيه طرح في دراسة لم تنشر ترجمتها بعد quot;نظريته بأن سلوقس الأول نيكاتور وهو أحد قادة الاسكندر المقدوني، قام لدى دخوله حلب عام 321 قبل الميلاد، بتأسيس مخطط جديد للمدينة وأسس لهذه الأسواقquot;.
لكن quot;على مر الزمن وتتالي الزلازل والحروب والحرائق تم التعدي على هذه الشوارع بالابنية ولم تبقَ الا ملامح أساسية منهاquot;. ويشير السيد الى أن أحد مؤرخي حلب القدامى ذكر تعرض اسواق المدينة لحريق عام 1867 أتى على 323 دكاناً فيها.
ويبدو أن سوق الصاغة نجت. ويؤكد عبد الله ر. أن النيران quot;لم تصل إلى السوق التي احترقت قبل حوالي 150 عامًا، لكننا لا نستطيع الوصول إلى محلنا للتأكد من حالته بسبب الاشتباكاتquot;، وباءت بالفشل محاولتاه للدخول عبر مدخل تسيطر عليه القوات النظامية وآخر خاضع للمقاتلين المعارضين.
وتحظى المحال بقيمة معنوية رمزية تفوق احيانًا قيمتها المادية، لا سيما أن quot;لكبار التجار والصناعيين الحلبيين مكاتب رمزية في تلك الاسواق باعتبار أن معاملهم ومستودعاتهم صارت في مناطق بعيدةquot; بحسب السيد، لكن يبقى quot;الضرر المعنوي بالغًاquot;.
يضيف quot;رغم أن بعض هذه المحال لا تزيد مساحته عن عشرة أمتار مربعة، فقد يصل سعره الى مئات الآلاف من الدولارات الأميركية، وبالنسبة لصغار التجار فتعد مصدر دخلهم (...) أما سكان المدينة فتربطهم بها ذكريات وشجون لا يمكن تعويضهاquot;.
وقال صاحب سبعة محال ورثها ابًا عن جد في حلب إن اكثر ما يقلقه ليس قيمة البضائع الموجودة في المحل، بل احتمال quot;احتراق ذكريات طفولتي، (وهي) لن تعوض بثمنquot;.