لا يصل اهتمام الأميركيين بالحرب على القاعدة في شمال أفريقيا إلى حدود تجنيد قدراتهم العسكرية في خدمة الرغبة الفرنسية بالتدخل في مالي، بالرغم من أن المراقبين لا يرون حلًا للمشكلة المالية إلا في دمج هذه الرغبة بالقدرات العسكرية الأميركية.

القاهرة: بالرغم من إبداء كبار المسؤولين الأميركيين اهتمامهم بالحرب التي بدأتها فرنسا قبل أيام في مالي، لمواجهة المسلحين الإسلاميين ومساعدة الحكومة الوليدة هناك على استعادة الجزء الشمالي من البلاد، وبارتباط المسلحين بتنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي، إلا أن القيادة في البيت الأبيض رفضت أن تتدخل بشكل مباشر.
وأرسلت وزارة الدفاع الأميركية طائرات مراقبة وتزود بالوقود ونقل لمساعدة الفرنسيين، ليتم تزويد قواتهم بما يمكنهم من القيام بعمليات قتالية مستدامة في أفريقيا.
ومنذ ذلك الحين، تتصارع الحكومتان الفرنسية والأميركية حول ما يتعين على الولايات المتحدة أن تقدمه من دعم للحملة الفرنسية في مالي، وما الثمن الذي ستدفعه فرنسا مقابل هذا الدعم.
تنافر في الانفاق
حجب هذا الخلاف الدبلوماسي قضية أكبر تدور رحاها بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. فقد أنفقت فرنسا والدول الأعضاء في حلف الناتو القليل على استثماراتهم الدفاعية، لتحمل أكلاف هذا النوع من استعراض القوة التي يحتاجون إليها، لدعم مهام كتلك الحاصلة في مالي.
ورأت مجلة فورين بوليسي الأميركية أن تلك المشكلة من المحتمل أن تصبح أكثر سوءًا، في الوقت الذي بدأت تنخفض فيه الميزانيات الدفاعية الأميركية مع استمرار إنفاق الدول الأوروبية على أولويات أخرى.
وأظهرت الحملة العسكرية في مالي المشكلة والحل الممكن، عن طريق الجمع بين رغبة الفرنسيين في القتال على الأرض والاستعانة بقدرات الجيش الأميركي الأساسية.
وأشارت المجلة إلى أن الولايات المتحدة اختارت منذ عقود انتهاج إستراتيجية دفاع قوية، بينما يميل الفرنسيون إلى إنفاق نسبة أقل من ناتجهم المحلي الإجمالي على الأمور الدفاعية، وتخصيص الإنفاق العام لأولويات أخرى مثل برامج الرفاهية الاجتماعية.
وتنفق فرنسا الآن 2.2 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الشؤون الدفاعية، مقارنةً بنفقات الدفاع الأميركية التي تعادل نسبة قدرها 4.7 بالمئة. ويوفر مستوى الإنفاق الخاص بالجانب الفرنسي القدرة على التصرف، مثل نشر قوات برية في أفغانستان أو إرسال طائرات هجومية إلى ليبيا، لكن من دون الاستمرار في ذلك على مدار أسابيع وأشهر.
أكلاف عالية
بالرغم من أن نزاع واشنطن مع باريس قد أثير نتيجة طلب الحصول على ما يقرب من 20 مليون دولار لتغطية تكاليف عمليات القوات الفرنسية، إلا أن هذه تمثل جزءً صغيرًا من الاستثمارات التي تقوم بها لتطوير القدرات اللازمة لنشر قواتها حول العالم، والمحافظة عليها لوجستيًا، وتوفير القدرات الخاصة بإمكانية شن هجمات موجهة أثناء العمليات القتالية.
وأوضحت المجلة أن كل طائرة شحن من طراز C-17 تكلف ما يقرب من 225 مليون دولار. وطوال السنوات الثلاثة الماضية فقط، أنفق البنتاغون 4.5 مليار دولار على شراء طائرات جديدة وصيانة القديمة.
من حيث العنصر البشري، تحتاج كل طائرة من هذا الطراز إلى ثلاثة أشخاص لتشغيلها، ما يعني أن تشغيل وصيانة أسطول من طائرات الشحن سيجبر سلاح الجو على تجنيد وتدريب واستضافة وتمويل ورعاية الآلاف من الطيارين والفنين والميكانيكيين، علمًا أن متوسط تكلفة كل عضو من هؤلاء يصل إلى 385 ألف دولار سنويًا، وأن تكلفة الطيارين مرتفعة، من دون أن يشمل هذا الرقم تكاليف التقاعد العسكرية والفوائد والرعاية التي تقدمها وزارة شؤون المحاربين القدامى على المدى الطويل.
تمتلك فرنسا قوة عسكرية كبيرة، إلا أن سلاحها الجوي يفتقر لقدرات النقل اللازمة، لمنح فرنسا قدرة مستدامة على نشر قوتها في العالم، كما يحصل الآن في مالي.