لأكثر من سبب يبدو أن صانع القرار الأردني في طريقه للتخلي عن العقل البارد في التعاطي مع ملف الأزمة السورية، وتحديدًا ملف اللاجئين السوريين، الذي بدأ يُلقي بظلال قاتمة على الأوضاع في الأردن، إذ يبدي الأردنيون غضبًا شديدًا إزاء هذا الملف.


عامر الحنتولي: في زحمة انشغال الرأي العام الأردني خلال الأسبوع الماضي بافتتاح الدورة العادية الأولى للبرلمان الأردني، وانشغالهم أيضًا بهوية الرئيس الجديد لمجلس النواب، على وقع حراكات ونشاطات رافقت المنصب التشريعي المهم في المعادلة السياسية الأردنية، فإن كلامًا مهمًا جدًا للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في خطاب العرش أمام البرلمان قد ضاع من دون التقاط من الصحافة الأردنية.

إذ ساوى عاهل الأردن بين استمرار سياسة إدارة الظهر للأردن في ملف اللاجئين السوريين، وبين قدرة الأردن على الحفاظ على أمنه القومي، وهو تأكيد ملكي يأتي استشعارًا من الملك الأردني بحجم الغضب الشعبي المكتوم من استضافة الأردن لنحو مليون لاجئ سوري خلال الـ32 شهرًا الماضية، علمًا أن التقديرات الرسمية تقول إن من يحمل صفة لاجئ من السوريين هم في حدود نصف مليون سوري.

غالبية غاضبة
ما يعطي انطباعًا بأن الأردن على وشك اتخاذ قرار مهم جدًا في ملف اللاجئين السوريين، هو صدور نتائج استطلاعات رأي ndash; شبه رسمية - قبل يومين من خطاب للعاهل الأردني في البرلمان، إذ أشار 78% من عينة النخبة الوطنية، والنسبة نفسها من العينة العامة إلى غضب شعبي مكتوم من حصول تداعيات اقتصادية خطرة جدًا، طالت السواد الأعظم من الأردنيين، مثل الارتفاعات الحادة لإيجارات الشقق السكنية، بسبب التهافت من قبل السوريين عليها.

إذ لا يعيش نحو نصف مليون سوري في مخيمات اللجوء في الأردن، بل في المدن الأردنية الكبرى، وتحديدًا مدن عمّان وإربد والرمثا، وهو ما فاقم الغضب الشعبي، إذ هيمن آلاف السوريين على وظائف كان يشغلها أردنيون، وجرى طرد الأردنيين من وظائفهم، لأن العامل السوري قبِل بأجرة شهرية أقل.

عمّان لن تفعل
يقول النائب الأردني أحمد الصفدي نائب رئيس مجلس النواب الأردني في تصريحات خاصة لـquot;إيلافquot; إن القيادة السياسية تريد من المجتمع الدولي مساعدته بشكل أكبر وأعمق في ملف اللاجئين السوريين، خصوصًا وأن الأردن يتحمّل في هذا الملف عبئًا كبيرًا، بالتوازي مع اقتصاد منهك، إذ يؤكد الصفدي أن الأردن مضطر للتعامل الإنساني مع هذا الملف، وأن الأردن لا يمكن أن يُقدِم على قرارات من طراز إعادة تهجير السوريين على أراضيه إلى بلادهم، أو أي قرارات أخرى تزيد من محنة الأشقاء السوريين، مؤكدًا أن أخلاق الملوك الهاشميين تتنافى مع قرارات من هذا النوع.

يأتي رأي نائب رئيس مجلس النواب الأردني متوافقًا مع رأي الكاتب السياسي الأردني باسم سكجها، الذي يقول لـquot;إيلافquot; إن الملك عبدالله الثاني أراد توجيه رسالة سياسية إلى المجتمع الدولي لحثه على الإنتباه إلى ما يعانيه الأردن اقتصاديًا جراء استضافة هذه الأرقام الضخمة من اللاجئين السوريين.

إذ يقول سكجها quot;رغم أن لكل بلد خياراته وقراراته، إلا أنه من المستبعد أن يخطو الأردن أي خطوة إزاء اللاجئين السوريين على أراضيه، لكن من المحتمل أن يعيد النظر في مسألة تدفق السوريين إلى الأردن في المرحلة المقبلةquot;.

تحدٍ للأمن القومي
وفي غمرة انشغال المجالس والرأي العام في الأردن بالتلصص على أي قرارات محتملة في ملف اللاجئين السوريين، يُخالِف الكاتب والمحلل السياسي الأردني عمر كُلّاب آراء الصفدي وسكجها، ويعتقد أن الأردن في إطار مراجعة شاملة لملف اللاجئين السوريين، وبصورة أقل مراجعة أيضًا لموقفه السياسي من الأزمة السورية، ونطام الرئيس السوري بشار الأسد، وهي مراجعة يرى كُلّاب أنها لا تنحصر في الأردن فقط، بل إن دولًا في الإقليم تمارس المراجعة نفسها، مؤكدًا أن الأردن قادر على التعاطي مع ملف اللاجئين السوريين بوصفه تحديًا للأمن القومي.

إذ يلفت كُلّاب إنتباه quot;إيلافquot; إلى أن الأردن من المحتمل أن يفكر جديًا بخيارات من قبيل إغلاق الحدود البرية مع سوريا، وبالتالي عدم السماح لموجات جديدة من النازحين السوريين بالدخول إلى الأردن.

خيارات صادمة
من الخيارات التي يرى كُلّاب أنها متاحة سياسيًا لصانع القرار الأردني إذا استمر خذلانه من الدول المانحة، وإدارة الظهر له في محنته الإقتصادية التي فاقمها ملف اللجوء السوري... إزالة صفة اللجوء عن نحو نصف مليون لاجئ سوري، وهو ما يعني طبقًا للاتفاقات الدولية بأن عمّان لم تعد معنية بتقديم أي نوع من المساعدة إليهم، ومن الممكن أيضًا التضييق في موضوع الإقامة والعمل لنحو نصف مليون آخرين يعيشون بعيدًا عن صفة اللجوء الإنساني في الأردن.

إذ يشير كُلّاب إلى أن استمرار ترك الأردن وحيدًا في محنته يعني بكل تأكيد أن قرارًا أردنيًا ما يجري التحضير له في أورقة المؤسسات السيادية الأردنية، إذ لا يستبعد كُلّاب أن يقيم الأردن منطقة عازلة لنقل اللاجئين السوريين إليها على الأراضي السورية، بالاتفاق مع دمشق الرسمية.

إتصالات أردنية دولية
أوساط رسمية أردنية قالت لـquot;إيلافquot; إن عمّان الرسمية قد أجرت سلسلة اتصالات مع عواصم عالمية مؤثرة في الأسابيع القليلة الماضية، إذ تكرّست هذه الاتصالات حصريًا لغايات البحث الجدي في كلفة استضافة نحو مليون سوري على الأراضي الأردنية اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، وللتأكيد على أن الأردن الذي يعاني أساسًا من اقتصاد متعثر، لا يمكنه أن يستمر في التعاطي بعقل بارد في ملف اللاجئين السوريين، وأنه يجدر بالدول المانحة أن تنظر بجدية إلى ملف دعم الأردن ماديًا لتمكينه من الاستمرار في تقديم الخدمات الإنسانية إلى اللاجئين السوريين.