برزت أخيرًا تساؤلات من جانب المعارضة السورية بخصوص المساعدات التي اعتزمت الأمم المتحدة ضخّها في سوريا بالتعاون مع نظام الرئيس بشار الأسد.


رغم حاجة الأمم المتحدة إلى العمل مع نظام بشار الأسد بغية توفير الإغاثة اللازمة للشعب السوري، إلا أنها ستعمل عن غير قصد على تمويل آلة القتل الحكومية.

هذا ما جعل مسؤولي الائتلاف الوطني السوري المعارض يقولون quot;هل من المعقول توفير المساعدة لنظام مسؤول عن تدمير المدن وتفجير المستشفيات والمخابز وتشريد السكان، ويتمكن بذلك معالجة الموقف المتردي الذي كان سبباً في حدوثه!quot;.

وإذ يريد هؤلاء المسؤولون معرفة كل تفاصيل الخطة الأممية، التي تم نشرها في 19 من شهر كانون الأول / ديسمبر الماضي، لإطلاق برنامج مساعدات، قيمته نصف مليار دولار في سوريا، بالتعاون مع نظام الرئيس السوري الحالي بشار الأسد.

انتشر هذا الخبر كالنار في الهشيم بين الناشطين الغاضبين المناهضين للأسد، الذين عبّروا عن تخوفهم من احتمالية أن يتم توجيه الأموال إلى النظام، وإلى ما يقوم به من جهود على صعيد الحرب المشتعلة. وقد شنّ الناشطون حملة على موقع تويتر للتدوين المصغر بغية مطالبة الجهة الأممية الكبرى بأن تعيد النظر في هذا الأمر.

وسردت مجلة فورين بوليسي الأميركية في هذا الصدد حقيقة ما حدث بخصوص تلك الخطة الأممية، حيث أوضحت أن المسألة بدأت بحساب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قدر الأموال التي ستحتاجها الوكالات الأممية لمساعدة السوريين خلال النصف الأول من العام الجاري. وتبين أن المبلغ الإجمالي سيكون أقل من 520 مليون دولار، فيما طلب برنامج الغذاء العالمي الحصة الأكبر (139 مليون دولار).

نقلت المجلة عن خالد صالح المتحدث باسم الائتلاف الوطني قوله: quot;تحاول الحكومة السورية الحصول على بعض من تلك الأموال بشكل مباشر لوكالاتها. وتطلب الحكومة من نائب وزير الشؤون الخارجية السوري أن يشرف على عملية التوزيعquot;. وتابع صالح حديثه بالقول إنه ورغم أن الأمم المتحدة تقدم مساعدات في سوريا على مدار عامين، فإنه من غير المحتمل أن ترى الحكومة السورية أيًا من تلك الأموال.

وأضاف quot;لا أعتقد أنه ستكون هناك أية تحويلات مباشرة للأموال بين الأمم المتحدة ونظام الأسد. لكن هناك بعض البرامج التي تعمل في دمشق، حيث لن يسمحوا لها العمل بحريةquot;.

ومعروف أن الهيئات الدولية ترتكز على الوكالات الشريكة المحلية لتسليم الأطعمة والمؤن للمحتاجين. وتنتقي الوكالات الأممية المنظمات السورية غير الحكومية، التي تمتلك خبرات على أرض الواقع، من أجل بلوغ الأماكن التي لا تستطيع الوصول إليها.

لكن المشكلة الفعلية، كما يؤكد كثيرون، وفقاً لبعض التبريرات، هي عدم وجود منظمات غير حكومية حقيقية في سوريا. وعاود هنا صالح ليقول: quot;يتحكم نظام الأسد في برامج المنظمات غير الحكومية. ولا يمكنها أن تعمل إلا إذا حصلت على تراخيص، فضلاً عن أن النظام يزجّ برجاله في تلك البرامج. فكيف يمكن لنا التأكد من وصول المساعدات التي تقدمها تلك البرامج إلى أيدي المواطنين السوريين المحتاجين؟quot;.

وأشار جون جينغ، مدير عمليات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والعائد للتو من سوريا، حيث قضى بعض الوقت في مناطق تخضع لهيمنة الحكومة، وأخرى تخضع لهيمنة الثوار، إلى أن المتطوعين الذين يعملون مع منظمة الهلال الأحمر العربي السوري (الشريك الرئيس للوكالات الأممية في سوريا) يحظون باحترام على الصعيد العالمي، مضيفاً: quot;ما طمأننا هو رؤية الطريقة التي تم الترحيب من خلالها بهؤلاء المتطوعين في المناطق التي تخضع لهيمنة الحكومة. فهذا دليل بالطبع بالنسبة إلينا على أنهم يقومون بعمل، وأنهم يقومون به بأمانة ونزاهةquot;.

وسبق لمسؤولي برنامج الغذاء العالمي أن اشتكوا في مطلع الشهر الماضي من أن القتال ونقص الوقود يمنعانهم وشركاءهم من الوصول إلى الكثير من السوريين المحتاجين.

المشكلة الأخرى هي أن تلك الأزمة الإنسانية أكثر حدة في المناطق التي تخضع لهيمنة المعارضة، بينما تواجه الأمم المتحدة هناك تحديات أكبر بخصوص تسليم المساعدات. ومثلما يتعيّن على الأمم المتحدة أن تتحدث إلى النظام من أجل السماح لها بالعمل في المناطق الحكومية، فإنه يتعين عليها كذلك أن تحصل على الإذن من الثوار.

وقال سيمون إنغرام رئيس قسم الاتصالات الإقليمي لدى مكتب اليونيسيف في الشرق الأوسط quot;وما لا يعلمه الكثير من الناس هو أننا نواصل عملياتنا خلال تلك الفترة الصعبةquot;. ورغم أن المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد زودت أكثر من 350 ألف سوري بمساعدات غير غذائية في 2012 ووصول برنامج الغذاء العالمي هذا العام إلى 2.5 مليون شخص، إلا أن الائتلاف الوطني لم يبدُ مقتنعاً، حيث يرى أن وحدة تنسيق الإغاثة التابعة له يمكنها أن تبلي بلاءً أفضل من الشركاء المحليين للأمم المتحدة، على الأقل في الأماكن التي خرجت عن سيطرة الأسد.