وجّه الامير الحسن بن طلال رسالة إلى العرب والمسلمين يدعوهم للتشاور حول سوريا، وإلى الأردنيين يحضّهم على احتضان اللاجئين السوريين لأن العلاقة بين الشعبين الاردني والسوري منجز انساني يقوم على إدراك قيمة الإنسان وحريته وحقه في العيش الكريم.


.

عمان: وجّه الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي، رسالة إلى العالمين العربي والاسلامي، وصل لـquot;إيلافquot; نسخة منها، رحّب فيها بالأشقاء السوريين الذين يهربون من الصراع الدائر في سوريا منذ عامين، معتبرًا العلاقة بين الشعبين الاردني والسوري منجزًا إنسانيًا يقوم على إدراك قيمة كل إنسان وحريته واستقلاليته وحقه في الاختيار والقرار والعيش الكريم.

قال الحسن: quot;علّمتنا كل دروس الحياة أن علاقة الشعبين الأردني والسوري الإنسانية ليست معطى مباشرًا لجيرتهما الجغرافية فحسب، بل هي منجز إنساني يُعرفه الأصل الواحد وكل المشتركات والجوامع التي تجمعنا معًا، عربًا ومسلمين ومسيحيين، مع رباط التاريخ والحاضر والمستقبل، وما يرتبط به من آمال وتطلعات ومصير، وما يقود إليه من عمل وجهدquot;.
أضاف: quot;ما أعنيه هنا هو تلك العلاقة الإنسانية التي تبدأ بإدراك قيمة كل إنسان وحريته واستقلاليته وحقه في الاختيار والقرار والعيش الكريم، تقابلها العلاقات اللاإنسانية التي تنطلق من منطق القطيعة، أو إغلاق الباب أمام الضيف، أو صد المستجير وحرمان اللاجئ حق اللجوء، وهو ما لم ولن توصف به علاقات الأردن وسوريا في يوم من الأيامquot;.

خسارة بلاد الشام

أكد الحسن أن الذي يجري الآن في سوريا يظهر بوضوح أن هناك ضحايا كثرًا للصراع، ومن لم يمت في حمأة الوغى نزح إلى مكان آمن داخل أرض بلاده، أو لجأ مستجيرًا بأشقائه في الجوار القريب.
ولما كان الأردن هو الأقرب جيرة، فقد كان هو الخيار الأوفق لكثيرين، تقديرًا لما يربط بين الشعبين الأردني والسوري من علائق لا تنفصم.
وحذر الحسن من الأخطار التي تحدق في بلاد الشام قائلًا: quot;إذا أمعنا النظر في ما حدث ويحدث الآن أمام أعيننا، سنرى خسارة هائلة لسوريا الشعب والأرض، لا بل لبلاد الشام، حيث إن التحدي هو للأرض وسكانها الأصليين ، أي الأرض والهوية، حين يكون التفتيت والتمزق لهويتنا العربية الجامعة طائفيًا وعرقيًا وجهويا، ما يثير في الأذهان مخططًا جديدًا للهلال الخصيب بل للإقليم ككل، على غرار ما حدث في بلاد أخرى ابتليت بالصراعات والحروب. إلا أن ما تشهده سوريا يتفوق عليها في آثاره الاجتماعية، إلى جانب متعلقاته السياسية والاقتصادية، إذ إن الانقسام الاجتماعي الذي نخشاه صار يتبدى على نطاق أوسع من ذلك الذي حدث في الأمثلة الأخرىquot;.

ندرة لا تقيد التعاضد

دعا الحسن المجتمع العربي والسوري خصوصًا إلى العمل من خلال منتدى الفكر العربي وعبر لقاءات تشاورية عربية، مع كل مكونات المجتمع السوري، في إطارٍ من التفاعل المقنع للوصول إلى أمل جديد يعين المقتلعين من أرضهم على بناء الاستقرار النفسي، وفقًا للنهج السليم.
أضاف: quot;نحن لسنا جيرانًا فحسب، بل أبناء أسرة واحدة، كانت وما زالت وستظل موحدة في شعورها ووجدانها ومصيرها، وهي كالجسد الواحد، إذا تأثر منه عضو في سوريا ينبغي أن يتداعى له سائر المجتمع الأردني بالسهر على عونه وخدمتهquot;.
واشار الحسن إلى أن الأردن يمر بظروف اقتصادية عصيبة، وندرة في مقومات الحياة، من ماء وطاقة وغيرها، إلا أن هذا لا يجعل أهله الخيرين يوصدون أبوابهم أمام من دفعتهم الظروف لقرعها وطرقها في الليل والنهار طلبًا للعون ورغبة في الحماية من غائلات العصر ونائبات الدهر. فمواقف المجتمع الأردني المضياف معروفة، وشهامة أهله ونخوتهم وكرمهم مشهودة، ترسخت في النفوس وتقوّت بالممارسة ونبل السلوك.

مثقال ذرة

شدد الحسن في رسالته على ضرورة تقديم كل اشكال الدعم للسوريين للتخفيف من معاناتهم: quot;العهد الأردني التاريخي، أردن الرباط والثغر والملاذ، موصول مع من دفعتهم الظروف إلى مغادرة أوطانهم، ويحتم علينا الواجب الإنساني والأخلاقي والتاريخي وروابط القربى والدين أن نمد يد العون لأشقائنا السوريين، وأن نكون لهم الملاذ الآمن، وأن نخفف عنهم صعوبة هجرة الأوطان، وأن نقدم لهم كل ما نستطيع كأفراد ومؤسسات. فالشعب السوري قد عُرف دومًا بمواقفه القومية مع أخوته وجيرته، وقدم تضحيات جسامًا في سبيل أمته، والآن هو بحاجة إلى الوقوف معه لتخفيف مصابه، حتى يقيض الله له سُبل استقرار تُعيده إلى وطنهquot;.
قال: quot;بصرف النظر عن حجم المعاناة التي تعتصر الأردنيين جراء الأزمة الاقتصادية، اسمحوا لي أن أؤكد أهمية المعاملة التي ينبغي أن يجدها اللاجئ السوري بين ظهرانينا، لأننا الأقرب إليه، ونحن أهله وأشقاؤهquot;.
أضاف: quot;أعتقد يقينًا أن الشعب الأردني على بينة من واجباته الأخلاقية والإنسانية، ولكن ليطمئن قلبي وقلوب كل الخيرين على أننا ما زلنا على عهدنا لأشقائنا، رغم ما نعانيه من ضيق ذات اليد وتحديات الحاجات الخاصة. فالحسنة مضاعفة لفاعلها بامثالها، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)، كما جاء في الذكر الحكيمquot;.

تعطل فقه الأوليات

نوه الحسن بأن ضعف الدعم الدولي المقدم للاجئين السوريين زاد من معاناة الاردن، الذي ناشد العالم لتحمل مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية، إلا أن ضعف الدعم ألقى بأعباء إضافية تجعل الاردنيين يستذكرون أكثر التحديات التي تواجههم للقيام بواجبهم، مع خشيتهم من أن أي تقصير تجاه الحالة الإنسانية المتفاقمة للاجئين، التي قد تأتي بانعكاسات سلبية على أوضاعهم، تزيد صعوبة الموقف على المواطن الأردني، الذي يكابد قوت يومه في ظروف اقتصادية بالغة التعقيد.
وقال: quot;ما نشهده من تمنع في فعل الخير يعني أن فقه الأوليات في العالم قد تعطل، وجاء زمن تتكالب فيه الدول على تحصيل منافعها الخاصة متجاهلة ضرورات الصالح الإنساني العام، الذي يشمل في ما يشمل حماية المستضعفين ورعاية المقتلعينquot;.
أضاف: quot;الحالة السورية الراهنة تحتم علينا أن نتعلم كيف نفكر بطريقة جديدة تجاه أشقائنا الذين قادهم الظن الحسن إلى الاحتماء بأرض الرباط، أردن العرب، وتوجب علينا أن نتعلم أن نسأل أنفسنا ما الخطوات التي يمكن اتخاذها لإعطاء حق اللجوء إلى الإنسان من حيث هو إنسان، وليس إلى أي مجموعة نفضل، لأنه لم تعد مثل هذه الخطوات محل تساؤل، مثلما لم تكن في يوم من الأيام محل تساؤل، وإنما هي واجب مستحق النفاذquot;.
ويرى الحسن أن المطلوب وضع آليات واضحة تضمن الامن الانساني للسوريين كواجب عروبي وديني وأخلاقي، باستدراك الأبعاد القيمية في مفهوم الأمن الإنساني