لجوء السوريين إلى لبنان يقسم اللبنانيين بين من يراه ضرورة إنسانية، وبين من يعدّه سببًا إضافيًا للخوف من نشوب حرب جديدة، بسبب اختلال التوازن الطائفي والنسيج الاجتماعي، بسبب الأعباء الاقتصادية المتزايدة.



بيروت: لبنان واقع في مهب الأزمة السورية. هذا واقع لا مفر من الاعتراف به. فحتى لو لم تتقاتل الأطراف اللبنانية على خلفية انقسامها بين خندقي النظام السوري والثائرين عليه، المجتمع اللبناني واقع تحت وطأة النزوح السوري المستمر، والمتصاعد يومًا بعد يوم. وعلى الرغم من مشاعر التعاضد الانسانية التي يكنها غالبية اللبنانيين لهؤلاء السوريين الهاربين من النار والدمار، إلا أن استمرار تدفق أعداد كبيرة منهم إلى مناطق متعددة من لبنان يضع النسيج الاجتماعي اللبناني في دائرة الخطر الاقتصادي المحدق، إذ يزيد الاعباء الاقتصادية على خزينة الدولة المصابة بالعجز المزمن أصلًا.

دعوات لإقفال الحدود

على الخلفية الاقتصادية، أو تلطيًا بها للانطلاق من خلفيات سياسية مؤيدة لنظام الرئيس بشار الأسد، خرجت دعوات عديدة، أبرزها من وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، المنتمي إلى تكتل التغيير والاصلاح الذي يرأسه النائب ميشال عون، لإقفال الحدود اللبنانية السورية بوجه النازحين هؤلاء.
إلا أن أطرافًا لبنانية أخرى، من الوسط ومن 14 آذار، أكدت أن هذا الأمر لن يحصل. وأكد ذلك رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، داعيًا الدول العربية والغربية إلى النظر في أحوالهم السيئة، وإلى مدّ يد العون للبنان، ومؤازرته ليستطيع الاستمرار في القيام بواجبه الانساني.
وعلى هذا المنوال، طلب الرئيس ميشال سليمان من قمة الدول المانحة، التي عقدت الاسبوع الماضي في الكويت، مساعدة الدولة اللبنانية في إيواء النازحين السوريين بما يحفظ كرامتهم، وبما لا يحرم اللبنانيين من مساعدات هم بأمس الحاجة إليها.
وصمتت الدعوات إلى إقفال الحدود مع تأكيد حسن نصرالله، أمين عام حزب الله، في أحد خطبه على ضرورة احتضان الشعب السوري الهارب إلى لبنان، كما احتضن اللبنانيين الذين هربوا إلى سوريا، من جميع فئاتهم، في محطات عديدة أثناء الحروب اللبنانية المتعددة.

حقائق صحيحة

هذا كان موقف حزب الله المعلن. لكن في الأيام القليلة الماضية، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو على شكل شريط توثيقي، عنوانه quot;قبل فوات الأوان ndash; أنقذوا لبنانquot;.
http://www.youtube.com/watch?v=BvHRPdt4iI8

يحتوي الشريط الوثائقي على حقائق لا مفر من الاعتراف بصحتها، وبمشروعية الهواجس التي تطرحها، إذ يعود بالزمن إلى نكبة العام 1948، وإلى توافد 30 ألف فلسطيني لاجئ إلى لبنان، واحتضانهم من قبل فريق لبناني لم يكترث لهواجس فريق آخر حذر من خطورة هذا اللجوء.
يقول الفيديو إن هؤلاء الفلسطينيين أطلقوا الصواريخ على إسرائيل، هددوا سيادة لبنان، وهاجموا جيشه الوطني، وحاولوا استبدال أرضهم الضائعة بلبنان، ما أشعل الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت 15 عامًا وأنتجت أكثر من 200 ألف قتيل، و10 آلاف معوق، و17 ألف مفقود.
واليوم، هناك أكثر من 455 ألف فلسطيني في لبنان، تجنس منهم نحو 25 ألفًا.

التاريخ نفسه

ينتقل الفيديو من الأمس إلى اليوم، من اللجوء الفلسطيني إلى اللجوء السوري، ليطرح السؤال الآتي: quot;هل يعيد التاريخ نفسه؟quot;.
فاليوم، ثمة 300 ألف سوري في لبنان، ويتوقع أن يتجاوز عددهم المليون بحلول حزيران (يونيو) المقبل.
ويلعب الفيديو على مشاعر اللبنانيين الذين يعانون ضيقا اقتصاديا عندما يقول إن الحكومة خصصت للسوريين 200 مليون دولار، سائلًا: quot;أليس أبناء عكار وطرابلس أحق بهذه المساعدات؟quot;.

ومن واقع أن 1250 طفلًا يولدون في لبنان يوميُا، بينما يلجأ إليه نحو 8 آلاف سوري يوميًا، يقول معدو الشريط الوثائقي القصير هذا إن اللاجئين السوريين الفلسطينيين سيشكلون 50 بالمئة من عدد سكان لبنان في العام 2020. ويلفتون إلى أن العراق وتركيا اقفلا حدودهما بوجه اللاجئين السوريين، وهذان البلدان يمتلكان مقومات إغاثة أكبر من مقومات لبنان.
ويختتم الفيديو بعبارة quot;تحرك قبل فوات الأوان... لنتحرك قبل أن نصبح نحن ضيوفًا في بلدنا... لنتحرك قبل أن نصبح مشتتين في دول الاغترابquot;.

توظيف عنصري

حتى الساعة، لم يكن الشريط قد حقق مشاهدة عالية على موقع يوتيوب، إلا أن مواقع لبنانية عديدة تناقلته، إلى جانب صفحات لبنانية على موقع فايسبوك.
على الرغم من أن الأرقام الواردة في الشريط صحيحة وواقعية، إلا أن بعض اللبنانيين اخذ على الشريط توظيفه هذه المعلومات بشكل عنصري، في خدمة من يقف مع النظام السوري ضد الثورة والشعب.

فجوناس عبدالله علق في إحدى صفحات موقع فايسبوك قائلًا: quot;حتى لو كان كل ما ورد حقيقيًا، إلا أن الهاجس مفبرك، على طريقة الاعلام السوري، فمن غير النظام السوري يستفيد من هذه الدعاية، واللبناني ذاق مرارة الحرب، ويعرف ويلاتها، ولن يتخلى عن أي سوري يهرب من نار الحرب في سوريا، أكان مع النظام او مع الثوارquot;.

وقال هاني العبد، تعليقًا على الشريط: quot;يا أيها اللبنانيون، استفيقوا وتوحدوا ضد الظالم، فنهاية بشار الأسد تعيد السوريين إلى بلادهم، ولا ضرورة حينها لكل هذا النقيق المزعج والتعصب الأعمىquot;.

حرب الـ 2013!

إلا أن عددًا كبيرًا يتفق تمامًا مع سياق الشريط الوثائقي، لأنه يستجيب لقلقهم من أن تهدد الحرب في سوريا سلامًا أهليًا لبنانيًا هشًا بين الطوائف.

يقول جوني الحداد على تويتر: quot;كان الفلسطينيون من السنة، فاختل التوازن الطائفي ووقعت حرب الـ 1975، واليوم السوريون سنة، فهل تقع حرب الـ 2013؟ استفيقوا قبل فوات الأوان، لأنهم يأكلون أكلنا، وسنصير جياعًا كلناquot;.
أما نهاد أبي عاد، فتقول على تويتر: quot;القضية إنسانية من دون شك، لكن هواجسنا القديمة عادت، أحياها فريق من اللبنانيين لم يتعلموا من حرب 15 عامًا، ويستمرون في اتخاذ جانب الغريب بدلًا من الوقوف مع اللبناني القريبquot;.