انهار التحالف بين الاخوان المسلمين وحزب النور، بعدما رفضت الجماعة مبادرة الانقاذ التي أطلقها السلفيون، وبعدما رد هؤلاء باتهام الجماعة بأخونة الدولة وإقصاء المعارضين والتقارب مع شيعة إيران الذين يسبون الصحابة وزوجات الرسول.
القاهرة:بالرغم من أن التحالف بين الإخوان والسلفيين، منذ الإطاحة بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك في 11 شباط (فبراير) 2011، صمد أمام العديد من العواصف، إلا أن ملامح إنهياره تظهر بوضوح في الأفق، وتجلت الخلافات العمقية بين أكبر جناحين في التيار الإسلامي بعد إنضمام السلفيين إلى صفوف المعارضة الليبرالية، متهمة جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي بإقصاء المعارضة والسعي لأخونة الدولة.
وزادت زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، والحفاوة التي أستقبله بها الرئيس والإخوان، هوة الخلافات بين الجانبين، في ظل رفض التيار السلفي لتلك الزيارة جملة وتفصيلًا، بالإضافة إلى رفضه لأي تقارب مع إيران الشيعية على حساب مصالح مصر مع دول الخليج العربي والثورة السورية، أو قيم مصر قلب السنة.
لا لأخونة الدولة
بدأت الخلافات بين السلفيين والإخوان مع تشكيل حكومة الدكتور هشام قنديل، في نهاية آب (أغسطس) الماضي، عندما جرى إقصاء السلفيين منها، ثم إتسعت الهوة مع صياغة الدستور، وظهر تباين واضح في وجهات النظر بين الجانبين، في ما يخص التعاطي مع الشريعة الإسلامية. وشكلت ضغوط السلفيين على الإخوان عاملًا مهمًا في الصياغة النهائية للمواد، ومنها المادة 220 الخاصة بتفسير مبادىء الشريعة الإسلامية، ما جعل نادر بكار أحد رموز التيار السلفي، يخرج عن دبلوماسيته المعهودة في التعامل مع الإخوان، متهمًا الجماعة ولأول مرة بأخونة الدولة، وإقصاء المعارضة من المناصب، معتبرًا أن ذلك هو السبب الرئيسي في حالة الإحتقان السياسي التي تعاني منها مصر، وهي مصطلحات سياسية دأبت المعارضة الليبرالية على إستخدامها في مواجهة الرئيس مرسي والإخوان.
نقض الوعود
بالرغم من موافقة مرسي على مبادرة حزب النور السلفي للخروج من الأزمة الحالية، بالإتفاق مع قيادات جبهة الإنقاذ الوطني، إلا أن جماعة الإخوان رفضتها. وتتضمنت المبادرة عدة بنود أهمها تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإقالة النائب العام طلعت عبد الله، وتشكيل لجنة لتعديل المواد الخلافية في الدستور.
يأتي إصرار الأحزاب السلفية على خوض الإنتخابات البرلمانية المقبلة منفردة، ورفض التحالف مع الإخوان، بسبب ما قالت عن نقض الإخوان وعودهم للسلفيين أكثر من مرة. وأكدوا أنهم ينافسون الإخوان على الأغلبية ويسعون إلى تشكيل الحكومة بعد الإنتخابات، ما يؤكد أن التحالف بين الطرفين صار في خبر كان، وأن مرحلة جديدة من الطلاق السياسي بينهما قد بدأت.
هوة عميقة
وفقًا للدكتور جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، هناك هوة عميقة ما بين الإخوان والسلفيين في ما يخص التعاطي مع الإسلام. فلكليهما تفسيرات لنصوص القرآن وتأويلات لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مختلفة عن الآخر، فضلًا على إختلافات كبيرة ما بين مرجعياتهما الفقهية، مشيرًا إلى أن بين الطرفين توافق سياسي، يقترب أحيانًا ويتباعد أحيانًا أخرى بحسب مصالح كل منهما.
وأضاف لـquot;إيلافquot; أن الإخوان ترى أن التحالف السياسي مع السلفيين شر لا بد منه، لا سيما وأن السلفيين معروف عنهم التشدد، بما يساهم في تكتيف طموحات الإخوان السياسية داخليًا وخارجيًا، لافتًا إلى أن الإنتخابات عادة ما تفرق بين الجانبين، ويخوض كل طرف منهما الإنتخابات منفردًا، بل أحيانًا يكونان متنافسين، لكن المحصلة النهائية تكون في مصلحة التيار الإسلامي تحت قبة البرلمان.
ونبه إلى أن السلفيين أعلنوا غضبهم من إقصائهم من تشكيل حكومة الدكتور هشام قنديل، وأعلنوا أن الإخوان تسعى للإنفراد بالسلطة، فسارع مرسي إلى تلطيف الأجواء وتعيين بعض رموزهم في الهيئة الإستشارية الرئاسية، لكن تلك المناصب الشرفية لم تكن لتلبي طموحات السلفيين.
خلافات داخلية
وكشف أن الخلافات ليست مع السلفيين فقط، بل أن جماعة الإخوان نفسها تعاني من خلافات داخلية، في ما يخص التعاطي مع المشهد الحالي، والدليل أن الرئاسة ومكتب المرشد باركا الحوار الوطني، في حين رفضه رئيس مجلس الشورى.
وفي ما يخص إتهامات السلفيين لمرسي والجماعة بأخونة الدولة، قال عودة إن ذلك يرجع إلى إٍستبعاد السلفيين من السلطة، ولم يكن يقصد المعارضة الليبرالية فقط، مشيرًا إلى أن تلك الإنتقادات تعبر عن وجود شرخ عميق في العلاقات بين الطرفين، ويؤشر على أنها مرجحة للمزيد من التدهور مع إقتراب الإنتخابات البرلمانية المقبلة، لا سيما وأن قيادات النور أعلنت أنها لن تتحالف مع الإخوان.
لا للتقارب مع إيران
كان ترحاب الإخوان الواضح بزيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لمصر ضمن القمة الإسلامية، والحديث عن فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الدولة الشيعية الأكبر، موضع خلاف حاد بين الإخوان والسلفيين.
وقال الشيخ محمود عامر، القيادي بالتيار السلفي، إن والإخوان لا تهتم بأية مباديء دينية، وتتعامل مع الإسلام وفقًا للمعطيات السياسية. وأضاف لـquot;إيلافquot; أن التقارب مع إيران مرفوض جملة وتفصيلًا، بسبب المنهج الأعور الذي ينتهجه الشيعية، لا سيما في ما يخص سب الصحابة وزوجات الرسول الكريم، إضافة إلى قيادة إيران عمليات الإبادة ضد السنة في سوريا والعراق، ومحاولاتها المستمرة الهيمنة على دول الخليج ونشر التشيع في مصر. ونبه إلى أن السلفيين يرفضون هذا التقارب، ولو إستمر الإخوان في هذا النهج، فإن السلفيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي.
ولفت إلى أن السلفيين يعيبون على الإخوان محاولتهم المستمرة إقصاء جميع ألوان الطيف من المشهد السياسي، والإنفراد بالسلطة، مشيرًا إلى أن مصر دولة كبيرة، ولا يمكن أن ينفرد بها فصيل سياسي واحد، حتى ولو كان جماعة الإخوان التي تتباهي بقدراتها التنظيمية.
ونبه إلى أن البديل للخروج من المأزق السياسي الحالي يتمثل في تبني الرئاسة مبادرة حزب النور وإقالة حكومة الدكتور هشام قنديل وتشكيل حكومة إنقاذ وطني يشارك فيها جميع التيارات السياسية، ومنهم السلفيون بالطبع.
لا تحالف مع الإخوان
أكد الدكتور يونس مخيون، رئيس حزب النور، أن المبادرة التي تقدم بها السلفيون لوقف الأزمة لا تدل على تحالف حزب النور مع جبهة الإنقاذ الوطني ضد جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة.
وقال لـquot;إيلافquot; إن المبادرة تهدف إلى إيجاد مخرج سياسي من الأزمة الحالية التي تكاد تعصف بمصر كلها. ولفت إلى أنه لم يتوقع قبول جبهة الإنقاذ للمبادرة، كما أنه لم يتوقع هجوم الإخوان عليها وعلى حزب النور.
ونبه إلى أن حزب النور لن يتحالف إنتخابيًا أو سياسيًا مع أي حزب سياسي لا يؤمن بالمرجعية الإسلامية للدولة، كما أنه لن يتحالف مع الإخوان، ولن يسعى لإسقاط الرئيس بغير الطرق المشروعة، وهي الصناديق الإنتخابية.
وقال مخيون إن إتهامات السلفيين للإخوان بالسعي لأخونة الدولة ليست جديدة، وسبق أن وجهها قيادات حزب النور للإخوان والرئيس شخصيًا في إجتماعات كثيرة، لكن الجديد أنها طفت على السطح إعلاميًا، بالتزامن مع إعلان مبادرة الإنقاذ.
وأشار إلى أن جماعة الإخوان تحاول إقصاء جميع الأطياف السياسية، ما يزيد من حالة الإحتقان في الشارع السياسي ضدها.
وفي ما يخص تأثير هذه الخلافات على التحالف الإنتخابي مع حزب الحرية والعدالة، قال إن التحالفات الإنتخابية لن تكون مع أي فصيل سياسي، مشيرًا إلى أن حزب النور يسعى للحصول على الأغلبية في مجلس النواب، وبالتالي لن يتحالف مع الإخوان أو غيرهم.
ولفت إلى أن حزب النور لديه تحفظات على التقارب مع إيران، تنبع من سب الشيعة للصحابة وزوجات الرسول الكريم، بالإضافة إلى محاولاتها الهيمنة على دول الخليج العربي، ودعم نظام حكم بشار الأسد ضد الشعب السوري.
غير منطقية
جماعة الإخوان المسلمون، وحزبها الحرية والعدالة، ترى أن مبادرة حزب النور غير واقعية. وقال الدكتور حلمي الجزار، القيادي بجماعة الإخوان، لـquot;إيلافquot; إن مبادرة حزب النور جيدة في حد ذاتها، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من البنود أو التفاصيل غير منطقية.
وأوضح أن المبادرة تتضمن شروطًا تعجيزية، مثل إقالة حكومة الدكتور هشام قنديل، بالرغم من أن الإنتخابات البرلمانية حاصلة بعد أقل من شهرين، مشيرًا إلى أن إقالة النائب العام مطلب غير دستوري، لاسيما أن رئيس الجمهورية لا يملك إقالة النائب العام، ولفت إلى أن هناك علامات إستفهام حول التوافق الحاصل بين حزب النور وجبهة الإنقاذ.
التعليقات