حي بابا عمرو الذي تصدر اسمه وسائل الإعلام العالمية في بداية تحول النزاع السوري إلى العسكرة، يكاد يكون أرضًا مهجورة. وحده الدمار في كل مكان الذي احال منازله وابنيته ركامًا.


حمص: لم يعد إلى بابا عمرو الذي كان يقطنه قبل الحرب اكثر من 35 الف شخص الا عدد قليل من السكان. بين النوافذ المحطمة لهياكل المنازل، لا صوت الا صوت الريح. في زاوية الشارع المؤدي إلى مقبرة بابا عمرو، تجلس فاطمة (64 عامًا) على الأرض تحت أشعة الشمس تراقب الطريق وأحفادها الذين يلعبون في الشارع المقابل.

رغم أن منزلها لم يصب باضرار، لكنها لا تريد quot;الخوض في تفاصيل الأيام الماضية، كانت مأساة إنسانية بكل معنى الكلمةquot;. وتقول باسى quot;اقحمنا في صراع لا علاقة لنا به، لم يبال أي من الأطراف بنا وبحياة اولادنا واحفادنا، انا اكرههم جميعاquot;.

وعاش سكان بابا عمرو، الحي الذي كان احد الاسباب الرئيسية لاطلاق اسم quot;عاصمة الثورةquot; على مدينة حمص في وسط سوريا، في شباط (فبراير) 2012 اياما قاسية من الحصار والقصف. في الاول من آذار (مارس)، اضطر الجيش السوري الحر للانسحاب من الحي الذي كان نزح معظم سكانه، ودخل الجيش الذي عزز سيطرته بعد ذلك على الحي وبعض المناطق المجاورة.

بعد بابا عمرو، اتخذ النزاع طابعًا أكثر دموية وحصد عشرات الاف القتلى والجرحى. واذا كان منزل فاطمة نجا من الدمار، فقد أصيب منزل ابنها في الطابق العلوي باضرار تم اصلاحها.

ويقول الابن البكر (34 عاما) quot;في الطرف المقابل لهذه المقبرة، كان مركز المسلحين، فيما تمركز الجيش بالقرب من منزلنا. حرب حقيقية دارت هنا والكل خسر سوى من سرق البيوت ونهب المتاجرquot;.

معظم المحال التجارية مغلقة والكثير منها واجهاتها الحديدية مدمرة. ويكسو الغبار ابواب البيوت الخالية. في بعض الشوراع انقاض وركام، وبعض اعمدة الكهرباء على الارض مع اسلاكها. جدران مثقوبة بالرصاص، وشرفات مهدمة.

وأعلن مسؤولون حكوميون اكثر من مرة بدء اصلاحات في البنى التحتية المتضررة التي قدرت باكثر من 33 مليون دولار اميركي.

لكن في حي بابا عمرو، مناطق واسعة لا تزال تفتقد إلى الماء والكهرباء والخدمات الاساسية. في المقابل، تستقبل المدارس التلامذة بشكل عادي. ويقول سامر، وهو تلميذ في الصف السادس، quot;لم اذهب إلى المدرسة العام الماضي. كنت اتنقل بين منازل اقاربي في بابا عمرو ودير بعلبة وجورة الشياح (داخل المدينة) إلى أنّ عدنا إلى منزلناquot;.

ويضيف quot;الكثير من رفاقي رحلوا، لكنني تعرفت على اصدقاء جدد، احب مدرستي ولا اود الابتعاد عنها مرة ثانيةquot;. ويوضح احد مرافقينا في الجولة داخل الحي quot;ليس كل من عاد من سكان الحي الأصليين (...)، فالعديد من العائلات التي نزحت من اماكن اخرى وجدت في بابا عمرو ملاذا آمنا بعد توقف الاشتباكاتquot;.

على مدخل الحي، يفتش حاجز للجيش كل السيارات ويدقق في بطاقات سائقيها. حركة المرور تكاد تكون معدومة الا من بضع سيارات لنقل الخضار والفواكه والمواد الغذائية والأساسية للسكان quot;الذين يقطنون في القسم الشرقي والشمالي الشرقي من الحي حيث توجد ماء وكهرباءquot;، بحسب ما يقول محمد (29 عاما) الذي ولد وترعرع في بابا عمرو.

الاتجاه غربًا والاقتراب من quot;حارة المجدرةquot;، معقل المعارضة المسلحة في الحي سابقا، يكشف دمارا أكبر واحياء كأنها مدن اشباح. في هذه الحارة، قتلت على باب المركز الاعلامي التابع للناشطين المعارضين، الصحافية الاميركية ماري كولفن من اسبوعية quot;صاندي تايمزquot; البريطانية وقتل معها المصور الفرنسي ريمي اوشليك.

في اليوم نفسه اصيبت بالقصف الصحافية الفرنسية اديت بوفييه التي امضت اياما طويلة في الحي المحاصر مع الاصابة في ساقها، إلى أنّ تمكنت من المغادرة في ظروف صعبة للغاية مع صحافيين اجانب آخرين قبل يوم واحد من دخول الجيش.

في احد الشوارع الخالية، يظهر خالد (33 عامًا) فجأة، ويشرح انه عاد إلى بابا عمرو مع زوجته واطفاله الاربعة، لكنه لم ينتقل بعد إلى منزله quot;الذي يفتقد للكهرباء والماءquot;.

ويقول خالد quot;بعد أن حوصرنا بين نيران الجيش من جهة والمسلحين من جهة أخرى لم يكن امامنا خيار سوى النزوح. امضينا اياما استحال خلالها اخراج رؤوسنا من النافذة. حرب طاحنة دارت هناquot;. ويعمل خالد على ترميم جدار منزله ليتمكن من الرجوع اليه بعد عودة الخدمات.

وأمام المؤسسة الاستهلاكية التي كانت يوما مقرا للجيش السوري، يقف طابور طويل من الناس ينتظرون دورهم للحصول على اسطوانة غاز. وجوه مكفهرة تراقب الوفد الاعلامي بامتعاض. quot;الناس هنا ملوا الصحافةquot;، يقول مرافقنا المسلح من قوات الجيش السوري.

ويشرح شاب أن quot;الأعمال في المدينة توقفت بالكامل وبات القتال الوسيلة الوحيدة في كلا الطرفين لكسب لقمة العيش، فيما تعيش الكثير من العائلات على مساعدات الهلال الاحمر، وهي غير كافيةquot;.

الضيق والذكريات الحزينة والدمار تركت آثارا سلبية على مزاج الناس. ويقول خالد بشيء من اليأس، quot;سواء بقي الأسد ام رحل، انا سابقى طيانا (عامل بناء)، ولن يتغير في حياتي شيءquot;، قبل ان يتابع طريقه نحو منزله المهجور.