بعد سحب النظام السوري فرقتين من الجولان مستعيضًا عنهما بوحدات متدنية، بدأت أستراليا تعيد النظر بجدوى بقاء جنودها هناك على الحدود بعد سحب كرواتيا قواتها، وهذا ما أقلق تل أبيب لكونها تعوّل على قوات الأندوف في مواجهة محتملة مع المتطرفين الإسلاميين.


أقدم النظام السوري في الفترة الماضية على سحب آلاف الجنود من هضبة الجولان، في خطوة وضعت مستقبل قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في المنطقة الاستراتيجية موضع تساؤل وزادت من مخاطر تدخل إسرائيل في النزاع المحتدم في سوريا منذ عامين.

قال دبلوماسيون غربيون إن انسحاب القوات السورية من خط الهدنة في هضبة الجولان أهم تطور تشهده المنطقة منذ 40 عامًا، مشيرين إلى نقل آلاف الجنود خلال الأسابيع الأخيرة من خط المواجهة مع إسرائيل إلى جبهات قتالية قريبة من العاصمة دمشق.

وأثار تحرك فصائل من المعارضة السورية المسلحة لملء الفراغ مخاوف إسرائيل من أن تستخدم جماعات جهادية المنطقة نقطة وثوب لشنّ هجمات على مواقع قواتها في هضبة الجولان التي تحتلها.

أستراليا تعيد النظر
في هذه الأثناء، تجد قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في هضبة الجولان نفسها مكشوفة على خطر يهدد وجودها نفسه، لا سيما وأن الدول التي تساهم في جنود في هذه القوات أخذت تعيد النظر بالتزامها، ومنها أستراليا، التي تسهم في أكبر عدد من الجنود.

حتى الآونة الأخيرة، كانت أربع فرق من الجيش السوري تتمركز على الحدود الشرقية لهضبة الجولان، التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967. وتكفل النظام السوري بجعل هضبة الجولان أهدأ المناطق الحدودية بين الدول العربية الأربع، التي لها حدود مع إسرائيل منذ ما يربو على 40 عامًا.

وقال مصدر دبلوماسي غربي لصحيفة الغارديان إن النظام السوري quot;نقل عددًا من خيرة وحداته بعيدًا عن هضبة الجولان، واستعاض عن بعضها بوحدات ذات نوعية متدنية، وما ترتب على ذلك من خفض في القوى البشريةquot;، واصفًا خطوة النظام السوري بأنها quot;بالغة الأهميةquot;.

قلق إسرائيلي
وأشارت مصادر أخرى في إسرائيل إلى انسحاب فرقتين كاملتين أو نحو 20 ألف جندي سوري من الجولان. وقال مسؤول رفيع في الحكومة الإسرائيلية إن وجود قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الجولان quot;الأندوفquot; هو quot;الآن أكثر أهمية منه في أي وقت مضى، ونحن نعرف أن بعض الدول المساهمة في جنود تعيد النظر بمساهمتها، وهذا يقلقناquot;.

ونقلت صحيفة الغارديان عن المسؤول الإسرائيلي أن حكومته تجري اتصالات بهذه الدول quot;في محاولة لفهم ما تخطط له إذا ازداد الوضع ترديًاquot;.

وأضاف المسؤول أن إسرائيل تجري محادثات مع الأمم المتحدة بشأن إمكانية توفير بديل إذا انسحبت وحدة من وحدات quot;الأندوفquot;. واستبعد المسؤول الإسرائيلي تفكك قوات quot;الأندوفquot; وانهيارها، ولكنه أضاف quot;نحن ندرك تمامًا هشاشة الموقفquot;. وكانت كرواتيا سحبت جنودها من الأندوف في شباط/فبراير، متسببة في زيادة العبء الذي تتحمله الوحدة الأسترالية.

مراقبة عن كثب
وقال مسؤول إسرائيلي آخر quot;نحن ننظر بقلق بالغ إلى الوضع. فمنذ عام 1974 كانت هضبة الجولان هادئة على نحو استثنائي، لكن الوضع تغير الآن، ونحن نتابع الموقف عن كثب. وكما تعرفون فإننا نبني سياجًا على امتداد الحدود، ونراقب الوضع عن كثب، مدركين وجود فاعلين مختلفين على مقربة من الحدود، ونحن نراقبهم مراقبة شديدةquot;.

وقال القائد السابق لوحدة الارتباط المسؤولة عن العلاقات مع قوات حفظ السلام في الجيش الإسرائيلي الجنرال باروخ شبيغل quot;إنه موقف حسّاس للغاية، ومن الضروري إيجاد آلية تسمح لقوات الأمم المتحدة بالبقاء، ولكنني لستُ متأكدًا من إمكانية ذلك، بسبب الوضع في سورياquot;.

اعترف الجنرال شبيغل بأنه quot;إذا لم تتمكن الأمم المتحدة من تنفيذ مهمتها، فإن هذا سيكون مأزقًا كبيرًا، ولا أحد يستطيع التكهن بمآلاتهquot;. وأضاف إن إسرائيل لم تواجه وضعًا كهذا من قبل، quot;ولكن سيناريوهات أسوأ الاحتمالات يمكن أن تأتي بإجابات أسوأ الاحتمالاتquot;.

وتشكل الوحدة الأسترالية نحو ثلث قوات quot;الأندوفquot; في الجولان، وتعتبر لا غنى عنها لنجاح مهمتها. ولم تتخذ الحكومة النمساوية قرارًا بشأن سحب وحدتها حتى الآن، ولكنها أجرت أخيرًا نقاشات بشأن القضية.

وأصبحت المنطقة الممتدة من مدينة درعا، مهد الانتفاضة في جنوب سوريا، إلى الحدود الأردنية أشد الجبهات إلتهابًا في الحرب الأهلية السورية منذ كانون الثاني/يناير. وحققت فصائل المعارضة السورية والجماعات الجهادية العاملة هناك مكاسب كبيرة على الأرض، بما في ذلك محافظة القنيطرة، القريبة من إسرائيل، حيث سيطر مقاتلو المعارضة قبل أسبوعين على قاعدة لقوات المدفعية قرب المنطقة العازلة في هضبة الجولان.

قوة عازلة
وأُغلق في هذه الأثناء المعبر الحدودي الحيوي مع الأردن، ونقلت صحيفة الغارديان عن مصادر في المعارضة السورية أن المعبر يُستخدم الآن طريقًا لإمداد القوات المعارضة.

والمعروف أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية قامت بتدريب عدد محدود من المقاتلين السوريين في قواعد داخل الأراضي الأردنية، في محاولة لدق إسفين بين جماعات جهادية، مثل جبهة النصرة، تواصل القيام بدور متعاظم على جبهات حاسمة، بحسب صحيفة الغارديان، ناقلة عن مصادر طلبت عدم ذكر أسمائها، أن بعض المقاتلين، الذين تلقوا تدريبًا أميركيًا، نُشروا في منطقة الجولان للقيام بدور القوة العازلة بين الجهاديين والوحدات الإسرائيلية.

وأكدت إسرائيل وقوع عدد من الحوادث التي تعرّضت فيها قواتها إلى نيران أسلحة خفيفة عبر خط الهدنة. وأطلق الجيش الإسرائيلي نيران أسلحته ثلاث مرات عبر الحدود، مستخدمًا الصواريخ ردًا على هذه الهجمات من دون أن يتهم بصورة علنية قوات المعارضة أو جيش النظام بالمسؤولية عنها.