تختلف رواية استعادة الجنود المصريين المخطوفين في سيناء بين مصدر أمني وآخر عسكري، لكنّ الثابت أن الخاطفين فروا، وثمة من يتحدث عن وعد مرسي للجهاديين بعدم توقيفهم، مخافة أن يقلبوا أيامه في الحكم جحيمًا.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: رغم النجاح في استعادة الجنود السبعة المخطوفين منذ سبعة أيام، إلا أن عملية تحريرهم ما زالت غامضة، في ظل إلتزام الجهات الرسمية الصمت، رغم عقد الرئيس محمد مرسي مؤتمرًا صحافيًا، لاستقبال الجنود، بحضور رئيس الوزراء ووزيري الدفاع والداخلية وكبار قادة القوات المسلحة والشرطة.
وتضاربت الأنباء بشأن تفاصيل عملية تحرير الجنود السبعة، الذين أفرج عنهم في التوقيت نفسه الذي تعرضوا للإختطاف فيه فجر الأربعاء الماضي. وقالت مصادر أمنية إن الجنود عثر عليهم في قرية صلاح الدين بالقرب من رفح المصرية، بعد حصارها من قبل قوات من الشرطة والجيش، في ظل تغطية مكثفة من الطائرات الحربية.

بيتًا بيتًا
قال مصدر أمني في مديرية أمن العريش لـquot;إيلافquot; إن عملية تحرير الجنود لم يحدث فيها أي إشتباك مع الخاطفين، مشيرًا إلى أنها تمت بطريقة الحرب النفسية. وأوضح أن قوات مشتركة من الجيش والشرطة حاصرت قريتين في منطقة رفح والشيخ زويد في شمال سيناء على الحدود مع إسرائيل وغزة، وبدأت في تفتيشها بيتًا بيتًا، منذ فجر أمس الثلاثاء.
وأضاف أنه تم العثور على الجنود مقيدين ومعصوبي الأعين في أحد المنازل المهجورة في أطراف مدينة الشيخ زويد، بعد أن تركهم الخاطفون وهربوا خوفًا من المواجهة مع القوات الأمنية.
وأشار المصدر إلى أن الفرقة الخاصة التابعة لوزارة الداخلية، التي أنشأها حبيب العادلي، وزير الداخلية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، كان لها دور فاعل في العملية، لافتًا إلى أنها فرقة على مستوى عال من التدريب والاستعداد، ومختصة في مكافحة الإرهاب وتحرير الرهائن. اضاف: quot;يبدو أن الخاطفين أصابهم الرعب بسبب التحليق المكثف للطيران الحربي، والوجود المكثف أيضًا للمعدات القتالية الضخمة، ومنها المدرعات والمجنزرات، إضافة إلى قوات يقدر عددها بالآلافquot;.

حرب نفسية
قال مصدر عسكري لـquot;إيلافquot; إن القوات المسلحة استخدمت الحرب النفسية بجدارة في عملية تحرير الجنود. وأوضح أن مركز الحرب النفسية بالقوات المسلحة إشترك في العملية، وساهم في نشر الشائعات حول العملية، وتوجيه أنظار الإعلام والرأي العام في إتجاه، بينما كانت القوات تعمل في إتجاه آخر تمامًا.
وأوضح المصدر أن القوات المسلحة أستخدمت خطة محكمة للخداع الإستراتيجي للخاطفين والجماعات الجهادية، وأن الخطة إشترك فيها زعماء قبائل في شمال سيناء، بالإضافة إلى عناصر جهادية في القاهرة، على علاقة بالعناصر الجهادية في سيناء، فضلًا عن قوات الشرطة وأجهزة الإعلام والقنوات الفضائية.
وأشار إلى أن الخطة نجحت بدرجة مئة بالمئة، منوهًا بأن الخطة اعتمدت التفاوض مع الخاطفين عبر الرسائل الإعلامية، ومعرفة ردود الفعل، وتحديد هويتهم السياسية أو الجنائية، وفي الوقت نفسه منح القوات وقتًا كافيًا لتحديد أماكنهم بدقة.
وأردف قائلًا: quot;بينما كانت الأنظار تتجه صوب الشيخ زويد ورفح، كانت المعلومات تشير إلى أن الخاطفين نقلوا الجنود إلى مناطق في وسط سيناء، بعد رفض القبائل والأهالي إيواءهم في المناطق المأهولة شمال سيناءquot;.
لكن المصدر العسكري قدم رواية مختلفة عما قدمه المصدر الأمني، وقال إن طائرة إستطلاع عثرت على الجنود المخطوفين فوق جبال سيناء، وتحديدًا بالقرب من جبل الحلال، الذي يعتبر معقلًا للجماعات المسلحة. ولفت إلى أن الخاطفين حرروا الجنود، وتركوهم وسط الجبال وفروا هاربين بعد تضييق الخناق عليهم. وأضاف أن القوات المسلحة والشرطة لن تتوقف عن ملاحقة الخاطفين حتى يتم إلقاء القبض عليهم أحياء، وتقديمهم للمحاكمة، ليكونوا عبرة للآخرين. ولفت إلى أن القبض عليهم أحياء سوف يقطع جميع الألسنة التي تتحدث عن عقد صفقات مع الإرهابيين، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة أو الدولة لا يمكن أن تعقد صفقات مع الخارجين عن القانون، أيًا كانوا.

البحث مستمر
أعتبر المتحدث العسكري العقيد أحمد محمد علي أن عملية تحرير الجنود كانت هدفًا مرحليًا، مشيرًا إلى أن هناك عملًا استخباراتيًا يتم الآن فى سيناء. وأضاف أن هناك أهدافًا أخرى سيتم تنفيذها في الفترة المقبلة، وهناك معلومات سيتم إعلانها خلال الفترة المقبلة.
وكشف الخبير العسكري اللواء ممدوح عطية عن بعض تفاصيل خطة إطلاق سراح الجنود. وقال لـquot;إيلافquot; إن القوات المسلحة أنشأت غرفة عمليات خاصة لإدارة الأزمة، وأن الخطة إشتركت فيها قيادات من وزارة الداخلية والمخابرات العامة والمخابرات الحربية، تحت قيادة وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي، وأن العملية وضعت خطة لتحرير الجنود بكافة الوسائل، ومنها إستخدام القوة المسلحة.
وأوضح عطية أن الخطة إعتمدت على محاصرة الخاطفين، مع تكثيف أمني وتغطية إعلامية مكثفة، من أجل إرسال رسائل جدية للخاطفين.
أضاف: quot;اضطرت الجماعة الخاطفة تحت الضغط النفسي إلى الإفراج عن الجنود وتركهم في منطقة صحراوية، وفرت هاربة، لكن غرفة العمليات ما زالت مستمرة في عملها، حتى يتم القبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمةquot;.

وعد مرسي
إلى ذلك، شككت دوائر سياسية في عملية الإفراج عن الجنود، ووصفتها بـquot;الفشنكquot;. وقال صفوت عمران، عضو المكتب السياسي للقوى الثورية الوطنية، إنه يحمد الله على عودة الجنود المصريين، متسائلًا عن كواليس تحريرهم وحقيقة ذلك.
أضاف في تصريح صحافي: quot;كيف تم تحرير الجنود من دون طلقة واحدة؟ وأين اختفى الخاطفون من دون إلقاء القبض عليهم؟quot;
وطالب عمران بتحديد الاسماء والجهات والشخصيات السياسية التي تفاوضت معهم وعقدت صفقة مشبوهة تقضي بالافراج عن الجنود، مقابل تركهم من دون القبض عليهم وتقديمهم للعدالة.
واعتبر عمران أن طريقة الافراج عن الجنود ليست الا ترجمة واقعية لوعد الرئيس بالحفاظ على الخاطفين من دون أن تمس شعرة منهم، quot;تنفيذًا لوعوده للجهاديين قبل وصوله إلى الحكم بالافراج عن قياداتهم وعناصرهم من السجون المصرية، الذين تم القبض عليهم في عصر مبارك. أضاف أن مرسي أفرج بالفعل عن العشرات منهم، في مقدمهم 21 عنصرًا فور توليه السلطة، رغم تورط أربعة منهم في عملية قتل الجنود المصريين في رفح، وفقًا لما تم اعلانه وقتهاquot;. وأشار إلى أن الرئيس لا يستطيع مخالفة وعوده للجهاديين خوفًا من ردة فعلهم، إذ يمكنهم تحويل ايام مرسي إلى جحيم، quot;في ظل سلطة مرتعشة ومرتبكة ولا تحترم دولة الدستور والقانونquot;.

لك الله!
أضاف عمران: quot;أتعجب ممن يشيدون بطريقة الافراج عن الجنود المختطفين، رغم انها تمت بشكل يحمل الكثير من علامات الاستفهامquot;.
وتابع قائلًا: quot;قررت إدارة أول رئيس مدني منتخب تركها مرتعًا للخارجين عن القانونquot;. وقال ساخرًا: quot;في زمن الاخوان، أسرق مصر ورجّع نص الفلوس، وانت تبقى من رجال الاعمال الشرفاء، ويستقبلك مندوب الرئاسة في المطار، واخطف الجنود وهدد الامن القومي واجعل سمعة الدولة المصرية في الوحل وسيبهم وكأنك ولا عملت حاجة، وبدلًا من تحرير فلسطين اترك سيناء لاحتلال الجهاديين والخارجين عن القانونquot;.
ووصف عمران عملية تحرير الجنود بـquot;الفشنكquot;، مشيرًا إلى أن كواليس الافراج عنهم جريمة وعار. وقال: quot;الجنود بقالهم يومين في الصحراء تايهين ولقاهم واحد ابن حلال بعدما كانوا اقتربوا من الموتquot;.
وتساءل عمران كيف يعلن وزير الداخلية انه يعلم اسماء الخاطفين، quot;فأين هم؟، وأين ذهبوا بعد اعلان تشديد الحصار على مداخل ومخارج المنطقة؟ وكيف هربوا؟quot;. واختتم قائلًا: quot;لك الله يا مصرquot;.

ثقة في محلها
طالب الدكتور عصام أمين، الامين العام لحزب مصر الثورة، بكشف المتورطين في عملية خطف الجنود والمحرضين على ذلك للرأي العام، quot;فمن حق الشعب المصري أن يعرف هل تم القبض على الخاطفين ومن هم ومن المحرضquot;. وأكد أمين أن الخطوة المقبلة التي ستمحي أي تخوف لدى المصريين هو القبض على منفذي العملية، والقضاء على أي تشكيل أو تنظيم مسلح، وتطهير سيناء والبلاد كلها من ذلك.
وفي السياق ذاته، قال حزب الحرية والعدالة إن عملية تحرير الجنود تؤكد أن ثقته في القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية واﻷجهزة اﻷمنية كانت في محلها، وهو يثمن كافة الجهود التي بذلها رجال القوات المسلحة البواسل ورجال اﻷمن المركزي واﻷجهزة اﻷمنية تحت إشراف القيادة السياسية.
وأضاف في بيان له، تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه، أن الحزب يثمن دور مشايخ القبائل في سيناء في التعاون مع اﻷجهزة اﻷمنية في عملية تحرير الجنود، كما يثمن الحزب مواقف اﻷحزاب والشخصيات الوطنية التي شاركت بإبداء الرأي والمشورة والتفت حول قيادتها السياسية وأعلت المصلحة العليا لمصر.
ودعا الحزب بقية اﻷحزاب والقوي الوطنية إلى اﻻستجابة لدعوات الحوار للمساهمة في بناء مصر، والنهوض بها، خصوصًا في المواقف التي تتطلب الوقوف صفًا واحدًا في مواجهة أي خطر يهدد أمن الوطن وسلامة أبنائه.